أول الكلام في لندن هو كِفَاح الملك في مُعْتَرَكه الدَؤُوب في الذود عن هذا الوطن.
لقد اِسْتَحْضَرَ في خطابه، قيم الأردنيين كاملة البهاء، وأبلغ في الحديث عن ثبات هذا الشعب وعن نضاله الذي يسير في خطّين متوازنين: لقمة العيش والقلق على مصير الأمة ونصرة قضاياها.
عن الأردني الذي يتألم على حال الأمة وهو يقطع المسافات بحثا عن عمل واحتجاجا على ضريبة.
بدأ المؤتمر وانتهى مثلما تبدأ كل المؤتمرات وتنتهي، كلمات وجلسات أعمال. كان واضحا أن جهد الحكومة البريطانية في التحضير للموءتمر كان استثنائيا. لقد استطاعت أن تحقق تقدّما إيجابيا في تهيئة المؤتمرين وتحفيزهم نحو التفكير بعمق هذه المرة، للإتجاه نحو الأردن، مملكة الاستثمار. هذه ملامح أمل جديد لا يمكن إنكارها.
ثمة مخرجات جديرة بالتفاؤل، سيكون للحكومة وقتا متاحا مهما للإعلان عنها، لكن المخرج الأميز في نهايات هذا اليوم، كان النجاح البارع في تحويل اتجاهات الدول المانحة، من دعم الأردن بوصفه مستضيفا أساسيا للاجئين، إلى التفكير بكل جديّة نحو الاستثمار فيه كمكافأة له على تحمّله تبعات أزمات إقليمية ودولية عصفت باقتصاده، وبلا شك، فإن هذا الإنجاز استند أولا لجهد جلالة الملك في التحشيد على كل المستويات، فضلاً عن ملف الحكومة الكامل والواضح ذي الميزة التنافسية.
في لندن، قال العالم كلمته التي كان عليه أن يقولها منذ أزمات بعيدة؛ أن العالم سيكون أفضل بوجود أردن قوي. تحمل هذه الرسالة معنى استراتيجيا كبيرا.
سيتوقع الناس من مخرجات المؤتمر شيئا سريعا. هذا ليس من الحكمة في شيء. علينا الإنتظار وقتا ليس قصيرا لنرى الأثر المباشر. سيكون ذلك بجلب رؤوس الأموال للإستثمار ودوران عجلات التنمية وفرص العمل وازدهار الاقتصاد.
من جهة أخرى مهمة، فإن هذا التفاؤل لا يعفي الحكومة من النهوض بواجباتها الدستورية الأساسية. لقد رأينا بالأمس نموذجا مباشرا للشقّ البعيد الذي يفصل الإدارة واستراتيجياتها الورقية، وبين التطبيق الحقيقي لها.
على الحكومة في تحضيراتها لاستقطاب الاستثمارات في قطاعات مختلفة، أن تفطن إلى أن نموذج الإدارة العامة بحاجة إلى مراجعة وتقييم. من غير الحصيف أن ندعوا رؤوس الأموال للإستثمار بينما ما زلنا نقاتل من أجل الأساسيات.
وكذا، فإن على الحكومة أن لا تخلد للنوم بعد هذا التفاؤل، عليها تشكيل فريق مؤسسي متخصص ينهض بواجب إدارة هذا الملف ومتابعته، شرط أن يكون هدف هذه الخطة المهم، هو النهوض بتنمية المحافظات وبالنمو الاقتصادي بشكل عام وبتوفير فرص التشغيل، ولن يعفيها ذلك في كل الأحوال من التفكير خارج الصندوق نحو سبل الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ذاك أن الإصلاح السياسي، سيقود حتما للإصلاح الإقتصادي.