الأزمة التي يصدّرها نتنياهو إلى الأردن
ماهر ابو طير
06-03-2019 12:46 AM
لم یعد الحرم القدسي، وفیھ المسجد الأقصى، یثیر اھتمام كثیرین، والذي یتأمل حال النخب في العالم العربي، یصاب بخیبة كبرى، اذ یتحدثون عن كل شيء، من سعر رغیف الخبز، الى الانتخابات النیابیة، مرورا بحقوق القطط في قطع الشوارع دون أذى، لكنھم یتعامون عن قضیة دینیة ذات تأثیرات سیاسیة كبرى، تتعلق بكل ملف القضیة الفلسطینیة.
ھذا عار كبیر ان تتعامى النخب والشعوب أیضا، عن ھذا الملف، ولیس ادل على ذلك ما یقولھ او یفعلھ الصحفیون، النواب، الوزراء، السفراء، قادة الرأي العام، الحزبیون، الاقتصادیون وغیرھم، في اغلب الدول العربیة، فالكل مشغول بقضایا أخرى، وندر ان تجد تعبیرات سیاسیة او شعبیة، في ھذا الملف، مقارنة بعقد مضى، وكأن الإرھاق والانھاك في عصب ھذه المنطقة، وصل الى اعلى درجاتھ، وبحیث تترنح كل المنطقة، تعباً.
نحن الآن، امام خطر كبیر، غدا الخمیس، وخلال شھر آذار الحالي، وھو خطر یتجدد، ویوجب الیوم تحركا رسمیا، وشعبیا، وعلى كل المستویات، من اجل وقف ما یجري في القدس.
الفلسطینیون في القدس، فتحوا مصلى باب الرحمة، وبواباتھ المغلقة، منذ العام 2003، والاغلاق السابق كان بقرار من المحكمة الإسرائیلیة، ومنذ فتحھ في شباط الفائت، ترید الحكومة الإسرائیلیة إعادة اغلاقھ، كسرا لإرادة الناس في القدس، إضافة الى حاجة نتنیاھو على مشارف الانتخابات الإسرائیلیة، الى ما یدعم شعبیتھ امام الناخبین الإسرائیلیین، او یخفف عنھ اتھامات الفساد، عبر فتح معركة أخرى داخل الحرم القدسي، حتى لو أدى ذلك الى تصدیر أزمتھ الشخصیة، او حملتھ الانتخابیة الى الأردن، كونھ یرعى ھذه المواقع.
جماعات الھیكل، اجتمعت وقررت القیام بنشاطات خطیرة داخل الحرم القدسي، أولھا غدا الخمیس، عبر اقتحام منطقة باب الرحمة، والسیطرة على المصلى، مع دعواتھا لتحویل المصلى الى كنیس في حرم المسجد الأقصى، إضافة الى الدعوات لطرد اوقاف القدس التابعة للأردن، وإنشاء مدیریة للسیطرة على الموقع إسرائیلیا، وتنظیم اقتحامات مركزیة كبرى خلال الشھر الجاري، والضغط للصلاة الیومیة داخل الحرم القدسي.
مع ھؤلاء توجھ المحكمة الإسرائیلیة، إنذارا الى اوقاف القدس، من اجل إعادة اغلاق باب الرحمة في السور الشرقي للمسجد الأقصى، والمصلى عبارة عن قاعة كبیرة داخل أسوار الأقصى، قرب باب الرحمة، بمساحة مائتین وخمسین مترا مربعا، وبارتفاع خمسة عشر مترا، وتعلوه غرف كانت تستخدم مدرسة، والقضاء الإسرائیلي، یخدم المشروع ذاتھ.
تمھل المحكمة الإسرائیلیة، الأوقاف أسبوعا، لإعادة الاغلاق على الرغم من اكتشا الإسرائیلیین ذاتھم، ان لا تمدید قضائیا منذ شھر آب الماضي، للقرار السابق بإغلاق المصلى الذي یعد معلما مھما من معالم الحرم القدسي الشریف، وبھذا المعنى فإن كل قرارات اعتقال المقدسیین الذین تم اعتقالھم على خلفیة فتح باب الرحمة في الثاني والعشرین، من شھر شباط، قرارات لا تستند الى أي بعد قانوني، فوق انھا قرارات صادرة من الاحتلال.
القدس، امام مواجھة كبیرة، والمقدسیون أیضا امام مھمة یقومون بھا كل مرة، لكن الخطر الأساس الآن، یتعلق بسعي الإسرائیلیین لشطب اوقاف القدس، من اجل السیطرة على الحرم القدسي، إضافة الى طمس ھویة المكان، وتقاسمھ جغرافیا او زمنیا، في المرحلة الأولى، وكل ھذا یجري برعایة غیر معلنة من الحكومة الإسرائیلیة، التي یجد رئیسھا في ھذا الملف وسیلة للفوز في الانتخابات، او على الأقل تخفیف حملات اتھامھ بالفساد، أیضا.
ھذا یعني ان الأردن أیضا، أمام أزمة كبرى، یرید نتنیاھو ان یصدرھا الیھ، لاعتباراتھ الشخصیة، خصوصا، ان الأردن یعد طرفا مباشرا في ھذا الوضع، وعلینا ان نستعد ھنا، لاحتمالات مختلفة، مع توجھ الإسرائیلیین للتصعید، وھو تصعید لا یمكن وقفھ الا عبر سوار الحمایة الشعبیة في القدس أولا، وما یمكن ان یفعلھ الأردن من اجل وقف الإسرائیلیین عند حدھم، دون ان ننكر ان إسرائیل ترید تنفیذ مشروعھا في القدس أیا كانت الكلفة.
لنفتح عیوننا جیدا، في ھذا التوقیت، على كل المستویات، بدلا من تشاغل اغلبیتنا بقضایا ثانویة یرونھا اكثر أھمیة، وكأن العرب عموما یبرقون بالرسالة الأسوأ؛ رسالة خذلان المسجد الأقصى، وتركھ في ھذه الظروف الصعبة، والمؤثرة أیضا على ھویة القدس.
الغد