عون الثقافية تعقد ندوة بعنوان "عملية طارق .. النجم الثاقب"
05-03-2019 03:28 PM
بمناسبة الذكرى الـ 20 على رحيل الحسين بن طلال
عمون - مندوبا عن رئيس جامعة اليرموك، رعى نائب الرئيس للكليات الإنسانية والشؤون الإدارية الدكتور أنيس خصاونة ندوة "عملية طارق...النجم الثاقب" إحدى العمليات النوعية للجيش العربي الأردني في حرب عام 1948، التي نظمتها جمعية عون الثقافية بالتعاون مع جامعة اليرموك بمناسبة مرور عشرين عاما على رحيل الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والتي تحدث فيها الدكتور سمير مطاوع وزير الإعلام الأسبق.
وقال خصاونة في كلمته إنه في السابع من شهر شباط من كل عام يحي الأردنيون ذكرى الوفاء للمغفور له الملك الحسين بن طلال، والبيعة لجلالة الملك عبدالله الثاني، مشيرا إلى أن الحسين قد رحل بعد مسيرة حافلة بالإنجازات والقيادة الحكيمة على مدى 47 عاما من العطاء المتواصل عمل خلالها الكثير من أجل بلده وشعبه وأمته العربية، حيث دأب المليك الراحل على خدمة شعبه الأردني ورفع مكانة الدولة الأردنية وتمكن من بناء دولة المؤسسات الأردنية، وقاد الأردن على طريق التنمية والتحديث في كافة المجالات الاقتصادية والتنموية والعمرانية والعلمية.
وأضاف أنه لا يستوفى الحديث عن الحسين دون الإشارة إلى تعريب الجيش العربي، حيث شكل الأول من آذار لعام 1956 مرحلة تاريخية هامة وانطلاقة واضحة المعالم في تاريخ الجيش العربي الأردني حين اتخذ الملك الحسين قراراه التاريخي والقومي بتعريب قيادة الجيش العربي، مشيرا إلى أنه وبعد مضي 63 عاما على هذا القرار، يمضي جلالة الملك عبدالله الثاني على خطى الملك الباني في تأهيل وتدريب وتسليح القوات المسلحة، حتى غدت انموذجا في المنطقة والعالم ومثالا بين الجيوش في احترافيتها وانضباطها وقوتها.
وقال خصاونة إن الجيش العربي الهاشمي شارك في جميع المعارك التي اندلعت بين العرب واسرائيل للدفاع عن القدس وفلسطين، وقدم قوافل الشهداء في معارك اللطرون وباب الواد والقدس والجولان وتل الذخيرة، حيث كان الجيش الأردني باسلا في قتاله لأن قواته كانت تقاتل عن عقيدة وإرادة سياسية لا تلين.
بدوره ألقى رئيس هيئة إدارة الجمعية السيد أسعد ابراهيم ناجي العزام كلمة قال فيها إنه في ذكرى يوم الوفاء للحسين نجدد نحن الأبناء والأحفاد بيعة الآباء والأجداد للعرش الهاشمي بقيادة مليكنا المفدى عبد الله الثاني ابن الحسين، مشيرا إلى أنه وبعد مرور عشرين عاما على فراق الراحل الكبير يستذكر الأردنيون الإنجازات التي تحققت بفضل سياسة جلالة الملك الحسين ونظرته الثاقبة ورأيه السديد، وثبات قيمه ومبادئه الإسلامية والعربية، حيث كانت مسيرته حافلة بالعطاء وبناء صروح الوطن المبنية على ثوابت وقيم الهاشميين الأطهار، فالملك الحسين هو باني نهضة الأردن الحديث الذي جعل منه انوذجا حضاريا لدولة النهضة التي ورثت مبادئ الثورة العربية الكبرى.
وقال إن يوم الوفاء والبيعة الذي وقف فيه نشامى الوطن وقفة تاريخية عظيمة عكست ثقتهم بقيادتهم الهاشمية وعشقهم لثرى الأردن، مؤكدا التفاف الأردنيين حول وارث عرش الحسين وحامل رسالته جلالة الملك عبدالله الثاني لنواصل المسيرة في ترسيخ دولة القانون والمؤسسات وإرساء مبادئ الثورة العربية .
من جانبه قال مطاوع إن هناك الكثير من النقاط المضيئة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، أهمها وأكثرها فّخارا لنا معركة الكرامة، فبعد هزيمة عام 1967 التي هزمت فيها القوات المسلحة الأردنية الجيش الاسرائيلي هزيمة مذلّة لم تمكّنه حتى من إخلاء قتلاه وآلياته المدمّرة ، بعد أشهر قليلة فقط من هزيمة 1967.
وقال إنه عندما تشرف بلقاء الملك الحسين طيب االله ثراه صرح له أنه يريد الكتابة عن دور الاردن في حرب التاريخ 1967 لرواية هذا الحدث التاريخي من منظور أردني، حيث حصل بعدها على وثائق القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، بما في ذلك خطط العمليات وسجل العمليات القتالية، ووثائق الديوان الملكي الهاشمي، الأمر الذي مكنه من تأليف كتابه بعنوان " الأردن في حرب 1967".
وأشار مطاوع إلى أن أنه ومن خلال وثائق القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية التي حصل عليها انتبه إلى أن العميد عاطف المجالي نصح الفريق عبد المنعم رياض، الذي تولى قيادة القوات العربية فيما سمي (الجبهة الشرقية: أي القوات الأردنية والسورية والعراقية، بالإضافة إلى لواء من القوات السعودية تمركز في تبوك ولم يشارك فعليا في القتال، وكتيبة صاعقة مصرية، من قيادة المركز المتقدم في عمان)، بتنفيذ "عملية طارق.. النجم الثاقب لمحاصرة القدس الغربية (اليهودية) والحيلولة دون محاصرة القوات الإسرائيلية للقدس الشرقية (العربية).
