صالح عربيات .. البقاء لإرثه الساخر
فهد الخيطان
28-02-2019 12:48 AM
ما أزال أذكر یوم أن قدم صالح عریبات أوراق اعتماده ككاتب صحفي ساخر لجریدة العرب الیوم. كمشة مقالات كان قد كتبھا في مواقع إخباریة أرسلھا صدیق للأستاذ طاھر العدوان رئیس تحریر الصحیفة قبل أكثر من عقد من الزمن.
أعجب ”أبو حسام“ كثیرا بأسلوب عربیات ولغتھ الساخرة والساخطة، وعرض علي بعضا منھا، ووجدتھا بالفعل ممیزة. ومن ذلك التاریخ التحق صالح بالعرب الیوم كاتبا ساخرا. وفي غضون سابیع قلیلة حقق حضورا لافتا بین قراء الصحیفة.
مضت سنوات قبل أن یلتحق بصحیفة الغد التي سبقتھ بالالتحاق بھا، وانضم لأسرتھا. حافظ على نفس أسلوبھ في الكتابة، وكسب مزیدا من المتابعین والمحبین لمقالاتھ.
صالح الكاتب ھو ذات الإنسان في الحیاة؛ بسیط، وقریب للقلب، ساخر مثقف، ومن بین أفضل الكتاب الذین یوظفون التراث الشعبي في مقالاتھم. یملك مھارة فریدة في السخریة من أحوالنا بالاستناد إلى قصص من تراث السلط وبیئتھا الغنیة. یقسو على المسؤولین في نقده اللاذع لكنھ لا یجرح كرامات الناس. یكتب من قلبھ ووجعھ، ویعرف الناس جیدا ویشخص أوضاعھم دون مجاملة.
تحب في صالح إلحاحھ الدائم على اختیار كتاباتھ. حین یلتقي بصدیق یمطره في الأسئلة عن رأیھ بمقالاتھ. شغفھ بالكتابة الساخرة لا ینضب، وحرصھ الدائم على تقییم الناس لما یكتبھ یؤثر فیھ إلى حد كبیر.
یحفظ صالح تراث السلط وسیرة رجالھا عن ظھر قلب رغم صغر سنة، ویروي من الحكایات والقصص ما یجعل الجلسة معھ مسرحیة لا تمل منھا. ھو باختصار أردني لم یغادر عقد الثمانینیات، ومفردات مقالاتھ تحمل نكھة ذاكرتنا الجمیلة وأیامنا الماضیة.
طوال أشھر المرض الطویلة ومعاناتھ الشدیدة لم یتوقف صالح عن الكتابة، ولا عن إرسال القصص المضحكة لأصدقائھ عبر ”الواتسب“. حتى قبل یومین وصلتني منھ مقاطع فیدیو تفلق القلب من الضحك. كنت اسأل نفسي كیف لإنسان یكافح مرضا خبیثا أن یملك ھذا القدر من الفرح في الحیاة.
یوم التقیتھ قبل أشھر مع زملاء كتاب في دار الرئاسة، صدمني مظھره. واعتقدت حینھا أن صالح لبى دعوة لقاء رئیس الوزراء عمر الرزاز منعا للعتب والحرج، ولن یشاركنا النقاش الساخن مع الرئیس. لكنھ أخذ دوره في الحدیث وقال كلاما قاسیا في نقد أداء الحكومة ورئیسھا، مع أنني شخصیا كنت من بین المدعوین على عشاء أقامھ في منزلھ للدكتور عمر الرزاز قبل أن یتولى المنصب الوزاري بفترة.
كان صالح یحب الناس من قلبھ صادقا ولھذا كان یقسو على الحكومات ویبالغ أحیانا في نقده. وكل المحاولات لتطویع لغتھ أخفقت، فقد ظل كما ھو على سجیتھ یروي قصة طریفة من التراث ویربطھا بالحاضر لیمسخره، ثم یمطر المسؤولین بأقسى عبارات النقد.
صالح الجمیل والدمث والساخر، رحل عن دنیانا. قاوم المرض قدر المستطاع بالكتابة والسخریة، لكن الحیاة التي أحبھا لم تسعفھ لیكمل المشوار.
الرحمة لروحھ الطاھرة والبقاء لإرثھ الساخر في الصحافة.
الغد