لعل هذا المفهوم هو من الاكثر المفاهيم تداولا بين الناس هذه الايام , فاذا التقيت مع وزيرا , ليسألك كيف الوضع سرعان ما تجيبه "بخربانه" واذا تحدثت مع سياسي او حزبي او صحفي او مفكر اوطالب جامعي او مدرسة وجدته يقول لك في الخلاصة "خربانه" , واذا ما تحدثت مع عامل وطن او مفكر فلسفي او لا عب كرة او اي من الجمهور المتفرج , فلن تجده يقول غير" خربانة" فهذا اذا رأي عام وقناعة عامة لدى الناس . فالواقع المعاش الرضى عن هذا الواقع غير موجود ز وهو غير مقبول ومرفوض بكل فلسفاته ومنتجاته السلوكية والتعبيرية .
ولعل البعض يعود بهذه الحالة الى اسباب سياسية أو محاولات اساءة أو مجرد فبركة اعلامية لتشويش الراي العام الاردني , أو الى مؤامرة خارجية يستهدف منها النظام السياسي الاردني ,أو مواقف سياسية قادمة وكأننا سندفع فواتير استحقت علينا , او كما يتوقع البعض تصفيات في الحسابات السياسية و اسافين تدق في اعمدة الوطن لضعضعتها او لإضعافها, أومجرد اشاعات يفبركها من فقد السلطة او لم يستلم سلطة أو الطامح بالسلطة , فكلنا يعلم ان الثقة بالصالونات السياسية وبرجال السياسة اصبحت بنفس المستوى من الثقة بالمؤسسات والشخوص القائمين عليها . ؟؟ غير ان الحقيقة التي يجب ان نفهمها ونغرسها بادمغتنا هي ان ما نعيش فيه هو واقعنا الحقيقي ومستوانا بدون تجميل او اقنعة , وطبيعتنا التي كان لا بد لها ان تبتكر وتبدع بينما تشتد علينا الظروف جراء التغيرات الحقيقية التي حصلت وتحصل على المستويات والمحاور السياسية والاقتصادية والثقافية ..الخ
ان هذا المفهوم حقيقة هو التعبير الحقيقي عن السخط والالم والصراع مع الذات الذي تولد جراء تناقض المبادىء العامة والقيم النبيلة ومفاهيم الحاكمية الرشيدة مع التطبيقات الواقعية التي نشاهدها والممارسات التي تتناقض تماما مع كل القواعد التي حاولنا تطبيقها كدولة مدنية تعترف بالقانون، وليس لسلطة أخرى. فلا حكومات داخل حكومات ولا قول يعلو فوق صوت القانون , فالعشائر تبددت واستقصد تهميشها , واضمحلت سلطة الرموز , وشوهت معاني الحرية , وتبدلت الديمقراطية بمعززات الانانية والعنصرية والطائفية والاقليمية , وبدت المحاصصة صورة ثابتة في قواعد الدولة ولعبة رموزها , واصبحت الاصوات العالية والابواق الفارغة سمة لحصد المكاسب والمغانم ، واضفت الصحوبية والشللية بديلا عن المساواة والعدالة ورفع الظلم .
ان الغربة التي يعيشها المواطن من الضبابية الكبرى وسوء المشاهد والتحيز واساليب القهر التي يراها كل يوم أنما تعزز فيه سوداوية المستقبل وبعد الامل . فمفهوم خربانه عند المواطن يعني فقدان الامل , وبعد الصواب وغياب الحاكمية الرشيدة عن الواقع التطبيقي , وبنفس الوقت تعتيم الايمان والثقة بالشخوص , فكيف اذا سيصنع الامل .
عندما سأل الرسول عليه السلام عمربن الخطاب: هل تحبني اكثر من اهلك ؟ قال نعم , فقال الرسول هل تحبني اكثر من نفسك قال عمر ان في نفسي شك بذلك فقال الرسول لم يكتمل ايمانك , فحب الرسول اكثر من النفس كان هو الايمان الحقيقي وبالتالي الطاعة الكبرى . فقيم الاحترام والتقدير والطاعة والايمان بالشيء وتحمل مسؤوليته والتوافق معه وحمايته والحرص عليه والدفاع عنه والتضحية من اجله والنظر للامام فيه ، لا يمكن ان يتم دون القناعة بالشخص ورسالته وسلوكة . وما ينطبق على الشخص ينطبق على الدولة , فبدون القناعة بالشخوص القائمين على الدولة وتاريخهم ، والتشريعات وفلسفتها وتطبيقاتها الحقيقية الشفافة النزيهة ,وطبيعة انسجام العلاقة بين نظام الدولة كمحقق لتطلعات وطموح بين الفرد المواطن ، وشمولية القانون ودقته على اساس مبادىء الدولة المدنية الدستورية . فبدون ذلك لا يمكن ان نعزز الثقة بين المواطن اي كان موقعه وطبيعته ومهنته وفكره وثقافته وتوجهاته وبين مسؤوليته الوطنية القائمة على المواطنة الحقة, فالمسؤولية الوطنية تحتاج كفاية وطنية واحترام للمواطنة وقبل هذا وذاك اهلية وطنية . وبطبيعة الحال لا يمكن خلق هذه الاهلية بدون قوانين وتشريعات عادلة ومدنية مطبقة على الجميع دون استثناء وقواعد حكم رشيد (لا يفرق بين الابيض والاسود الا بالتقوى ). المشكلة للاسف اننا لم نجد من يدافع عن هذا الوطن ولم نجد من يرفع الظلم عنه ويحاكي الحقيقة , فالوطن يبقى هو الاغلى الذي لم ولن يتنازل عنه الناس رغم كل المصائب التي يواجهها المواطن , لان الوطن هو جزء من كيان الفرد ووجوده والعكس صحيح خاصة وأن الحفاض على أمن الوطن هو بمعناه حماية المواطن لنفسه , فهذه البقعة من الارض معقلنا ومربط خيلنا الوحيد في هذه الدنيا وما لنا عنها خيار.
