لا توجد دولة في العالم تخشى شیئا أكثر من انتشار البطالة. البطالة تعني الفقر والركود والإحباط والجریمة والتوتر والغضب وخدش الكرامة. الدول تدخل حلقة مفرغة من التبریر والاعتذار لعدم قدرتھا على خلق فرص عمل، ومھما قالت وبررت یبقى حدیثا منعدم الأثر إذا لم یجد الباحثون عن العمل فرصا معیشیة مجزیة. الأحزاب تسقط في الانتخابات، الفوضى والآفات الاجتماعیة تنتشر، ویعم الفساد والشعور بانعدام العدالة كلما انتشرت البطالة وزادت حدتھا.
السیاسیون والتنفیذیون في أي مكان لا یؤرقھم شيء أكثر من البطالة، لیس فقط لخسارتھم الأصوات الانتخابیة جراء ذلك، ولكن أیضا بسبب احتمالات الفوضى الكامنة التي تنتجھا البطالة عندما تنتشر بین صفوف القادرین على العمل من أبناء المجتمع.
الأردن لیس استثناء؛ البطالة تشكل التحدي الكبیر الذي یواجھ المجتمع والدولة، وھو من الخطورة والإلحاح لدرجة عمقت انعدام الثقة مع المؤسسات الرسمیة وجعلت كثیرین لا یرون منجزات دولتھم السیاسیة والأمنیة الأخرى. المتعطلون لا یریدون أن یسمعوا عن خطط واستراتیجیات ولسان حالھم یقول نرید نتیجة ملموسة لا وعودا مكررة.
مشكلة البطالة في الأردن مركبة ومعقدة في تشخیصھا وتبیان أسبابھا وطرق حلھا، لكن جوھر الأمر ولب حلھ یكمن في الإجابة عن التساؤل البدیھي حول وجود مئات الآلاف من العمالة الأجنبیة لدینا في حین أن من بین أبنائنا متعطلین عن العمل؟ لماذا لا یعمل أبناؤنا المتعطلون في القطاعات التي یشغلھا أجانب، ویریدون، بل یصرون، على أنواع محددة من الأعمال والوظائف؟ ھل السبب في التوسع بالتعلیم الجامعي الذي جعل ھؤلاء لا یقبلون أعمالا معینة یقومون بھا، أم ضعف المردود المالي وانعدام الأمن الوظیفي في أعمال القطاعات غیر الحكومیة؟
تبدو الإجابة على ھذه الأسئلة بدیھیة لدى كثیرین، ولكنھا بالتأكید لیست كذلك عند المتعطلین الباحثین عن عمل أو ”وظیفة رسمیة“ حتى نكون دقیقین. قطاع العمالة لدینا ما یزال في كثیر من أجزائھ مسكونا بفكرة الریعیة ولم یغادرھا بعد، فالقصة بالنسبة لھم تتمثل بضرورة توفرٍ ”وظیفة“ كما یحدث مع أبناء دول الخلیج النفطیة، ولیس الأمر إیجاد عمل بأجر مجز ومنظومة تأمین اجتماعي وضمن أسس تنافسیة یخضع لھا اقتصاد السوق. كثیر من شبابنا الباحثین عن عمل یستطیعون إیجاده لو كانت القصة بحثا عن عمل ولیس وظیفة رسمیة. آلاف قصص النجاح لشباب غادروا عقلیة الوظیفة وجدوا واجتھدوا وأبدعوا مالیا، ولم ینتظروا وظیفة قد لا تأتي بالمطلق، سیما أن الطابور الكبیر للباحثین عن وظیفة في قطاع عام یعد من الأضخم على مستوى العالم.
من حق المتعطلین المطالبة بفرص عمل، ولكن علیھم واجب أن یسألوا أنفسھم قبل ذلك، وأن یواجھوا الحقیقة أن مطلبھم وظیفة رسمیة ولیس فرصة عمل، لأن الأعمال موجودة لمن أرادھا وبأجر مجز أفضل من الوظیفة، وھي غالبا ما تكون مشمولة بالتأمین الصحي والضمان الاجتماعي.
الغد