تغريدات الملك وحكومة الرزاز
طارق زياد الناصر
06-03-2019 03:34 PM
على غير ما راج في وسائل التواصل الاجتماعي من تحليلات مختلفة لرسالة الملك عبر صفحته على موقع تويتر أعتقد أن هذه التغريدات هي رسائل ملكية قاسية وجهت للحكومة على وجه الخصوص، وأكدت على الموقف الملكي بضرورة التعامل بجدية أكثر مع القضايا الوطنية بغض الطرف عن حجم القضية وأهمية الملف، فهيبة السلطة التنفيذية هي الجانب الأهم من هيبة الدولة التي يجب ألا تكون عرضة للتهاون من خلال القرارات المترددة التي تراجعت عنها الحكومة لأنها كما يبدو في أصل الأمر أخذت بضعف ودون وجه حق.
القرار غير المدروس والتراجع عنه هما وجهان لحكومة ضعيفة أثارت غضب جلالته، فعلى سبيل المثال كان لقرارات التعيين المسربة التي احتوت على رواتب استثنائية في سلم الرواتب الأردنية أثر سلبي تمثل في إثارة الشباب وتعميق شعورهم بالظلم واستفزاز الشارع الأردني، لكونها أيضا قامت على استثناء حكومي للمرشحين تراجعت عنه الحكومة لتوثق الخطأ الذي ارتكبته ووضعت المرشحين في مهب ريح الانتقاد ومواجهة الغضب الشعبي وتخرج هي من الحرج، وكان لا بد من رد اعتبار المرشحين الإنساني فأكرمهم الملك بتغريدته ليعلن أن المقصر هو الذي تجاوز التعليمات وليس الباحث عن الوظيفة.
تدخل الملك في هذه القضية أعمق من أن ينظر إليه من زاوية واحدة دون العودة إلى تحليل أعمق قليلا وأكثر دقة، فأول ما كتب كان عن اغتيال الشخصية وهو أمر نتفق مع جلالته على رفضه، ثم أشار جلالته إلى ما جرى من تسريب للوثائق بشكل غير قانوني، وهو أمر لا يمكن إنكار عدم شرعيته رغم كون الوثائق المسربة كانت سببا في الهزة التي كشفت ضعف مجلس الوزراء للجميع، فجاءت التغريدة حاملة لأمر ملكي بتفعيل القانون والمعني بذلك قطعا هو الحكومة وليس سواها.
التغريدة الثانية دعت الحكومة لممارسة العدالة والنزاهة التي تجاوزتها في قراراتها الأخيرة ما يؤكد أنها المقصودة بالخطاب الملكي، وحتى لا يشعر زيد ولانا وفيصل وغيرهم بأن قسوة الملك طالتهم كان لا بد من الإشارة المباشرة لهم، مقرونة بالروح الإيجابية المطلوبة لتعينهم على مواجهة خطاب الكراهية الذي طالهم بسبب القرار غير المدروس.
واختتم جلالته تغريدته الثانية بالدعوة لإتاحة الفرص للجميع ضمن معايير واضحة ومحددة تقوم على الكفاءة والجدارة والمساواة، وهي رسالة أخرى للحكومة وأجهزتها كان الأصل أن لا تتجاوزها فيضطر الملك لنقل هذه الرسالة على الملأ ربما أيضا لتكون رسالة ملكية للشعب بأن جلالته يتابع أدق التفاصيل وأنه العين التي لا تغمض عن شعبه ولا تتهاون في الحفاظ على حقوق الأردنيين وحماية كرامتهم.
لا أخفي قلقي مما قامت به الحكومة وغضبي كأي أردني من تجاوزها معايير النزاهة والشفافية، وهو قلق مرتبط أيضا بسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي الذي يحتاج لدراسة حقيقية، لكن لا يمكن باي حال من الأحوال تحميل الباحثين عن الوظائف مسؤولية تقصير الحكومة في الإعلان عن هذه الوظائف خاصة وأن الملك من خلال ترؤسه لجلسة مجلس الوزراء بعد التعيينات التي شملت أشقاء النواب قبل أسابيع قد وجهها بعدم تمرير أي تعيينات دون تحديد معايير الاختيار فكانت التغريدات الأخيرة رسالة أخرى أكثر قسوة من سابقتها.
ختاما أعتقد أن هناك إجراءات ملكية قريبة ومستعجلة لن تكون حكومة الرزاز بمعزل عنها ستتبع هذه التغريدات الملكية، وستكون بمثابة إعادة تشكيل للعلاقة بين الحكومات والمواطنين، وإعلانا لتوثيق الرؤية الوطنية القائمة على العدالة والوضوح والشفافية، وأتمنى بالتزامن مع ذلك أن تلتقط الجهات المعنية أيضا ضرورة العمل على إعادة صياغة الخطاب الأردني في مواقع التواصل الاجتماعي ليتوافق مع رؤية الملك وينسجم مع المصلحة الوطنية الجامعة.