وأضاف إلى أنه وعندما التقى مع المشير حابس المجالي القائد العام للقوات المسلحة الأردنية في تلك الحقبة تحدث عن عملية طارق التي وضعت ونفّذت في حرب 1948 ومن قبل الكتيبة الرابعة التي كان يقودها في تلك الحرب بالتعاون مع غيرها من الكتائب وذلك لمعرفة أسباب العملية وتداعياتها وأهدافها العسكرية والسياسية، حيث قال المجالي إن الهزيمة ليست عملا مجرّدا وإنما مجموعة عوامل تمثّل مجتمعة فشلا عسكريا حال دون تحقيق النتيجة المطلوبة، هل كانت الهزيمة نتيجة خطط خاطئة؟ نتيجة قرارات خاطئة؟ نتيجة استراتيجية غير مناسبة لوضع الأسس الناجحة لعملية يفترض إنجازها؟ هل كانت الهزيمة نتيجة قتال عدو يتوفر على كامل احتياجاته عددا وعتادا؟ بعكس الفريق الاخر؟، وأضاف أنه في حرب عام 1948 توفرت لدينا فرصة الإجابة على كلّ تلك الأسئلة ووضع ما يناسب من حلول فكانت عملية طارق ، التي وضع هو بالذات مع ضابط اركانه محمود الروسان في الكتيبة الرابعة ، أسس وأساليب تنفيذها، موضحا أن "الطارق" هو الاسم الكودي الذي أطلقناه على خطتنا للمحافظة على القدس بناءً على توصيات الملك عبداالله الأول رحمه االله، أما النجم الثاقب فكان عمليا الكتيبة الرابعة.
وقال مطاوع إن عملية طارق النجم الثاقب التي سطر فيها الجيش العربي الأردني إنتصاراً تاريخياً على قوات العدو الصهيوني وإحكامه محاصرة القدس الغربية اليهودية على مدار (120) يوماً مما دعا بريطانيا لتهديد الملك عبد الله المؤسس طيب الله ثراه إن لم يفك الحصار بعد أن من أصاب اليهود ما أصابهم بسبب عدم مقدرتهم على فك الحصار بالرغم من محاولاتهم العديدة التي تكبدوا فيها خسائر فادحة بالأرواح والمعدات بسبب حنكة قائد الكتيبة الرابعة المشير حابس المجالي وأركان حرب الكتيبة محمود الروسان رحمهم الله، إلا أن الملك المؤسس رفض التهديدات البريطانية وهو من املى شروطه عليهم من أجل فك الحصار.
وحضر فعاليات الندوة عدد من أعضاء الهيئة التدريسية والمسؤولين في الجامعة والجمعية والمهتمين من المجتمع المحلي.
هذا وقد أدار النقاش السيد اسعد العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية
وفي نهاية الندوة تم تقديم الدروع التكريمية والإهداءات وهي :
1-درع جامعة اليرموك لمعالي الدكتور سمير مطاوع قدمه عطوفة الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة مندوب رئيس الجامعة
2- درع جامعة اليرموك لسعادة السيد أسعد العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية قدمه عطوفة الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة مندوب رئيس الجامعة
3-إهداء جمعية عون الثقافية لمعالي الدكتور سمير مطاوع مجموعة مؤلفات المؤرخ الكبير المرحوم سليمان الموسى قدمها السيد اسعد العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية
4-درع جمعية عون الثقافية تقديراً ل عطوفة الأستاذ الدكتور زيدان الكفافي رئيس جامعة اليرموك على إستضافته ورعايته الكريمة لهذه الندوة قدمه السيد اسعد العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية وإستلمه عطوفة الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة مندوب رئيس الجامعة.
5-إهداء جمعية عون الثقافية ل عطوفة الأستاذ الدكتور زيدان الكفافي رئيس جامعة اليرموك مجموعة مؤلفات المؤرخ الكبير المرحوم سليمان الموسى قدمها السيد اسعد العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية
2-كتب شكر وتقدير من جمعية عون الثقافية على الجهود الإستثنائية بإنجاح الندوة إلى كل من:
*عطوفة الأستاذ الدكتور فواز عبد الحق الزبون نائب الرئيس للشؤون الطلابية والإتصال الخارجي
*عطوفة الدكتور محمد بني دومي عميد كلية الآداب
*سعادة السيد مخلص العبيني مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام
*سعادة السيد أحمد العمري مساعد مدير دائرة العلاقات العامة والإعلام
2-درع عشيرة الروسان لمعالي الدكتور سمير مطاوع على دوره المميز في توثيق تضحيات الجيش العربي الأردني قدمه الدكتور قاسم الروسان
وتالياً النص الكامل لكلمة السيد أسعد ابراهيم ناجي العزام رئيس هيئة إدارة جمعية عون الثقافية ... ومحاضرة معالي الدكتور سمير مطاوع
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة مندوب عطوفةِ راعي الندوة الأستاذ الدكتور زيدان كفافي الأكرم رئيس جامعة اليرموك
السيداتُ والسادةُ أصحابَ المعالي والعطوفةِ والسعادة ِ
السيداتُ والسادةُ أصحابَ المعالي والعطوفةِ والسعادة ِأعضاءِ اللجنةِ الإستشاريةِ والتوجيهيةِ وأعضاءِ الهيئتين الإداريةِ والعامةِ لجمعيةِ عونٍ الثقافيةِ
السلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه
في ذكرى الوفاءِ للحسين نجددُ نحن الأبناءُ والأحفادُ بيعةَ الآباءِ والأجدادِ للعرشِ الهاشمي بقيادةِ مليكِنا المفدى عبد اللهِ الثاني إبنِ الحسينِ المعظمِ.
لقد كانَ الحسينُ اباً وأخاً لكلِ واحدٍ منكم كما كان أبي ... وانتمُ اليومَ أخوانِيَ وأخواتِيَ وأنتمُ عزائِيَ ورجائِيَ بعدَ اللهِ..أحسنَ اللهُ عزاءَكَم وإنا للهِ وانا اليه راجعون "
ما زالت هذه الكلماتُ محفورةً في ذاكرةِ الأردنيين..هذه كلماتُ القائدِ جلالةِ الملكِ عبد اللهِ الثاني بن الحسينِ...نعم لن يُنسى السابعُ من شباطٍ عندما ودعَ الشعبُ الأردنيُ،الراحلَ الملكَ الحسينِ بنُ طلالٍ في لحظةٍ هي الأصعبُ في وجدانِ كلِ الشعبِ الوفي الذي كان يراهُمُ الراحلُ دوماً الأهلَ ورفاقَ الدربِ.
وبعدَ مرورِ عشرينَ عاماً على فِراقِ الراحلِ الكبيرِ يستذكرُ الأردنيون بعظيمِ معاني الوفاءِ والولاءِ تلكَ الإنجازاتِ التي تحققت بفضلِ سياسةِ جلالةِ الملكِ الحُسينِ بنُ طلالٍ ونظرَتِهِ الثاقبةِ ورأيِه السديدِ وثباتِ قيمِه ومبادئِه الاسلاميةِ والعربيةِ التي ورثَها عن أجدادِه ملوكِ آل هاشمٍ الغُرِ الميامين.
