لافروف عميد الجراحة الدبلوماسية زار الخليج. ماذا هناك؟
د.حسام العتوم
06-03-2019 02:11 PM
تابعت باهتمام وعبر وسائل الإعلام المختلفة زيارة وزير خارجية الفدرالية الروسية سيرجي لافروف للخليج حديثاً وقبل ايام من شهر اذار الحالي، ولافروف عميد الدبلوماسية الروسية، والجراح الدبلوماسي والسياسي الماهر، وهو من اهم وابرز وزراء الخارجية في زمننا ، والاهم هو انه يتحدث بإسم المدرسة الروسية السياسية الشرقية العادلة المتمسكة اكثر من غيرها بقيم الامم المتحدة ، ومجلس الأمن والقانون الدولي، وسبق له ان قاد عملية سياسية ودبلوماسية ناجحة في سوريا نيابة عن قيادة الكرملين وبوتين وعبر مؤتمرات جنيف، والأستانا، وسوتشي، ولا زال، وفي كل ازمة عربية ينحاز للواقع ولصناديق الاقتراع وللحوار ،ولا يذهب لسياسة الانقلابات كما عودتنا على ذلك رياح الغرب، وهو وزير مخضرم للخارجية، وله في مكان عمله رفيع المستوى خمسة عشر عاماً منذ عام 2004، وسبق له ان عمل في الأمم المتحدة مندوباً دائماً عام 1994، وكان خبيراً ومهندساً في ادارة رابطة الدول المستقلة في الاعوام 1988/1994 عبر وزارة الخارجية، وقديماً عام 1976 عمل في الامم المتحدة ايضاً كبيراً للمستشارين ، وهو اي لافروف خريج قسم اللغات الشرقية من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية عام(1972) ومن اب ارمني ومن ام روسية جورجية، ويتقن الانجليزية، والفرنسية ، والسنهالية، وعمل دبلوماسياً في سيريلانكا.
والى خليجنا العربي الذي لا زال يعاني من ازمة اقتصادية رغم مخزون النفط والغاز والتي سببتها له الزيارة الرئاسية الامريكية عام2017، ونتج عنها توقيع اتفاقات اقتصادية، ومنها عسكرية مليارية بلغت 200 مليار دولار، وصل لافروف بتاريخ 3 آذار الجاري حاملاً معه ملفات ثلاثة كبيرة، والتي في مقدمتها السورية، والفلسطينية، والعسكرية الاقتصادية، ويعود الى موسكو حاملاً دعوة للرئيس فلاديمير بوتين لزيارة قطر والسعودية في الزمن القادم المناسب، فماذا وضع لافروف على طاولة الخليج من زاوية الجراحة الدبلوماسية باعتباره ايضاً طبيباً سياسياً محترفاً في ملفات العالم ومن بينها العربية الشائكة تحديداً وربما المعقدة؟
ويعرف سيرجي لافروف بأن عصب الازمة السورية التي طال زمن علاجها يرتبط بخارج الحدود السورية منذ اندلاعها عام2011، لذلك عمل وقيادة الكرملين على تقريب تركيا وايران، وادخلهما في اوراق جنيف، والاستانا ، وسوتشي ، وسيطرت بلاده روسيا على ملف ادلب الذي ارتبط بتنظيم النصرة عبر تشكيل منطقة لخفض التصعيد شمالاً، ونجح في تشكيل منطقة خفض للتصعيد في الجنوب السوري اشرك بها الاردن وأمريكا، وعينه على الخليج الذي لا ينسجم مع نظام دمشق والعكس صحيح ايضاً، وكلنا نعرف كيف كان حال الازمة السورية في بداياتها، وفي زمن الخطة (ب) الامريكية الصنع وبجهد جون كيري وزير الخارجية آنذاك والتي هدفت لإيجاد بديل لإنسداد شرايين الحلول السياسية الخاصة بسوريا، وكان من الممكن ان تؤدي الى تقسيم سوريا، والى هدم نظامه السياسي، وهو الذي افشله التدخل السياسي والعسكري الروسي عام2015، وكيف اقنعت امريكا اصدقاؤها العرب بذلك، لذلك جاء لافروف للخليج ليتأكد بان المشروع الروسي في سورية اصبح مقنعاً لهم اكثر من سابقه الامريكي، وبان الأسد في دمشق باق ما لم تأت صناديق الاقتراع ببديل عنه ، وسمع من الخليج قولاً مفاده بأن اعادة بناء سوريا ن وعودتها الى عرينها العربي مرتبط بحدوث تغيرات على الارض، وهو الذي لم يحدث ، ولم يستطيع الخليج التنبؤ به، وعدم وجود علاقات سوريه خليجية دافئة وبالعكس تعيق عملية التقدم عبر مسار اعادة البناء ، والعودة للعمق العربي، وهو الذي يصعب على الدبلوماسية الروسية تحقيقه في الزمن القريب كما اعتقد . وملف القضية الفلسطينية الذي تراجع امام تقدم حلول الازمة السورية ترغب موسكو بإعادته للسطح عبر الحوار الفلسطيني الفلسطيني الذي يصطدم بجداري حماس والجهاد وبعد خالص الاحترام لهما بطبيعة الحال، ولمطالبتهما في لقاء موسكوا الاخير بتوضيح مصطلح الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وتوضيح حق العودة ومستقبل العلاقة مع اسرائيل.
