أين هو الفيلم الوثائقي التسجيلي الأردني؟
د. تيسير المشارقة
01-03-2019 05:32 PM
الفيلم الوثائقي والتسجيلي يشغل بال العديد من المفكرين وصناع السينما. وبالرغم من أن السينما بدأت وثائقية منذ الأخويين لوميير أواخر القرن التاسع عشر 1895 وتسجيل وقائع خروج العمال من مصنع، أو سير قطار بسرعة ما نحو الكاميرا جعلت المشاهدين يفزعون من هول المفاجأة، إلا أن السينما بدأت تسير باتجاهات روائية تقترب من التسجيل الروائي السردي الوثائقي.
والأردن الذي بدأ رحلة التوثيق السينمائي في وقت متأخر بظهور وزارة الإعلام 1964، انشغل لعقدين من الزمن بهذه الصناعة التسجيلية إلا أن الصناع في الثمانينات والتسعينات انشغلوا بالدراما والمسرح بشكل كبير، وبالفيلم الروائي بشكل محدود. وحصلت أزمة جوهرية في الإنتاج منذ أواسط التسعينيات حتى يومنا الحالي بسبب تداعيات حرب الكويت وتحويل ملكية استوديوهات الأردن إلى الإمبراطور الإعلامي السعودي الشيخ صالح كامل. ولكنّ بناء المدينة الإعلامية الحرة إلى جانب التلفزيون الأردني أنعش الحال وصار بالإمكان الانطلاقة بمسيرة سينمائية جديدة كانت الهيئة الملكية الأردنية للأفلام أحد أركانها المؤسسة.
وبينما ظهرت في فلسطين بوادر تسجيلية وثائقية عربية أواسط ثلاثينات القرن العشرين 1935 بتسجيل وقائع زيارة الملك سعود بن عبد العزيز للقدس والمسجد الأقصى، إلا أن التوثيق السينمائي للحياة في فلسطين والقدس بدأ مبكراً مع بدايات السينما وأعمال الأخوين لوميير أواخر القرن التاسع عشر وهناك أفلام تسجيلية توثيقية لهما في فلسطين يمكن العثور عليها عبر وسائط التواصل الإعلامي الاجتماعي الحديثة (ومنها اليوتيوب).
الوثائقي اقترب من الروائي بالمشاهد التمثيلية، وهذا الروائي يحاول توثيق الأمكنة والشخصيات بأمانة روائية، مما يجعل الخيال الروائي السينمائي المبكر أقرب إلى الوثائقية التسجيلية في آليات سرده.
السرد الروائي المتعدد (من البداية للنهاية، وبالعكس، والعشوائي الألبومي) يحدد مدى الابتعاد والاقتراب من الفن الوثائقي التسجيلي. ويمكن التدقيق في فيلم روائي رائج للمخرجة (أغنيشكا هولاند)، وهي بولندية الأصل، بعنوان ((استنساخ بيتهوفن)) من إنتاج أميركي مجري ألماني، عام 2006، وآليات السرد المعكوس فيه لحياة مرافقة بيتهوفن الثانية واستنساخها للنوتات. ففي هذا الفيلم الروائي تقترب المخرجة من التوثيق في رسم الملامح الشخصية للموسيقار العالمي بيتهوفن.
والأفلام السيروائية الشخصياتية تقترب بشكل كبير من النسيج التسجيلي والسردي التاريخي للأحداث وبخاصة حين يتم تناول الجوانب التالية: النشأة والأسرة والمجتمع والمهنة ونعمة التميّز (الكاريزما).. والزاوية الخامسة من التناول هي المبرر الموضوعي لتناول الشخصية في شكل فني سيروائي(يجمع ما بين السيرة والرواية). والضلع الخامس أطلقنا علية الضلع الخامس للمربع (النشأة/الأسرة/ المهنة / المجتمع)
هناك فروق عديدة بين الفيلم الوثائقي والفيلم الروائي ولكنهما يجتمعان بمكوّنات كثيرة من بينها (الفكرة والسيناريو والصراع واختيار الشخصيات وكيفيات المعالجة البصرية والروائية والدرامية).
نحتاج لبحوث متعددة وكثيرة في عناوين الأفلام الوثائقية الأردنية وآليات انتاجها، كما أن دراسة محتوياتها وتحليل مضامينها وتفريغ أو تحطيب محتوياتها قد يفيد ويعجّل من نهوض حديث أو جديد لصناعة الفيلم الوثائقي في الأردن، وظهور قنوات متخصصة في البلاد، أسوة بكافة دول العالم، تقوم بعرض المنتج الوثائقي المحلي مما يفتح المجال لعلماء الاجتماع بدراسة المجتمع الأردني والتطوّرات فيه، وبالفيلم يفسّر المجتمع نفسه.
سؤالنا الكبير نكرره هنا، أين هو الفيلم الوثائقي الأردني؟ من يقوم باقتنائه وحفظه؟ هل مؤسسة التلفزيون الأردني كمؤسسة دولة قادرة وحدها على رعاية وتسجيل المخزون الوثائقي البصري؟ أين نحن من صناع الوثائقيات في العالم من المؤسسات الإعلامية والمتخصصة؟ أنا منشغل بهذا الجانب ولا إجابات شافية عندي حول هذا الجانب من حياتنا في الأردن. (تيسير مشارقة / جامعة البترا)