ويستذكرُ الشعبُ الأردني تلكَ الروحِ الطاهرةِ التي فاضت الى بارئِها راضيةً مرضيةً تكللُ للتاريخِ مسيرةً حافلةً بالعطاءِ ورحلةَ العمرِ الطويلِ على مدى ستةٍ وأربعين عاما في قصةِ البناءِ وإعلاءِ صروحِ الوطنِ،هذه الرحلةُ التي لم تتوقفْ عن العطاءِ،المبنيةِ على ثوابتِ وقيمِ الهاشميين الأطهارِ، وكان الأردنيون كما هم دائماً على قدرِ ثقةِ قائدِ الوطنِ..
فكانَ الحزنُ والألمُ والفِراقُ للقائدِ الراحلِ الحسينِ رحمهَ اللهُ في القلبِ والوجدانِ. لكنَ عزيمةَ النشامي المخلصين من أبناءِ الوطنِ على خدمةِ الأردنِ والذودِ عن أمنِه وحمايةِ إستقلالِه وحريتِه وكرامتِه قد اصبحت بحقٍ عنواناً جديداً لمرحلةٍ أردنيةٍ يتطلعُ اليها جلالةُ الملكِ عبد الله الثاني ومعه جنودُه الأوفياءُ من خلفِه لتحقيقِ رِفعةِ الأردنِ ورسمِ صورتِه المشرقةِ على الخارطةِ العالميةِ وجعله وجهةً دوليةً مُهمةً نفخرُ به جميعا.
يومُ الوفاءِ والبيعةِ الذي وقفَ فيه نشامى الوطنِ وقفةً تاريخيةً عظيمةً عكست ثقتَهم بقيادتِهم الهاشميةِ وعشقِهم لثرى الوطنِ وخُلِدَت في سطورِ التاريخِ حكايةُ الإصرارِ على مواصلةِ المسيرةِ بشموخٍ وعزيمةٍ وكبرياءَ لا تلين ...
الحسينُ باني نهضةِ الأردنِ الحديثِ الذي جعلَ من الأردنِ إنموذجاً حضارياً لدولةِ النهضةِ التي ورثت مبادىءِ الثورةِ العربيةِ الكبرى.
لقد كانَ تأسيسُ إمارةِ شرقِ الأردنِ وقيامُ المملكةِ الأردنيةِ الهاشميةِ وإعلانِ إستقلالِها لاحقاً إستقلالاً عربياً خالصاً لخدمةِ قضايا أمتهِ العادلةِ وعلى رأسِها "القضيةُ الفلسطينيةُ" ولا زالَ وسيبقى بهمةِ القيادةِ الهاشميةِ والتطلعِ لأردنِ الغدِ بعيونِ تملؤها الثقةُ والأملُ بعزيمة الأردنيين،فهم أهلُ الوفاءِ والتضحياتِ الجِسامِ،قد عاشوا على مدى سنينَ طويلةٍ مع قائدِهم الراحلِ الملكِ الحسينِ بإخلاصِ الرجالِ والأهلِ والعشيرةِ وهنا نستذكرُ قولَهُ طيبَ الله ثراه:
"ولأنتم نِعمَ الأهلُ والعشيرةِ نشميات ونشامى الاردن المفدى ... ونِعم رِفاقُ الدربِ والمسيرةِ ... الرجالُ الشرفاءُ المخلصونَ الأوفياءُ ... ذلك أنكم الرجالُ الذين لا تُغيرهُم الحوادثُ ... ولا تَفِلُ عزائِمُهُم الصِعابُ ولا التحديات "
عاشَ الحسينُ طيبَ اللهُ ثراه،أجملَ أيامِ العمرِ مع جنودِه وشعبِه متبادلين البهجةَ والوفاءَ والصدقَ مع قائدِهم ومليكِهم الملكِ العادلِ ... الملكِ الإنسانِ.
وقبلَ الوداعِ وجهَ جلالةِ المغفورِ له بإذنِ اللهِ تعالى في السادسِ والعشرين من شهرِ كانون الثاني عام 1999 رسالةً إلى ولي عهدِه الأمين جلالةِ الملكِ عبد اللهِ الثاني بن الحسينِ قائلا فيها:
"وإنني لأتوسمُ فيكَ كلِ الخيرِ...وقد تتلمذتَ على يديَ... وعرفتَ أنَ الأردنِ العزيزِ وارثُ لمبادئِ الثورةِ العربيةِ الكبرى ورسالَتِها العظيمة ... وإنهُ جزءٌ لا يتجزءُ من أمتهِ العربية ... وأنَ الشعبَ الأردني لا بدِ أن يكونَ كما كانَ على الدوامِ في طليعةِ أبناءِ أمتهِ في الدفاعِ عن قضاياها ومستقبلِ أجيالِها".
غابَ الحسينُ جسداً ولم يَغِبْ فكراً ونهجاً.فلا زالَ يعيشُ في نبضِ كلِ الأردنيينَ.
ونحنُ نستذكرُ اليومَ مليكَنا المغفورَ له بإذنِ تعالى الحسينَ بن طلالٍ،نؤكدُ إلتفافَنا حولَ وارثِ عرشِه وحاملِ رسالتِه جلالةِ الملكِ عبدِ اللهِ الثاني إبنِ الحسينِ المعظم ونحنُ على أبوابِ مئويةِ الدولةِ الأولى ليواصلَ المسيرةَ المباركةَ في ترسيخ دولةِ القانونِ والمؤسساتِ وإرساءِ مبادئِ الثورةِ العربيةِ الكبرى التي قامت لأجل حريةُ العربِ، وصيانةِ حقوقِهم،ونيلِ إستقلالِهم،فمثلت الثورةُ مشروعا لإستنهاضِ وبناءِ الأمةِ.والحاجةُ مستمرةُ لهذا المشروعِ، كما فرضت مكانةُ العربِ على الخارطةِ السياسيةِ في التاريخِ المعاصرِ.
مندوب راعي الندوة ... الحضورُ الكريمُ
لقد آمنَ المغفورُ له جلالةُ الملكِ الحسين بأنَّ الجنديةَ شرفٌ وواجبٌ وإنضباطٌ وتمثلَ إيمانُه ذلكَ بحرصِه على تشجيعِ نجله الأكبرَ جلالةِ الملكِ عبد الله الثاني على الانخراطِ في الحياةِ العسكريةِ.
في يومِ الوفاءِ والبيعةِ يجددُ الأردنيون العهدَ والوعدَ بمواصلةِ مسيرةِ البناءِ والتحديثِ والعطاءِ لأجلِ تحقيقِ مزيدٍ من الإنجازاتِ من أجلِ أردنِ قوي آمنٍ مزدهرِ.