"خربانه ", هي النتائج التي اوصلتنا اليها سوء الملف المالي وفساد المتعاملين فيه . وعظم المديونية التي لا نعرف كيف وصلنا اليها ولماذا ؟ . خربانه لان افراد بعينهم أو انجالهم يتكررون على صنع المصير والمسيرة الاردنية رغم محطات الفشل التي اوقعونا بها ؟ وأوصلت مسؤولين واصحاب اراء غريبة غير منسجمة مع واقعنا وجعلتهم اصحاب القرار الاولبعيدا عن واقع الناس وحياتهم وتطلعاتهم , خربانه عندما نرى مواطننا يلهث وراء لقمة العيش ونحن نصيد الجميلات في حفلات تكريمية دون حسيب او رقيب , "خربانه " عندما نرى اقتصادنا يتراجع والمستثمرون يهربون والنمو يتباطأ ونحن نسمع تنظيرات ومؤتمرات وندوات تبشرنا بالجنة التي كنا فيها موعودون . "خربانه" عندما اجد فوضى الامن والطخطخة بالشوارع (من ابن فلان وابن علنتان )وكأننا نعيش بالصحراء ،واجد سرارقي المياه يتهافتون اعلى رقة مياه الخطوط أو على حفر الابار الجوفية بلا خوف ولا وجل , ويرفعوا السلاح في وجه كل من ياتيهم وكأنهم دولة داخل دولة , . واجد المخدرات تباع بالشوارع وبشكل نافر, وكأنه لا اجهزة رقابة ولا متابعة ,واجد الشرطي غير قادر على منع اخطاء وتجاوزات ومخالفات مرورية , بحكم التعليمات وظروف الناس . "خربانه" يرددها الناس عندما يجدوا ان المدعويين الذين ترفع اسماءهم الحاكمية الادارية للمناسبات الوطنية واستقبال الملك , لا يمثلون اعيان البلد او كبار متعلميها او قادة الراي فيها او الاشخاص المشار اليهم بالبنان , دون احترام لجليل او كبير او عالم ليستبدلوا بطبقات تمثلها شلل المسؤولين .
"خربانه" عندما لا نجد من يضبط التعيينات ويماسسها على الكفاءة والخبرة , بعيدا عن الصحبة والمحاصصة والشللية ., "خربانه " يقولها الناس وهم ينتظرون دورهم بدوان الخدمة ما يزيد عن عشرة سنوات, ويرون بعضهم يزج بالوظيفة وبالاعداد دونان يتم احترام مشاعر المنتظرين . , خربانة عندما انرى البهجة تغيب من عيون الخريجين , وهم يرون انفسهم يسضافون الى طوابير العاطلين عن العمل , فكيف بهذا الشاب وهو ينظر لبناء مستقبله أو يسدد ما استدانه وانفقه , أو يكون عائلا لوالديه وأهله . "خربانة" عندما اجد ان القطاع الخاص ما زال خداجا يعتمد على مشاريع الحكومة , وعندما اجد ان المستثمر يحتاج لشخصية تسنده ليتمكن من الصمود في سوق النهاشين الذين لا يرحموا احد , والحكومات تقف صامتة متفرجه وكأن الامر لا يهما , "خربانة" عندما اجد مجرد حفنة ماء تغرقنا وتكشف عورتنا وسوءتنا . "خربانه" عندما اجد ان لكل مؤسسة بوق سرعان ما يندفع بالنعيق سلبا أو ايجابا ليدافع عن فشل واضح وخراب مفضوح . شهداء فوق شهداء وخراب ودمار واحدث تسبقها احداث ولم نجد مسؤولا يحترم نفسه ليعلن مسؤوليته . خربانه لاننا لم نصل حد مفهوم المسؤولية التي تعني الامانة , والحرص , والاهلية والكفاءة . هذا غيض من فيض والالم يستجر أكثر. كلمة ومفهوم يمكن ان يتحدث بها كل قارىء ليكتب فيها صفحات وصفحات واتركها لكل شخص ان يقدر معناها بتجربته وفكره ورؤياه تجاه الواقع , بلدي سيبقى صامدا وسنبقيه بعيدا عن اساءة من يتولوه ويقسوا على ابنائه , فاشد الظلم على الناس اتهامهم بالجهل وأمامهم سلوكيات القهر ترتكب كل يوم , فاشفقوا على هذا الوطن واعيدوا الروح اليه ولوبشق تمرة .