وتتحرك موسكو لترسيخ حوار فلسطيني اسرائيلي مباشر رفيع المستوى بحضور محمود عباس وبنيامين نتنياهو يمكن ان يحقق نتائج تختلف عن تلك التي لم تحققها الجولات المكوكية الامريكية المنحازة علناً لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، وترفض موسكو كما العرب وعمقهم الاسلامي والمسيحي صفقة القرن، ومسألة تهويد القدس، واعتبارها عاصمة لإسرائيل، وتقر بحل الدولتين وبالقدس عاصمة لدولة فلسطين، وتحترم بقاء الوصاية الهاشمية في العهدة الاردنية التاريخية.
وفي المقابل الاحظ بأن موسكو جاهزة لتلبية احتياجات الخليج بمنظومة الصواريخ الدفاعية 400 c وغيرها ،لكنها لا تشجع على التصادم الداخلي او حتى مع الخارج وتغلب لغة الحوار ، ومن حق العرب ان يمتلكوا السلاح الدفاعي وحل قضاياهم الاقتصادية العالقة ، ولا يزال بين العرب الفقير والغني على مستوى الدول والشعوب، والتنمية الشاملة مطلوبة لمحاربة الفقر والبطالة اولاً ، فليس كل دولة عربية حباها الله بالمكتنزات البترولية والغازية تحت الارض، وعدد سكان كل دولة عربية ، وكل العرب بازدياد طردي ملاحظ ، حيث يبلغ عدد العرب الان 407,5 مليون شخص منهم اكثر من 48 مليون نسمة في السعودية ، وقطر، والكويت ، والامارات.
ويبقى الموضوع الايراني وعلاقته مع الخليج تحديداً ومع العرب بشكل عام، ومع اسرائيل وامريكا هو الأسخن والمحتاج لحوار وجلوس على طاولته، ونصح ايران لكي تلتزم بحدودها وتكف عن نشر هلالها وسط العرب، وبأن تخرج من الجزر الاماراتية المحتلة طوعاً لترطيب العلاقات مع الخليج، والعرب ذات الوقت، وبأن تبتعد عن المبالغة الاعلامية . ونصح اسرائيل بالخروج من اراضي العرب المحتلة في فلسطين، وسورية، ولبنان ، والى العزوف عن التحرش بسوريا بسبب التواجد الايراني المدافع عن سوريا وضمن معاهدة دفاع مشتركة بين طهران ودمشق ، والقبول بمبادرة العرب للسلام المطروحة على طاولة الشرق العربي منذ مؤتمر بيروت عام2002، والابتعاد عن التحرش بإيران حتى بعد تشجيعها لأمريكا بأن تنسحب من الاتفاق النووي الموقع دولياً عام2015 وايران لن تكون قادرة على تطوير سلاحها النووي ما دامت تحت رقابة دولية دقيقة ومنها الاستخبارية. وأمن العالم يبدأ من الشرق العربي والأوسط وتفكيك ترسانة سلاح اسرائيل النووية على غرار تفكيك ترسانة سلاح سوريا الكيماوية عام 2013 وبقرار من مجلس الامن، وبجهد روسي امريكي مشترك وطويل المدى غاية في الاهمية، وعلى المجتمع الدولي ان ينتبه لذلك ولكي تنتهي المهاترات الإسرائيلية – الإيرانية وبالعكس الى الابد، ولكي تذهب المنطقة للتنمية الشاملة خدمة للإنسان والبشرية والله من وراء القصد.