مهما كانت أشكال الاتفاق او الاختلاف مع جماعة الاخوان من الاشخاص والقوى السياسية فإن الجماعة تبقى رقما سياسيا وحالة شعبية لا يمكن القفز عنها. لهذا فإنّ من مصلحة الحياة العامة أن يكون مسار الجماعة منتظماً خالياً من التحولات غير المتوقعة او الخلافات التي تغير اولويات الجماعة.
الجماعة تعيش منذ سنوات حالة من انعدام الوزن الداخلي نتيجة الخلافات الداخلية، التي جعلت الخبر الرئيسي عنها في وسائل الاعلام الاجتماعات المتوترة والانقسام في الرأي والتيارات، بل الشلل الداخلية.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فإن أغلب الاخبار والتسريبات التي تُنشر في الصحف خلال الأعوام الأخيرة هي من الصفوف القيادية للجماعة. وكل طرف يستعمل علاقاته ومصالح الآخرين لدية لتسريب خبر أو تقرير أو حكاية.
هذا مؤشر على حجم الخلاف الذي لم يعد بين صقور وحمائم، بل أخذ أشكالاً عديدة وتم استخدام وسائل جديدة لا تتناسب مع أخلاقيات الجماعة وما تدعو له، وهذا في سبيل أن يحقق كل طرف انتصاراً على أخيه الخصم!
من يتابع، يدرك أن الجماعة منذ سنوات تعيش حالة استنزاف داخلي، وقد فقدت الكثير من أدواتها بفعل ما تعرضت له من استهداف، لكنها تفقد كل حين شيئا من صورتها وهيبتها ومكانتها الشعبية والسياسية نتيجة الخلافات التي لم تعد سرّاً.
الجماعة، منذ سنوات، فقدت حتى القدرة على الرد المقنع على خسائر واستهدافات تعرضت لها، لأن اولويات قياداتها أصبحت داخلية، وكل طرف متربص بالآخر، ويقول بحق الآخر في المجالس حتى المعلنة ما لا يقال بحق الخصوم.
حتى عندما قرر مجلس الشورى السابق حل نفسه وتم تغيير المراقب العام في نهاية نيسان من العام الماضي، فإن المشكلة لم يتم حلها، بل تم ترحيلها الى القيادة الحالية المعطّلة لأنها منقسمة ومشغولة بملفات الخلاف، وحتى الحزب فإنه أصبح "حالة نظرية"، أي ان الجماعة تفقد حضورها.
مهما يكن موضوع الخلاف حول هوية الجماعة وحدود علاقتها مع قيادة حماس في دمشق وحجم نفوذ قيادة حماس في الهيئات القيادية، فإن أمراً آخر يجدر تذكره هنا وهو المستوى القيمي الذي تدير به الصفوف القيادية خلافاتها وعلاقاتها، فأصبح هنالك حالة لم تكن معهودة، وفي مراحل هامة مثل الانتخابات النيابية كان هنالك ممارسات وتعامل يتناقض مع كل منظومة القيم التي تدعو لها الجماعة.
الفريضة الغائبة لدى الجماعة هي وقف الاستنزاف بمكانة وصورة التنظيم، لأن مشكلة الإخوان حتى قبل ظهور مشكلة العلاقة مع حماس هي أن كل المشكلات لا تجد حلولا، مما أدى الى تراكم الأمراض الداخلية، وأصبحت اليوم بعض الظواهر السلبية جزء من واقع الجماعة، لأن الحل كان غائبا.
أنا ممن على قناعة بأن الجماعة لن تصل إلى حد الانشقاق، لكن هذا سيكون ايجابياً فقط اذا صاحبه حل للمشكلات. أما إذا استمرت في تراكمها فإن الانشقاق لن يحصل، لكن سيحصل ما هو اخطر منه على الجماعة، لأن المشكلة الاساسية في الصفوف القيادية، وليست لدى أفراد، والمشكلة الأساسية قيم وسلوكيات في إدارة العلاقات الداخلية أولاً.
لو عادت الجماعة لتقييم حضورها لاكتشفت كم خسرت. وعليها سريعا ان تحسم خلافاتها بشكل جذري، وعلى كل الغيورين عليها أن يساعدوها، فليس محباً للإخوان من يعمل على تغيير هوية التنظيم وتحويله إلى ساحة خلفية ونفوذ لتنظيم اخر.
عملية حسم نفوذ قيادة حماس في قيادة إخوان الأردن ليست شأناً إخوانياً، بل حدث سياسي عام، وعلى قيادة حماس أن تقدم مصلحة الجماعة على أي اعتبار آخر.
sameeh.almaitah@alghad.jo