رحمَ اللهُ الحسينَ ... ونصرَ وأعزَ قائدَنا المفدى عبدُ الله الثاني بنُ الحسينِ المعظم ... وحمى الأردنَ وشعبَهُ ... ليبقى السندَ والعَضُدَ لأمتِهِ العربيةِ
والسلامُ عليكُمُ ورحمةٌ اللهِ وبركاتُهُ
النص الكامل لمحاضرة معالي الدكتور سمير مطاوع
عملیة طارق... النجم الثاقب *
مقدمة
ثمة نقاط مضيئة كثيرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي غطّت عليها ظلال الهزائم التي مني بها العرب في هذا الصراع ، لعلّ أهمها وأكثرها فخارا لنا معركة الكرامة. ففيما تقبّلنا إثر هزيمة حزيران 1967 وصف الجيش الإسرائيلي «انه لا يقهر» وفق ما ردّدته طويلا وسائل الدعاية الصهيونية ووسائل الإعلام الغربية التي نقلت عنها، سرعان ما نشبت معركة الكرامة التي هزمت فيها القوات المسلحة الأردنية ذلك الجيش هزيمة مذلّة لم تمكّنه حتى من إخلاء قتلاه وآلياته المدمّرة، بعد أشهر قليلة فقط من هزيمة 1967 حيث حاربنا وفق خططنا واستراتيجيتنا وليس نتيجة ما سبّبه لنا الآخرون . من المؤكد أن واحدة أخرى من النقاط المضيئة في هذا الصراع والتي غطّت عليها هزيمة الجيوش العربية أمام القوات الإسرائيلية عام 1948، والتي مكّنت إسرائيل من احتلال 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية حينئذ... فلم ترو في وثائقنا أو في كتب التاريخ التي أسهبت في رواية هزيمة العرب وأهملت واحدة من أكثر العمليات العسكرية نجاحا وذكاء وشجاعة هي "عملية طارق".
شهادة والدي
بداية اهتمامي بالبحث يعود إلى والدي الضابط المتقاعد الذي ظلّ يردد بعد الحرب عام 1967 أن القوات المسلحة الأردنية منيت بهزيمة لا تستحقّها، ولم تكن آلام الهزيمة لتسمح لي بمناقشته في الموضوع... لذا قررت القيام بأبحاث معمّقة في نتائج الحرب وتداعياتها حتى استوعب ما حصل . قبل هذا أقنعني والدي أن نتائج حرب 1948 لا يمكن بالشكل الإجمالي وصفها بالهزيمة ، لأن دراسة دور الجيش العربي – القوات المسلحة الأردنية- في تلك الحرب ستظهر أن وصف الهزيمة لا ينطبق على النتائج التي حقّقها هذا الجيش وبشكل خاص إنقاذ الضفة الغربية والقدس من احتلال كان متوقعا ومؤكدا لولا الدور البطولي الذي لعبه الجيش العربي على الساحة الفلسطينية. كانت تلك الأحاديث هي بداية اهتمام طغى على كلّ اهتماماتي الأخرى للدراسة والبحث عن الحقائق مهما كانت الصعوبات. فقررت بداية الكتابة عن هزيمة1967... لماذا كانت الهزيمة... ما هي الأسباب والتداعيات والأدوار. وفي يوم استشرت أستاذي الذي درّسني مادة العلاقات الدولية في جامعة لندن البروفسور فيليب آدامز فنصحني بوضع كتاب تاريخي أكاديمي ليصبح مرجعا في المستقبل وليس مجرد ريبورتاج صحفي موسّع لأن الإهتمام بمادة الريبورتاج سينتهي بمجرد القراءة!! في سبيل ذلك قال عليك البحث عن الوثائق أولا، وشهادات موثقة ممن شاركوا في الحرب ثانيا لتضفي على كتابك المصداقية والحقيقة التي لا تقبل الجدل ويصبح مرجعا موثوقا لطلبة الدراسات السياسية والصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص في المستقبل، وهو ما حدث فعلا. لم يبق مركز دراسات يتوفر على مثل تلك الوثائق، خصوصا في الولايات المتحدة وبريطانيا إلاّ قصدته باحثا. ورغم أن الحصول على الوثائق الإسرائيلية في حينه كان أمرا مستحيلا، إلاّ أن ذلك لم يثبّط عزيمتي... ووجدت الحل عند شاب صحفي بريطاني يبحث عن تجربة مثيرة . فعرضت عليه الذهاب إلى إسرائيل وجمع كلّ ما يستطيع من الوثائق والمقابلات وكأنه هو الذي سيعدّ مادة فيلم وثائقي عن الحرب مقابل مبلغ من المال... فقبل المهمة بحماس... وعاد لي بكمّ كبير من الوثائق والمقابلات . ثم في يوم تشرفت في لندن بلقاء الراحل الكبير الملك الحسين طيب االله ثراه فسألني عن آخر مشاريعي.. فبدأت الحديث كما يلي : يا سيدي التاريخ كان يكتب دائما من منظور المنتصر... والمكتبات الغربية تطرح كلّ عام عددا من الكتب فضلا عن عشرات المقابلات والتحقيقات والبرامج التلفزيونية التي تتحدث عن الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.. وعن انتصاره المذهل عام 1967. أمّا أنا فأريد أن أفعل العكس .. أن أكتب التاريخ من منظور المهزوم . أريد أن أكتب عن دور الأردن في حرب 1967. صحيح أننا هزمنا.. ولكن بما أني أريد أن أكتب باللغة الإنجليزية فأرجو من جلالة سيدنا مساعدتي أن أقول للعالم الغربي لماذا هزمنا. والدي كان على الدوام يقول إنها كانت هزيمة لا يستحقّها الجيش العربي، وأظن أنه قد حان الوقت لنقدم روايتنا في هذا الحدث التاريخي من منظور أردني .
وهكذا حصلت على وثائق القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ، بما في ذلك خطط العمليات وسجل العمليات القتالية..(أي سجل يوميات الحرب - (LOG BOOK وتقرير الفريق عبد المنعم رياض حول مجريات الحرب ونتائجها. كما حصلت على وثائق الديوان الملكي الهاشمي بما في ذلك إتفاقية الدفاع المشترك التي وقّعها الحسين مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر يوم الثلاثين من ايار/ مايو 1967، أي قبل ستة ايام فقط من الحرب في الخامس من حزيران/ يونيو. وكانت النتيجة... كتابي Jordan in The 1967 War الذي ترجم إلى العربية لاحقا بعنوان “الأردن في حرب 1967".. والذي ربما قرأتموه أو البعض منكم على الأقل.
