من يعرف تفاصيل المجتمع يدرك أن وجود حادثة قتل بين العشائر والعائلات امر يحدث كل حين. فالأمر ليس حدثا نادراً، لكن الفرق ان الإعلام بحكم نشاطه ومتابعته اصبح يقدم تفاصيل الأحداث، وهذا ليس تقليلا من شأن ما جرى في اكثر من مكان لكن القضية الاساسية ليست وجود حوادث قتل لكن في طريقة ادارة هذه القضايا.
وما جرى في عجلون يكشف عن قضية مهمة تتعلق بقدرة ادوات الدولة من حكومة ومجتمع على ادارة هذه القضايا، فقضية القتل في عجلون استمرت مشتعلة عدة ايام ورفعت الحكومة مستوى التدخل الأمني بقوات يكون وجودها عنوانا على خطورة الاحداث.
جلس المسؤولون من كل المستويات عاجزين عن ايجاد الحل، وأصبح خبر عجلون حدثا متفاعلا اياما بعد ايام واصبحت القضية حديث الناس والاعلام الخارجي والداخلي مع انها من نوع الحوادث غير النادرة. واحتاج الأمر إلى عدة ايام حتى كانت العطوة الامنية ودفن الشاب القتيل مما هدأ النفوس ونتمنى ان نسير نحو الحل النهائي للقضية.
أي حاكم اداري ناجح وأي مجموعة من الوجهاء وشيوخ العشائر مر عليهم العديد من هذه القضايا، ولها سياق واضح في الحل، مهما كان غضب اهل القتيل ومهما كانت مشاعرهم ساخطة، ومن لديهم خبرة يعلمون ذلك.
أتذكر قضية قبل سنوات في احدى المحافظات تفاقمت لأن المحافظ عجز عن اخراج اهل القاتل من محيط سكن اهل المقتول، وكادت الامور أن تتعقد لولا وجود عقلاء وأصحاب خبرة.
ما معنى ان يجلس وزير الداخلية ومديرو اجهزة مهمة، بل ومستويات رفيعة من اهل المسؤولية، ويعجزون عن ايجاد الحل عدة ايام. ما معنى ان تفتح الابواب لبعض القضايا المعهودة بأن تصل الى ان تغلق بعض مناطق عجلون ويستمر التوتر وإغلاق الطريق؟
كل هذا يعني عجزا في آلة إدارة الأزمات الاجتماعية. وهنا لا اتحدث عن استخدام القوة بل استخدام الحكمة والعقل ووجود قنوات تواصل وأصحاب آراء شعبية ورسمية قادرين على اقناع المظلوم ان حقه محفوظ. وقادرة على تحويل الحدث المتكرر الى حجمه وليس الى ازمة وقضية كبرى.
في الملفات الاجتماعية نحتاج دائما ان نذكر ان أي مجتمع يجب أن يحافظ على انتاج قواه الضابطة وأصحاب الآراء التي يحترمها الناس ويثقون في نزاهتها. وهنا نتحدث عن وجهاء العشائر وشيوخ العائلات الحقيقيين وليسوا من يتم تعيينهم.
ونتحدث عن اشخاص لهم ثقل في مجتمعاتهم ويحترم الناس احكامهم وآراءهم ويثقون في عدالتهم، فالدول لا تحل مشاكلها برجل الأمن الا عندما تفقد القدرة على الخيارات الاخرى، ونتحدث عن وجوه المجتمعات من نواب وأعيان ليس فقط في عجلون، بل في كل الاردن، وضرورة ان نحافظ على وجودهم كرموز مجتمع وأصحاب مكانة لدى الناس وليسوا موظفين يتم تعيينهم في مجالس وأماكن برتب هي مواقع اجتماعية، وأن نعيد للوجهاء واصحاب الحكمة والتجربة في مجتمعنا مكانتهم وان لا نفرض على الناس وجوها تصنعهم اسس لا تختلف عن الاسس التي تصنع وزراء ومديرين.
قضية عجلون ليست هي كل الحديث، هي مثال قريب، لكننا نجد امامنا مشاكل عادية مثل حادثة قتل عشائرية، لكن فئات من المسؤولين يغرقون فيها، ويكتشفون ان ادواتهم في الحلول السلمية محدودة، ولهذا تتفاقم الامور، ولا يجد المسؤول امامه الا استخدام القوة التي لا تحل المشكلة بل تمنع تفاقم آثارها.
نتمنى ان تقرأ الدولة ما يجري لأن الامر ليس حادثة قتل قد تحدث في أي لحظة بل حالة اختبار لأدوات الدولة في حل مشاكل اجتماعية عادية.(الغد)
sameeh.almaitah@alghad.jo