لیس بالضرورة وحتما أن تقود الدیمقراطیة الى الحكم الرشید، ولیس بالضرورة وحتما أن تكون الحكومات البرلمانیة المنتخبة أفضل من تلك المعینة. أقول ھذا سلفا وأنا أقدم وجھة نظري بأن الذھاب الى صیغة الحكومة المنتخبة ھو المخرج الوحید من المأزق الراھن! إنھ لم یعد مقترحا اصلاحیا بل حلا لا أرى بدیلا لھ مع أزمة الحكومات كما نراھا الیوم.
لنتفاھم وسط ھذا الصخب والبلبلة حول النقطة التي نقف عندھا. لم یعد المطروح تطبیق برنامج اصلاح وتطویر بل حل أزمة واستعصاء في ادارة الشأن العام! لم یعد ھناك حكومة ترضي الشارع ولا رئیس وزراء یثق بھ الناس والثقة ببرامج الاصلاح تآكلت نھائیا، وھامش الحركة لدى أي حكومة محدود جدا لكي یشعر المواطن بأن ھناك تغییرا في ”النھج“ ناھیك عن تحسن الأحوال المعیشیة، وقد فاض الكیل مع المواطن، لیس ابن الطبقة الفقیرة فقط بل كل مواطن، فالغني ایضا بات یرى السلطة كائنا طفیلیا موجودا فقط لازعاجھ ومضایقتھ، یعتاش على حسابھ ولا یقدم لھ شیئا. یلتقي الفقراء والاغنیاء الیوم على فقدان الثقة، ولا یترددون في التعبیر عن غضبھم دون خوف أو مجاملة كما لم یحدث من قبل، وھذا المؤشر یجب ملاحظتھ والتوقف عنده. لقد اسقطت الاحتجاجات الحكومة السابقة وھي قادرة على اسقاط الحكومة الحالیة لولا أن الناس لم تعد مقتنعة حتى بتغییر الحكومات وتعتقد ان ”الخل أخو الخردل“، وبالمقابل فإن أي مسؤول أو وزیر بوده لو یعلنھا صریحة في وجوه الناس ویقول ان المشكلة فیھم وعندھم ولیس عنده. فما الحل ؟!
أما وإننا وصلنا الى ھذا الاستعصاء فأنا لا ارى مخرجا سوى وضع الكرة في ملعب الجمھور بكل جدیة أي أن یتفضل الشعب العظیم صاحب السیادة لیختار حكومتھ!؟ سیقال كالعادة إن ھذا یحتاج الى برلمان حزبي وكتل برامجیة ..الخ الخ. وأنا كتبت في مقال سابق ان المشكلة في الحقیقة معكوسة! یجب ان نقرر أولا اننا سننتقل الى الحكومة المنتخبة، وأن من یحصل على اعلى الأصوات في الانتخابات القدمة سیكلف بتشكیل الحكومة. وسنرى عندھا أن كل رؤساء الوزراء المحتملین وكل الطامحین لدور ما سینتقلون الى طریق مختلف اذ لیس لھم ان ینتظروا اشارة الملك بل علیھم السعي لتحقیق اغلبیة برلمانیة ھذا وحده سیطلق دینامیكیات جدیدة ویؤدي بالانتخابات لإفراز أحزاب برلمانیة.
وقد تناقشت في ذلك مع بعض الشخصیات الأكثر اعتدالا وكان رأیھم ان ذلك فعلا ھو الحل. یجب أن یكون واضحا للناس أنھم یذھبون الى صنادیق الاقتراع لاختیار من سیشكل الحكومة ولیس فقط انتخاب شخص لذاتھ. وبالاتفاق على الھدف سیكون میسرا وضع خریطة طریق للوصول الیھ وفي المقدمة التعدیلات المطلوبة على قوانین الانتخاب والاحزاب والكتل البرلمانیة والتمویل العام، لا بأس وقد قیل ھذا من العودة لما بدأنا بھ المقال بأن الدیمقراطیة الناجزة لم تكن شرطا للتقدم الذي حققتھ بعض الدول ففي بلدان مثل سنغافورة وكوریا ظھرت قیادة ممیزة وشعب تجاوب مع الخطط والسیاسات الریادیة وحصل تقدم اقصادي باھر والدیمقراطیة حققت تقدما لاحقا.
والحكومات المنتخبة بذاتھا أو وحدھا لیست ضمانة للحكم الجید والخالي من الفساد، وقد یحكم حزب أو ائتلاف بأسوأ الطرق تجعلنا نترحم على الحكومات المعینة من فوق! ولكن عندنا فالطریقة القائمة في تشكیل الحكومات قد استھلكت ولم یعد مقنعا ولا ممكنا الاستمرار بھا ولم یعد ھناك رد على المأزق الراھن الا أن نذھب دون التفاف او مداورة الى الخیار البدیل وھو الحكومات البرلمانیة المنتخبة وفي البال أن تخضع لرقابة مزدوجة من تحت – المعارضة
البرلمانیة ومن فوق – الملك.
الغد