حديثي اليوم ليس من قبيل النوستالجيا – أو الحنين إلى الماضي– وإنما لتقديم رواية موثقة ومدعمة بالشهادات ، وفي صدارتها سبع ساعات مسجّلة على خمسة أشرطة مع الحسين طيب االله ثراه.. لم يقتصر حديثه فيها على تفاصيل حرب 1967 وإنما على كافة تفاصيل إقامة الأردن الحديث منذ اعتلى جلالته العرش عام 1953 وإلى سنة التسجيلات 1984.
عملية طارق.. النجم الثاقب
وبما أني حصلت على وثائق القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية ، بما فيها سجل العمليات، انتبهت إلى أن العميد عاطف المجالي رحمه االله نصح الفريق عبد المنعم رياض، الذي تولى قيادة القوات العربية فيما سمي "الجبهة الشرقية" أي القوات الأردنية والسورية والعراقية، بالإضافة إلى لواء من القوات السعودية تمركز في تبوك ولم يشارك فعليا في القتال، وكتيبة صاعقة مصرية، من قيادة المركز المتقدم في عمان، نصحه بتنفيذ «عملية طارق» لمحاصرة القدس الغربية (اليهودية) والحيلولة دون محاصرة القوات الإسرائيلية للقدس الشرقية (العربية). لكن الفريق رياض رفض ذلك ، وقرّر نقل اللواء المدرع الستين من تحصيناته وتموضعه في تلال أريحا والخان الأحمر لمساندة قاطع القدس ، أمر بنقله إلى جنوب الخليل، بناء على أمر القائد العام المصري المشير عبد الحكيم عامر الذي قيل إنه تلقى برقية – شكّك في مصدرها رئيس أركانه الفريق محمد فوزي كما اخبرني في مقابلتي معه – تخبره البرقية أن فرقة مدرعة مصرية قد أحدثت اختراقا في النقب وأن على اللواء الأردني المدرّع الستين أن ينتقل إلى جنوب الضفة الغربية في منطقة الخليل، في عملية كمّاشة تؤدي إلى السيطرة الكاملة على ذلك الجزء من إسرائيل ( كافة التفاصيل متوفرة في كتابي المشار إليه: الأردن في حرب (1967)
عندما بدأت أبحاثي في الأرشيف الضخم لهيئة الإذاعة البريطانية BBC - التي سمحت لي إدارتها بذلك، نظرا لخدمتي اثني عشر عاما في إذاعتها العربية (هنا لندن) وتلفزيونها باللغة الإنجليزية وجدت خبرا تاريخه 28/4/1948 أي قبل أسبوعين من دخول الجيش العربي إلى فلسطين. يقول الخبر: إن إرنست بيفن Ernest Bevin وزير خارجية بريطانيا قد اجتمع في لندن مع توفيق أبو الهدى رئيس وزراء الأردن وفوزي الملقي وزير الخارجية والدفاع والفريق جون غلوب القائد العام للجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية) للتباحث في التطورات التي نجمت عن إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار التقسيم رقم 181 في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1947 أي قبل ذلك ببضعة شهور. بصفتي إعلامي متمرّس لم يكن نصّ الخبر ليعني الشيء الكثير، وإنما كما بدا لي أن المهم هو ما وراء الخبر. لكن الخبر – مع ذلك – كان بداية الخيط الذي قادني إلى التفاصيل، وإلى حقيقة وأسرار عملية طارق.
وفي أول لقاء مع الملك الحسين طيب االله ثراه بعد ذلك أطلعته على نصّ الخبر وأتبعته بتساؤلاتي ، فما كان منه إلاّ أن اقترح عليّ مقابلة شخصين على وجه التحديد هما الفريق جون غلوب والمشير حابس المجالي، على اعتبار أنهما خير من يوضح الصورة ويجيب على التساؤلات فيما يتعلق بدور الجيش العربي في فلسطين إبّان حرب 1948. كان اللقاء مع المشير المجالي على أيّ حال أحد أهم اللقاءات التي كنت أسعى لإجرائها ضمن أبحاثي الخاصة بحرب 1967. فقد كان– نظريا – القائد العام للقوات المسلحة الأردنية في تلك الحقبة. بداية أكّد لي حابس باشا واقعة الشجار بين العميد عاطف المجالي وضبّاط أركان الفريق عبد المنعم رياض حين رفض مجرد الإستماع إلى حقائق ومنطقية عملية طارق فيما يتعلق بالقدس . لكن المشير المجالي تساءل كيف أن اهتمامي الرئيسي كان يهدف إلى إعداد كتابي عن حرب 1967 فيما مضيت أحاوره في عملية طارق التي وضعت ونفّذت في حرب 1948 ومن قبل الكتيبة الرابعة التي كان يقودها في تلك الحرب بالتعاون مع غيرها من الكتائب. وحين شرحت السبب ذكّرني بحقائق تاريخية عدّة، لا بدّ لي من معرفتها حتى أستوعب أسباب العملية وتداعياتها وأهدافها العسكرية والسياسية. وأضاف حابس باشا بثقة القائد الواثق من قدراته وخبرته : الهزيمة ليست عملا مجرّدا، وإنما مجموعة عوامل تمثّل مجتمعة فشلا عسكريا حال دون تحقيق النتيجة المطلوبة. هل كانت الهزيمة نتيجة خطط خاطئة؟ نتيجة قرارات خاطئة؟ نتيجة استراتيجية غير مناسبة لوضع الأسس الناجحة لعملية يفترض إنجازها؟ هل كانت الهزيمة نتيجة قتال عدو يتوفر على كامل احتياجاته عددا وعتادا؟ بعكس الفريق الآخر؟ وأضاف أنه في حرب عام 1948 توفرت لدينا فرصة الإجابة على كلّ تلك الأسئلة ووضع ما يناسب من حلول فكانت عملية طارق، التي وضع هو بالذات مع ضابط أركانه محمود الروسان في الكتيبة الرابعة أسس وأساليب تنفيذها. المشير حابس المجالي بدأ أولا بسرد الحقائق التاريخية التي رأى أنه لا بدّ لي من معرفتها قبل شرح تفاصيل عملية طارق. قال:
1. بريطانيا العظمى كانت حينئذ هي القوة العظمى المهيمنة في منطقتنا. وبريطانيا العظمى هي التي أعطت اليهود وعد بلفور وبالتالي وفّرت كلّ الأسباب لتحقيق الوعد وإنجازه في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
2. بريطانيا العظمى كانت تسعى منذ العام 1937 لتقسيم فلسطين إلى دولتين وفق دراسة للوضع والصعوبات وضعتها لجنة بيل - Peel -لحلّ النزاع المتفاقم في فلسطين بين أصحاب الأرض الشرعيين وبين المهاجرين اليهود الذين تدفّقوا على فلسطين، لإقامة الوطن القومي اليهودي الذي وعدوا به ، فضلا عن ملايين الجنيهات التي أنفقها أغنياؤهم والبنوك التي كانوا يسيطرون عليها لشراء الأراضي. ولكن كلّ ما استطاعوا الحصول عليه حتى عام قرار التقسيم (1947) لم يزد عن ستة في المائة من المساحة الكلية لفلسطين، وبعض المؤرخين يقول إنه أقلّ من تلك النسبة بما في ذلك الأراضي الأميرية التي أعطتها بريطانيا –الدولة المنتدبة– لهم لإقامة المستعمرات الأولى عليها.
