وأنت تطالع مذكرات الملك المؤسس الشهيد، يستوقفك ملامح عدة لحكمة تبرز بين السطور لهذا الشيخ الجليل الذي علم الحرب والسلم وشهد حلم الوحدة العربية وحارب لأجله، وغدر الحلفاء وعقدة السلطة لدى العرب.
فالملك الشهيد يخاطب قارئ أوراقه بقوله :" يا قوم إن حياة الفرد قصيرة وإن حياة الأمم طويلة، وهو الأخبر والأعلم بما تكتنزه الظروف حيال السلطة في العقل العربي، إذ أن مطلع مذكراته يروي جانباً من من سيرة العرب ودولهم الراشدة والأموية فالعباسية.
وتظهر حكمة الملك المؤسس جلية في يقينه باكراً أن التاريخ لا يسير إلى جانب الديكتاتوريين، فمعلقاً على ما تسبب به هتلر من ضياع لأمته في الحرب العالمية الثانية، يقول الملك الشهيد: " لقد حرص هتلر على أن يكون أبرز شخصية في تاريخ البشر ، فدعا أكبر أمة في آوروبا ليقودها فاستقادت له فخر صريعاً في جداله الظالم فخرت صريعةً معه.. لأن عمله باغٍ ومسعاه لنفسه لا لأمته وشعبه".
وفي العبارة الأخيرة الكثير مما نحن بحاجة إلى الوقوف عنده من حكمة الملك المؤسس الذي أدرك أن الشرعية الراسخة تروى من الشعوب وتلبيه احتياجاتها وطمأنينتها.
فالعبرة من التاريخ، والقول للملك الشهيد، " أن للظهور والإعتلاء أسباباً، كما أن للتدني والتضعضع والضياع أسباباً، أما أسباب الظهور والإعتلاء فالإيمان والجماعة والتنفيذ والأمانة في الرئاسة، وأما أسباب التدني فهي التفرقة واختلاف العقيدة والحسد والتدابر " محذراً مما وصفه " حسد الأمراء وفساد الجند".
واليوم، وأنت تطالع الواقع العربي، وإستقرار الحكمة في وطننا تدرك كم كانت الظروف على عللها ليست بيسيرة لتشييد هذا الوطن، فالملك الشهيد بالحكمة والتعقل صان الوطن في بداياته مما أراد له الإنتداب الفرنسي في الشمال من إنتقام لدعمه الثورة السورية - آنذاك- ولاحقاً تتابعت الخطوب على الملك وهو يقارع رجال الإنتداب في عاصمة ملكه.
كما تستوقفك أن ما تمر به الأمة اليوم والمنطقة من محيطنا لم تكن أقل وطأة مما مرت به في عقود سابقة، خاصة في عهد الملك الشهيد، حيث سوريا المجزأة فالموحدة والتي كان يرى أنها لا تستطيع أن تعيش مجزأة، ثم ضياع فلسطين في حرب تركت في نفسه آثاراً لأنه خاض بعضاً منها مع أشقاء لم يريدوا له أن يصون ما تبقى من فلسطين، ولكنه بالحكمة وباليقين أن الشرعية من الشعب نجح في تحقيق وحدة عجزت عنها لليوم دول أكبر وأكثر غنىً.
ما نريد قوله في هذا المقام ، وهذا الإستحضار، أن حكمة المؤسس التي غرسها في تربة الوطن والتي بقت مع كل أدواره ، ودور وشرعية الهاشميين الدينية والسياسية والتاريخية والشعبية، هي العقد الاجتماعي والسر الذي جنب الأردن نوازل أكبر ومشاهد تحمل مفارقاتٍ أكبر.
حمى الله الوطن، ودامت الحكمة هاشمية، ورحم الله الملك الشهيد..