تاريخ الشعب الأردني هو حالة نادرة من التجني على الأردن الذي سرق من أبنائه والعشائر بحاجة الي إعادة كتابة فصول تاريخه وزعمائه.
و"الزعيم" هنا، وهو واحد من زعماء وطنيين حظيت بهم المملكة الأردنية الهاشمية، هو أشهر من نار على علم: انه المفكر والانسان الوطني الكبير هزاع المجالي ابن أحد اهم واكير العشائر الأردنية في الجنوب.
وقد ولد في مدينة الكرك عام ١٩١٧ من أبوين اردنيين. ثم أكمل دراساته في دمشق. وبعدئذ انتقل إلى عمان حيث أصبح موظفا في دائرة التشريفات الملكية في عهد حكومة سمير الرفاعي عام ١٩٤٧.، ثم عين رئيسا لبلدية عمان عام ١٩٤٨ حيث أصدر تعليماته بشق الطرق وتوسعتها وقام بتحسين شبكة المياه في العاصمة وزيادة آلات الضخ والخزانات حيث قضى في هذا المنصب سنتين قلده بعدها الملك عبد الله الأول بقلادة ذهبية تقديرا له قبل ان يتولى المنصب الوزاري والي ان تسلم رئاسة الحكومة الأردنية في أصعب اوقاتها.
دولة الرئيس هزاع المجالي: عين وزيرا في حكومات سمير الرفاعي(الجد) عام ١٩٥٥ وفي حكومة فوزي الملقي عام ١٩٥٣ وفي حكومة توفيق ابو الهدى عام 1954 وفي حكومة سعيد المفتي عام ١٩٥٥
١٩٥٩. وشكل حكومتين عام ١٩٥٥ وعام
كان خطيبا مفوها، وسياسيا لامعا، ومحاميا معروفا في الطفيلة والكرك، صاحب موقف ورأي وليس حاملا للقب الوزير او وزيرا صوريا بالاسم، وفي كل الوزارات التي شارك بها كان لفصاحته وقدراته وانتمائه الوطني يعين رئيسا للوزراء بالوكالة رغم صغر سنه ورغم وجود من هو أقدم منه في الوزارة، حين مغادرة الرئيس الأصلي حسبما موثق في تاريخ الوزارات الأردنية.
هذا ويعتبر هزاع المجالي أحد صانعي مفاصل الدولة الأردنية والأساسية في التاريخ السياسي المشرف والوطني للأردن لا بد لطلبة الجامعات والدراسات العليا وكل من يريدون الاطلاع على تاريخ الأردن الحقيقي وثقافتها وقضاياها وحضارتها ان يقرئوه بتجرد واضعين في الاعتبار ان قلة من الرجال هم أصحاب المبادئ والقرارات القوية التي لا تهادن ولا تخنع او تخضع.
واشير هنا على سبيل ذلك رفض هزاع المجالي وهو رئيسا للوزراء شرط املائي من العراق لتمويل مشاريع في الأردن مقابل الارتباط بالدخول في حلف بغداد وأصر ان كل منهما منفصل على الاخر. وهو بعكس عديد من رؤساء حكومات من بعده هرولوا الي صندوق النقد الدولي راكعين لشروطه التمويلية قبل مناقشة قيمة التمويل ومتطلباته، فكان مثالا يحتذي.
و عندما كلفه الملك الحسين بتولي رئاسة الحكومة وقت "حلف بغداد " طالبا اليه العمل علي دخول الأردن اليه ، قبل ان يحمل ما "جبن" عنه اخرين بمنتهي الصلابة ليدخل إلى مسرح التاريخ املا في وحدة اهداف مع العراق و باكستان و تركيا و ايران و بريطانيا في زمن العرب متبعثرين، متشتتين، منقسمين و هو حلف تنظيمي دفاعي لتعزيز الأهداف السياسية والعسكرية والاقتصادية المشتركة التي تأسست عام 1955 من قبل بريطانيا وتركيا و اخرين على غرار منظمة حلف شمال الأطلسي ومعاهدة جنوب شرق آسيا ، كان الغرض الرئيسي من حلف بغداد هو منع التوغل الشيوعي وتعزيز السلام في الشرق الأوسط.
وأورد هنا ما صرح به ابن القدس وابن العائلة الفلسطينية التي تحمل مفاتيحها منذ العهدة العمرية، وزير خارجية الأردن حازم نسيبه، " لو أن الأردن انضم الي حلف بغداد لما ضاعت القدس ولا الضفة الغربية ".