3. هذا وفيما كان الفلسطينيون يملكون93.7 في المائة من كامل أرض فلسطين التاريخية فجاء قرار التقسيم (181) ليعطي من المساحة الكلية ما نسبته خمسة وخمسون في المائة لإقامة دولة لليهود عليها. بينما أعطي الفلسطينيون الذين يملكون ما يزيد 93 في المائة من الأرض، فقط ما مجموعة 44 في المائة من أرض فلسطين لإقامة دولة عربية فلسطينية والواحد في المئة الذي بقي كان لإقامة منطقة دولية في القدس وضواحيها.
4. رفض العرب عاطفيا قرار التقسيم وذلك لإجحافه بحقّ الفلسطينيين الذين أعطي 55 في المئة من وطنهم لليهود الذين لم يكونوا يملكون منه سوى 6 في المئة فقط. وفورا أعلن اليهود قبولهم قرار التقسيم ظاهريا للإستناد إلى الشرعية الدولية في إعلان قيام دولتهم.
5. كان الأردن المستقل حديثا قد ارتبط بمعاهدة دفاع مشترك تفرض عليه التشاور والتنسيق مع بريطانيا في أيّ إجراء عسكري قد يعرّضه للخطر.
6. قيادة الجيش العربي كانت بريطانية وضباطه الكبار إنجليز وعدد الضباط العرب من قادة الكتائب أو ضباط أركانهم لا يزيدون عن ستة . كان غلوب باشا القائد العام الإنجليزي معارضا للمشاركة في حرب فلسطين متأثرا بموقف سياسيي بلاده بالتأكيد، وربما لأنه كان مدركا بأن إسرائيل بعد أن أعلن بن غوريون قيام الدولة في 14 أيار مايو 1948 ستحاول احتلال كامل فلسطين التاريخية التي يسمونها أرض الميعاد، وستسعى لتحقيق ذلك مهما كانت الكلفة كبيرة ، وكان ذلك سيعني خسائر كبيرة في صفوف قواتنا متجاهلا مشاعر انتمائنا العربي وأن مساندة إخوتنا في فلسطين واجب قومي لا نستطيع أن نتوقف صامتين حياله، وبالتالي كان يعرف حقيقة القدرات العسكرية التي سنواجهها حين ندخل فلسطين.
7. كان الملك عبدا الله الأول حريصا كلّ الحرص على المحافظة على القدس باعتباره ملكا هاشميا ينتمي لأسرة الرسول الأعظم (صلى االله عليه وسلم) وقيمة القدس المعنوية للعالمين العربي والإسلامي. وقد شدّد على ذلك في رسالة بعث بها إلى غلوب باشا، فضلا عن توصياته المشدّدة للضباط العرب – وأحدهم حابس باشا– الذين اجتمع بهم دون علم غلوب لهذا الهدف قبل دخول فلسطين. وهناك حقائق أخرى كثيرة نبّهني لها حابس باشا لا مجال لذكرها الآن. لكن النقطة الجوهرية من الحوار مع المشير حابس المجالي أردته أن يتناول نقطة واحدة هي «عملية طارق». وحين توقف قليلا ليتلو الآية الكريمة: "بسم االله الرحمن الرحيم، والسماء والطارق، وما أدراك ما الطارق.. النجم الثاقب "... استطرد ليقول أما الطارق فهو الإسم الكودي الذي أطلقناه على خطتنا للمحافظة على القدس بناء على توصيات الملك عبدا الله الأول رحمه االله. أما النجم الثاقب فكان عمليا الكتيبة الرابعة.
لقاء غلوب باشا
قبل أن أسمع بقية التفاصيل من حابس باشا اضطررت للإنتقال إلى لندن حين وردني هاتف سكرتيرة الحسين طيب االله ثراه للحضور حالا للّقاء المرتّب مع الجنرال غلوب. وقد امتد هذا اللقاء ليصبح أربعة لقاءات كلّ واحد منها استغرق قرابة الساعتين. بالطبع كان سؤالي الأول للفريق غلوب لماذا كانت معارضته لمشاركة الجيش العربي في القتال في فلسطين بادىء الأمر؟ وكانت الإجابة كما توقعت: أن العرب رفضوا قرار التقسيم رفضا عاطفيا، ولم يقدّروا التقدير الصحيح ما يتطلّبه الرفض الذي كان يعني مقاومة تنفيذ قرار التقسيم بالقوة العسكرية. ومن اجتماعاتنا مع المسؤولين العرب وخاصة المصريين أدركنا أننا سنزجّ بقواتنا في أتون من النار لا تحمد عقباه، خصوصا أننا كنا نتابع أولا بأول التجهيزات والإعدادات التي أنجزتها الوكالة اليهودية – والتي كانت بمثابة حكومة مؤقتة لليهود في فلسطين- لاحتمال القتال المسلّح للدفاع عن دولتهم متى قامت. وكان تقديرنا أنهم يتفوقون علينا بنسبة خمسة إلى واحد بالرجال والمقاتلين وبتفوّق كبير في السلاح والعتاد. وتجاهل غلوب باشا تساؤلي: ألم يكن واجب بريطانيا بموجب معاهدة الدفاع المشترك أن تزوّد الجيش العربي بكافة احتياجاته من السلاح والذخائر، خصوصا وأن كبار ضباطه من الإنجليز؟ فسارع بالقول إن الجيش العربي كان الأكثر خبرة وتدريبا بين كلّ الجيوش العربية التي حاربت في فلسطين، بدليل سيطرته الكاملة على مناطق مسؤولياته ضمن القوات العربية التي دخلت فلسطين. فقاطعته: إذا لماذا استدعاكم إرنست بيفن أنت والسيدين توفيق أبو الهدى وفوزي الملقي إلى الإجتماع معه في 28/4/1948؟ فلمعت عيناه حين طرحت السؤال : كيف عرفت بهذا اللقاء مع أنه لم يرد في أيّ وثائق أردنية أو بريطانية، فقد نقل السيدان أبو الهدى والملقي تفاصيل الإجتماع للملك عبدا الله الأول وجاهة. فحدثته عن خبر البي بي سي BBC..، وحيث أني لم أقتنع بفحوى الخبر أريد أن أعرف منه التفاصيل. قال غلوب باشا إن بريطانيا كانت تعرف موقف الملك عبدا الله الأول من فلسطين ومن القدس بالذات، وتعرف أيضا ما ذكرته لك آنفا عن قدرات وتجهيزات الجيش العربي، لذلك نشأ لدى الحكومة البريطانية تصوّر بانه إذا دخل الجيش العربي فلسطين، وفي ضوء الإنتماء العروبي والعاطفي لجنوده وضباطه العرب فقد يندفعون للسيطرة على كامل التراب الفلسطيني، وساعتئذ ستنشب حرب ضروس تضطر معها بريطانيا للتدخّل عسكريا في الوقت الذي كانت تريد فيه الإنسحاب الكامل من فلسطين بعد قرار التقسيم. فأجابه السيد أبو الهدى رحمه االله: حتى لو رغبنا في ذلك فليس لدينا القدرات اللوجستية وخطوط الإمداد والتزويد، فضلا عن السلاح والذخيرة كما يعرف الفريق غلوب، وأشار إليّ متوقعا الموافقة الكاملة على ما يقول، وهو بالضبط ما فعلت، للقيام بذلك. عندئذ توجه بيفن إلينا بالقول: إن حكومة جلالة الملك – يقصد الحكومة البريطانية – لا تمانع في دخول الجيش العربي إلى فلسطين شريطة ألا يتجاوز خط قرار التقسيم ولو بإنش واحد، يقصد الخط الفاصل بين ما حدّد من منطقة للدولة اليهودية وما حدّد للدولة العربية الفلسطينية.
