هل سيساق المواطن لمسلخ عمان!
25-08-2009 12:41 PM
الحكومات في المفهوم العام والمنطقي والأخلاقي والوطني ، تـُشكل من أجل خدمة المواطن ، والحكومات الوطنية تختلف تماما عن حكومات الاستبداد الاستعمارية التي نتجت في القرن العشرين ، ومنها حكومة "بريمر " البغدادية في بداية الألفية الثانية التي حولت العراق الى أعراق، .. فمهمتها الأساسية خدمة الناس والمحافظة على مكتسباتهم وحماية حقوقهم ، وهو شكل من أشكال الحكم الرشيد ، أما ان تتحول الأوطان الى بئر معطلة وقصر مشيد ، فتلك حالة تستدعي أن نتناذر ، وان يجأر بالصوت ، لا لأن الحكومات ظالمة ، بل لأنها صامتة أمام غول القطاع الخاص الذي أثري من جوع الفقراء .. فلا يغنى غني إلا بفقر فقير .
وعندما أراد الله أن يعاقبنا بالضنك ، وضياع المئونة ، وتقليب الكفين .. ساق لنا من يزرع أفكار الخصخصة ، وفتح الباب للقطاع الخاص ليعمل ما بوسعه لتقصير حاشية ثوبه ، وتوسعة جيب الثوب ، فجمع مالا يطيقه المواطن .. وأصبحت الحكومة عبارة عن جاب للرسوم ، همها أن يزداد البيع ، لتزيد نسبة الضريبة على البيوعات ، وهذا ما جعل فئة معينة ، بل أسماء بعينها تحتكر أسواق البلد ، وتتحكم بمصائر ملايين الأفواه ، وشهوات الناس ، وأنماط معيشتهم .. حتى تحول المجتمع من منتج ما ، الى مستهلك تماما .
نحن في شهر رمضان المبارك .. والحكمة من رمضان وصوم رمضان ، هو الزهد وشعور الغني مع الفقير ، وتدريب النفس على خشونة العيش .. وفي نصوص التاريخ أن يوسف عليه السلام هو أول من استحدث وجبة الغداء كوجبة رئيسة في منتصف النهار ، لسد حاجة الناس من الأكل في وجبة واحدة تمسك على الانسان بطنه في السنين العجاف .. ولكن للأسف تحول رمضاننا نحن وليس رمضان الله الى شهر الشراهة والأكل بدل العبادة والرحمة ،وكأن وجبة اليوم هي الوجبة الأخيرة في حياة الإنسان .. وهذا ما شجع كثير من الاستغلاليين لرفع أسعار كل شيء في رمضان .. سوى سعر القيمة الآدمية للمواطن، وأطفالهم الذين لا يعرفون معاناة الآباء في توفير حاجياتهم ، ومتطلبات معيشتهم ودراستهم وطبابتهم .
الحكومة يجب ان تعود الى سابق عهود الحكومات التي تتولى الإشراف على المصالح الأساسية للمواطنين بهدف حمايتهم .. لا أن تصطف مع فئة من رجال المال الذين يحملون ألقابا لا تليق بهم أقلها صفة رجال الأعمال .. فليس هناك من رجال أعمال بالمعنى المعروف سوى قلة قليلة عصامية ، وما بقي كانت تسهيلات البنوك المفعمة بالفوائد الربوية هي التي صنعت لهم الأعمال ، وأغرقت الأسواق بالبضائع الصالحة وغير الصالحة لمجتمعنا .
الحكومات المتعاقبة تتحمل مسؤولية اندثار الثروة الحيوانية ، حينما ساوت بين قيمة المواطن المكافح وبين قيمة "الخروف " الذي يولد ويطعم ويربى " على الدلال " لنتيجة حتمية وهي مسلخ عمان ، فتصحرت الأراضي الزراعية ، وزرعت الأراضي الخصبة بالأسلاك الشائكة والمباني الإسمنتية ، ولم يعد سوى مواد الإعلاف من الشعير والنخالة المخصصة كأعلاف للمواشي .. ثم قامت برفع أسعارها ما جعل مربو المواشي يقومون ببيعها بالآلاف في الأسواق المحلية لسداد ديونهم ، وتركت الساحة لشركة واحدة تذرع الأرض طولا وعرضا ، وتزاوج بين اللحم البلدي واللحم العجمي في تجارتها ، وعلى الرغم من خروج شركة أو اثنتين حاولتا المنافسة ، ولكنهم لم يستطيعوا ذلك .. فكانت النتيجة الحتمية ان تتحكم تلك الشركة بأسعار اللحوم التي ناهزت أسعار اللحوم البلدية .. وتبعتها الشركات المنتجة للحوم الدجاج والبيض ، فأسعار الأعلاف تزيد قروش ، وهم يرفعون أسعار لحوم منتجهم دنانير .. والأرباح لا يعلمها إلا الله والراسخون في الضرائب .
خيرا فعلت الحكومة أخيرا بالتفكير لتأسيس شركة لاستيراد اللحوم أو ما شابه .. بل ان التجارب الناجحة في الدول الاشتراكية والأنظمة الشمولية ، دليل على ان القطاع الخاص غول مجرد من لغة المشاعر .. وهو ليس سوى آلة حسابية تنتج أرقاما إلا رهط قليل جدا ممن يخافون الله .. ومع إننا نعرف مدى ارتفاع الأسعار لبعض المواد التموينية في بلد المنشأ ، فنحن نعرف أيضا عدم وجود أي تاجر يقبل أن يخسر في هذا الموسم محتسبا عند الله خسارة بسيطة أو ربحا قليلا .. الكل يريد أن يغنى .. والمواطن الذي لا يجد الوقت ليحسب ما تبقى من راتبه ، لا يريد جنة المحتكرين ، ولا جنة الحكومة .. بل يدعو الله ان يحميه من نارهم التي لا تنطفئ .
يجب على الحكومة فعليا التفكير جديا بالتراجع عن سياسة السوق الحرة والمفتوحة وترك الحبل على الغارب للتحكم في الأسعار من قبل الحيتان ، واكتفاءها بدور المراقب والمحصل للضريبة .. فهذا كله أنتج حالة في المجتمع ظاهرها الاضطراب وباطنها الغليان ،، وأدواتها جرائم أصبحت تحدث لأتفه الأسباب .
في الأسابيع الماضية لم يستطع وزير المالية تمرير قانون الضريبة في مجلس النواب ، مع ان معظم مواده أجيزت ، فأصبح ينتف شعر رأسه حتى أصيب هو والطاقم الاقتصادي في الحكومة بالصداع والعلز فلم يطيقوا بقاءا في عمان الحارة جدا بكل شيء ، ولم يطفئهم سوى شواطئ أوروبا التي لا يعرفها فقراء الأردن ، ولا ندري أعادوا هم أم لا يزالون في " بطوطتهم " يرتحلون .. أفلم ينظرون الى عيون الناس في الشوارع كيف أضاعت سبل هداها .. ثم تخرج علينا وزيرة التنمية الكريمة لتحدثنا عن إنجازات الوزارة في مكافحة التسول ..
بالله عليكم أن تتركوا هؤلاء البشر يتسولون ما دامت الحكومة لا تقف على الإشارات الضوئية ولا على أبواب المساجد لتخرج من جيوب سادتها حق معلوم للسائل والمحروم ...
Royal430@hotmail.com