. ولكن حكومة الزعيم هزاع المجالي الاولي لم تصمد امام مظاهرات شعبيه ممولة خارجيا ومدفوعة من الشيوعيين ومصر وأصحاب مصالح ذاتية وهو ما يعطي فكرة عامة عن وضع الاردن في " الجاهلية السياسية “: والتي كان يحارب ويقف عثرة في أي ظهور للتيار الوطني الأردني من أبناء الأردن والعشائر أصحاب الأرض من تلك المجموعات التي لا تمثل حقيقة الشعب وركبت موجات وتسلقت مناصب وزارية لاحقا.
لقد كانت مرحلة ضبابية خاضعة للحناجر في حالة تغييب تام للعقل. كانت هناك هوة كبيرة بين الحقيقة الأردنية كما يراها هزاع المجالي وبقية الاخرين من بعض المتظاهرين المدفوعين.
ولا بد من الإشارة هنا عن كيفية تشكيل الأردن وكيف تخطط لها بريطانيا، التي كان يري البريطاني السير اليك كيركبرايد ـ وهو من دهاة السياسة الاستعمارية ومهندسيها في الشرق الاوسط ـ والذي قال:" انه لم يكن لدى بريطانيا اي تفكير في تحويل الارض الواقعة شرق النهر الى دولة مستقلة عربية" وكان من منفذي تلك السياسات الجنرال " جلوب".
وكان الزعيم هزاع المجالي الذي ينتمي الي قري وبوادي ومدن الأردن رافضا ان يتم استعمال الأردن او اعتبارها ارض ثانوية تحت الطلب الي ان يتم انشاء الوطن القومي لليهود في فلسطين والذي سعت اليه وناصرته ودعمته بريطانيا.
ان حكومة هزاع المجالي الاولي، التي كانت مطالبة من الملك الحسين بالترتيب لدخول حلف بغداد. وان استمرت فقط ستة أيام الا انها تبقي نقطة لقاء وتمييز في آن واحد مع في التاريخ الأردني.
ففي معظم المدن والقري كانت هناك أكثرية مسيحية ومسلمة، أردنيون وفلسطينيين شرفاء تعيش جنبا إلى جنب مع العنصر الغالب: أي فكر هزاع المجالي، وهو ما كان مؤشرا على زعامته وشخصيته القوية التي خلقت له أعداء ومنافسين له من عباءته ذاتها فتنكروا له وكتبوا فيه وعنه بعكس ما يستحق وبعد استشهاده فحرم من حق الرد والدفاع عن سياساته وما روجوا له..
لقد دفع هزاع المجالي للدولة الأردنية ضريبة الجزية السياسية وقتل واستشهد، و كان هو المقصود و ليس أحدا غيره، لأنه زعيما وطنيا تجاوز حدود اطار رئاسة الحكومة و بدا سياسيا محنكا في مؤتمر باندونج امام الرئيس المصري عبد الناصر و تيتو ، و كان صاحب رأيا و اضحا في الاجتماعات و المؤتمرات العربية ، و مدافعا عن الراية الأردنية بصلابة الخطيب و عنفوان القديس المتميز.
بالطبع فإن كل هذه القيود الحصرية المفبركة خارجيا وعبر بعض السفارات في الاردن ضد حكومته كانت سببا للاستقالة ومن ثم عاد في حكومته الثانية بعبقرتيه الخاصة اكثر قوة و إصرارا بفكر عال وصل الي ذروته و له تأثير كبير علي الشأن الأردني واستقلال القرار الوطني والحقائق ومبادئ المنطق السياسي و اليقين بالأرض و العشائر الأردنية و حقوقها المنتزعة.، ولا ينبغي أن ننسى ذلك.
.
ان طريق العقل والفلسفة السياسية بين الملك الحسين وهزاع المجالي، ليسا متعارضين وإنما متكاملان إذا ما أحسنا فهمهما..
إن دولة هزاع المجالي كتاب ضخم وشامل في تاريخ الحركة الوطنية التي ابتدأت ببرقية أرسلها الي الملك عبد الله الأول فكانت بداية الطريق الشاق والصعب نحو بناء الوطن.
رحمة الله عليك يا "هزاع" أيها الوطني الكبير.
aftoukan@hotmail.com