الّلد والرملة:
بالرغم من أني لم أحصل على كافة التفاصيل فقد اضطررت للمقاطعة عندئذ متسائلا: ولكن مدينتي اللد والرملة يا سيدي كانتا جزءا من الأرض المخصّصة للدولة الفلسطينية بموجب قرار التقسيم، ولكن القوات الإسرائيلية احتلتهما دون مقاومة من الجيش العربي!؟ فكان جوابه: هذا صحيح.. ولكن بموجب توزيع القوات كان يفترض إرسال كتيبة عراقية وأخرى أردنية لتتموضع كلّ منهما في إحدى المدينتين أو إرسال سريّة من الكتيبة الرابعة المسيطرة على جبال اللطرون سيطرة كاملة لتعسكر في اللد وسرية أخرى في الرملة، ولكن استخباراتنا كشفت أن الإسرائيليين كانوا يعدّون لعملية هدفها المحدّد الواضح تطهير قطاع فلسطين الأوسط من الجيش العربي لفتح الطريق الرئيسي بين تل أبيب والقدس لإمداد يهود القدس بالمقاتلين والسلاح والذخيرة إضافة إلى المؤن. وعلى الرغم من أنهم افتتحوا طريقا ترابيا جانبيا خلال الهدنة أسموه طريق بورما – أغرقه محمود الروسان بالماء بفتح أنابيب عيون الماء القريبة على سعتها لكي " تغرّز " فيها أولى النقلات فلا تتمكن بقية الناقلات من التقدم. وبالتالي كان الهدف الأكبر والأهم للإسرائيليين لتجاوز منطقة اللطرون تطهير الطريق الرئيسية بين المدينتين من قوات الجيش العربي. وكان ذلك أساس التكوين التعبوي لعملية إسرائيلية أسموها «عملية داني» Dani والتي استمرت من 9-18 تموز 1948 لتحقيق هذا الهدف بأيّ ثمن، لنجدة القدس الغربية المحاصرة من قبل الجيش العربي. وقد استطاع القائد المكلّف بالعملية «إيغال آلون» أن يجمع خمسة ألوية أحدها لواء دبابات “هاري إيل ” بقيادة اسحق رابين، إضافة إلى ثلاثة من نخبة ألوية البالماخ وهي ما توصف بانها قوات خاصة أو قوات صاعقة مقابل اللواء الأردني الأول المؤلف من كتيبتي المشاة الثانية والرابعة. وإذ بدا أن الفريق غلوب يتذكر الأحداث كما لو وقعت قبل أيام وليس سنوات أضاف مسرعا: في تلك الأثناء كانت السرية الأردنية المستقلة الخامسة تدافع عن اللد والرملة قبل يومين من انتهاء الهدنة. وفي يوم 9 تموز بدأ آلون عملية الإحاطة بمدينتي اللد والرملة، فأدرك ضابط أركان الكتيبة الرابعة (محمود الروسان) التي تكسّرت على دفاعاتها جميع محاولات فتح الطريق إلى القدس أنه كان عليّ أن اقرّر.. فلو أرسلنا إحدى الكتيبتين اللتين تدافعان عن اللطرون وجبال رام االله شمال غرب القدس، أو حتى سريتين منهما لنجدة اللد والرملة لخلصنا إلى نتيجة الاستحالة على أيّ ضابط، ناهيك عن رئيس الأركان أن يتّخذ مثل هذا القرار الصعب، والذي لا شك أنه كان من أصعب القرارات الحسّاسة في معارك فلسطين كافة. أي أن وضع الكتيبتين أو السريتين ميئوس منه تماما وستكون النتيجة كارثة محققة. حين أوصلني الفريق غلوب إلى هذه النقطة، وإزاء كلّ ما قراته وسمعته عن بطولات الكتيبة الرابعة التي أسماها الملك عبدا الله الأول الكتيبة الرابحة تذكرت قول حابس باشا بعد قراءة المقطع الأول من سورة «وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ١ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ٢النَّجْمُ الثَّاقِبُ ٣»أدركت أن الكتيبة الرابعة كانت هي فعلا النجم الثاقب لأن جميع محاولات فك الحصار الذي فرضته على القدس الغربية من مواقعها في اللطرون وإسناد المدفعية تكسّرت، لدرجة أن حابس باشا لم يكن يبالغ حين قال لي إن خسائر القوات الإسرائيلية المهاجمة في مختلف محاولاتها قد زادت في المواجهة الأولى عن أربعمئة قتيل عدا مئات الجرحى. وبعد أن يأسوا من الإستفادة من طريق بورما الترابية كبديل للطريق الرئيسية لمساعدة يهود القدس وإمدادهم بالنجدات أو المقاتلين فضلا عن السلاح والمؤن أعادوا الكرّة بهجمات مكثفة لفتح طريق اللطرون التي تشرف مباشرة على الطريق الممتدة عبر باب الواد الذي يشكّل منطقة واجب الكتيبة الرابعة وتشرف عليه إشرافا كاملا، فكانت خسائرهم أكثر من ألف وثلاثمئة قتيل، عدا مئات الجرحى وعشرات الآليات المدمّرة أو المحترقة (ومن يسافر هذه الأيام عبر هذا الطريق من القدس الى مدن السهل الساحلي سيشاهد عشرات من هذه الآليات المدمّرة وقد وضعوها في الحبلات الترابية على جانبي الطريق وقد دهنوها باللون الأزرق لتذكير أجيالهم الجديدة بما تكبّدوا من خسائر لكي يقيموا لهم دولة إسرائيل. وعليه لم يكن من السهل على أيّ قائد – أضاف غلوب باشا - التضحية بهذا الإنجاز مهما كان الخيار الآخر غاليا على الجميع، خصوصا وأن الهدف الأسمى كان القدس مسرى رسول االله صلى االله عليه وسلم. وهكذا استطاعت عملية طارق فرض حصار شامل وكامل على القدس الغربية رغم كلّ محاولات كسر الحصار. هذا فضلا عن محاولات القوات الإسرائيلية المتواجدة في القدس الغربية لتحرير اليهود المقيمين في القدس القديمة داخل السور (حارة اليهود) والتي تكسّرت أيضا على أيدي أبطال الجيش العربي. واستمر هذا الحصار مائة وعشرين يوما، ما دفع يهود القدس القديمة داخل السور لأكل الجرذان وتقنين الماء بما يعادل 10 سم مكعب للشخص الواحد يوميا.. وهنا جن جنون السياسيين في بريطانيا، فاستدعي الفريق غلوب الى لندن مرة ثانية وأُمر بفك الحصار فورا.. وإلا:
1. إلغاء المعاهدة (معاهدة الدفاع المشترك مع الأردن)
2. سحب الضباط الإنجليز من الجيش العربي
3. وقف تزويد الجيش العربي باحتياجاته من السلاح والذخيرة.
