لا يوجد شيء أبشع من الظلم، فقد ربطه الله تعالى بالكفر والشرك «يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم» وحرمه سبحانه على نفسه «يا عبادي اني حرمت الظلم على نفسي» وتنزه عنه تعالى «وما ربك بظلام للعبيد» وحمل الانسان مسؤولية هذا الفعل المفكر «ان الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس انفسهم يظلمون» وذكرنا جل وعلا بمصير الامم التي هلكت بسبب ظلمها «وكأين من قرية امليت لها وهي ظالمة ثم اخذتها والي المصير» ونهى الحق تعالى عن الركون للظالمين «ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار» وأخبر الله تعالى الظالمين بأنه لا يحبهم ولا يهديهم ووعدهم بالعذاب الأليم.
وقد شغل «الظلم» حيزاً كبيراً من اهتمام القرآن الكريم، فقد ورد لفظه فيه نحو (290) مرة في (260) آية في (57) سورة، تحدثت عن الوان الظلم وصفات الظالمين، وسنن الله في الامم التي تمارس الظلم، وعواقبه واثاره على الناس، سواء أكان ذك في الدنيا او الآخرة، ومن ابرز انواع الظلم ظلم الانسان لنفسه وظلمه لأخيه الانسان والظلم في علاقة العباد بالله تعالى، وقد أشار سبحانه الى تسع فئات هم الاكثر ظلماً في الجحود والكفر ومنع مساجد الله من التعمير والافتراء على الخالق سبحانه.. الخ، كما ربط تعالى بين المعاصي والظلم، فالزنا ظلم اجتماعي، والربا ظلم اقتصادي، والاستبداد ظلم سياسي.. وهكذا.
ومع ان جوهر الظلم (الذي يعني وضع الشيء في غير مكانه او وقته بالزيادة او النقصان) هو ظلم الانسان لنفسه، الا ان ابشعه ظلم الانسان لاخيه الانسان، ذلك ان اعتداء الانسان على حقوق أخيه الانسان، فهما كان هذا الاعتداء، يجسد حالة من الطغيان الانساني على أمر الله تعالى الذي حرم سبحانه الظلم على نفسه وعلى عباده ايضا، كما ان ظلم النفس يمكن ان يكون في معصية بسيطة تمحوها التوبة او الاستغفار، في حين ان ظلم الآخرين لا يسقط الا باعادة الحقوق اليهم او طلب السماح منهم.
على الطرف الاخر تردد في القرآن الكريم مفهوم العدل نحو ثلاثمئة مرة، ويتوافق العدل في احيان كثيرة من الحق، فالاثنان اسمان من اسماء الله الحسنى، ويقرر الخالق عز وجل ان هدف الانبياء والرسالات والكتب هو اقامة العدل، وانه تعالى قائم بالقسط شهد الله انه لا إله الا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط، وان لا شيء يتقدم على العدل حتى لو ضد النفس او الوالدين والاقربين( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين)، كما انه لا يجوز ممارسة الظلم ضد الآخرين حتى لو كانوا اعداء (ولا يجر منكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى )، والعدل هنا مطلوب مع الذات في دائرتها الاولى ومع الاهل والجيران والمجتمع والآخر، والانسان العادل لا مجرد الامام العادل هو الموضوع والمقصود ايضا.
ولو كان يمكن اختزال الاسلام في كلمة واحدة لكانت الكلمة هي العدل، والعدل – هنا – ليس مجرد احكام تصدر، او تقاضْ يتم، او حدود تقام، وانما نظام عام شامل، يتعلق بالانسان في كل حركاته وسكناته، وبالكون والحياة والآخرة ايضا، وهذا ما يميز العدل في الاسلام عن غيره من المنظومات البشرية الاخرى، وما يجعله صنو الاسلام فعلا.. اذ لا يمكن لاحد ان يتصور عظمة الاسلام وانسانيته وصلاحيته بكل زمان ومكان.. لو كان العدل مجرد جزء منه.. لا مستغرقا – كما هو الحال – في كل جزء فيه.. من عبادات ومعاملات وأحوال، لدرجة ان غياب العدل يعني – تماما – غياب الاسلام.
الدستور