4. وقف دفع المعونة المالية لخزينة الدولة الأردنية التي تتكفّل بشكل أساسي برواتب الجيش واحتياجاته. وعاد الفريق غلوب مسرعا إلى عمان ليبلغ الملك عبدا الله الأول بشروط بريطانيا إذا امتنعت القوات الأردنية عن فكّ الحصار القاتل عن القدس الغربية، لدرجة أن يهود المدينة القديمة مات منهم عدد كبير جوعا وعطشا حين سيطر القائد عبدا الله التل على المدينة القديمة والتلال المحيطة بها مباشرة مثل جبل الزيتون والطور والتلة الفرنسية وراس العمود.. وكانت النتيجة أن رتّبت لهم فصائل الصليب الأحمر الخروج مستسلمين وقد رفعوا الرايات البيضاء، لأول وآخر مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.
وبعد أن وقعوا وثيقة الإستسلام للقائد عبدالله التل سمح للمدنيين بالإنتقال إلى القدس الغربية خارج السور من بوابة النبي داود، فيما أخذ العسكريون منهم أسرى إلى معسكر «خو» لاحتجازهم إلى أن تمّت عملية مبادلة الأسرى. والطريف أن شارون – ما غيره – كان من بين هؤلاء وكان حابس باشا قد أسره شخصيا خين كان قائد الكتيبة الرابعة في معارك اللطرون.
شروط الملك عبدا الله الأول لفك الحصار عن القدس الغربية
ردّ الملك عبدا الله على الشروط التي أبلغه بها غلوب باشا بكلّ ثقة أنه لا يمانع في إصدار الأمر بفك الحصار عن القدس الغربية، متى تمّ الإتفاق على شروط الهدنة التي كانوا يعملون على ترتيبها كلّما وجد اليهود أنفسهم في مازق. ولكن لديه هو - أي الملك عبدا الله الأول– شروطه أيضا وعلى غلوب أن يبلغ البريطانيين بها وهي:
1. التزام الإسرائيليين بالهدنة حيث هم (In Place) لأنهم كانوا يستغلون الهدنة للحشد والاستعداد للجولة القادمة. أي البقاء حيث هم دون القيام بايّ تحركات تؤدي إلى إسناد قواتهم بمزيد من المقاتلين فضلا عن التزود بالسلاح والذخيرة والمؤن.
2. ألاّ يدخل القدس الشرقية أيّ شخص يهودي وخصوصا البلدة القديمة بعد خروج جاليتهم الصغيرة إلى القدس الغربية من بوابة النبي داود.
3. أن يزوّد الجيش العربي وفورا بكافة احتياجاته من الأسلحة والذخيرة.
4. ألاّ تعترض بريطانيا بعد توقيع اتفاقية الهدنة الدائمة على انسحاب قوات الجيش العراقي التي سيطرت على مناطق السهل الساحلي في جنين وطولكرم وقلقيلية وأن تحلّ فصائل من الجيش العربي مكانها، تمهيدا لعودتها إلى العراق، لرفض العراقيين التوقيع على اتفاقية الهدنة.
إذا تأملنا الشرط الأخير من شروط الملك عبدا الله وتذكّرنا أن قوات الجيش العربي كانت تسيطر على جبال رام االله في الشمال، ومنطقة القدس في الوسط، وجبال الخليل في جنوب الضفة الغربية، وبعد السيطرة على مناطق السهل الساحلي المشار إليها سنجد أن الجيش العربي ضحّى باللد والرملة للأسباب التي ذكرتها في شروحات غلوب إلى درجة أنه استعمل مثالا من التاريخ حين قال: أنا لست نابليون لآمر بعملية مستحيلة.. سرية في كلّ من اللد والرملة أمام خمسة ألوية أحدها لواء دبابات. وبالتالي أنقذ الجيش العربي الضفة الغربية والقدس في وسطها حسب طلب الملك عبدا الله الأول، ودون أن تجتاز خط قرار التقسيم حسب شروط إرنست بيفن كما في خبر البي بي سي BBC الذي مثّل بداية طريقي إلى اكتشاف عملية طارق العبقريّة. بعد كل هذا الشرح، هذه عملية طارق.. النجم الثاقب التي وضعها محمود الروسان بالتشاور مع قائده حابس المجالي قائد وضابط أركان الكتيبة الرابحة.. فهل توافقون أن هذه الكتيبة استحقت وعن جدارة وصف الملك عبدا الله الأول لها بانها الكتيبة الرابحة؟
الخلود لأبطالنا والرحمة لشهدائنا الذين جمعونا اليوم في هذ الحمى الغالي. والدعوة للحسين الغالي بالرحمة وأن يسكنه الله فسيح جناته الذي فتح أمامي الطريق إلى تفاصيل الدور الأردني العروبي على ثرى فلسطين في عامي 1948 و1967.