بين ماحص ويرقا .. عندما يكون ثمن أداء الواجب الحياة
د.فايز الربيع
28-02-2019 12:32 AM
قبل أسبوع ودعنا الشهيد احمد الجالودي، ابتسامته لم تفارق خيالنا ووالده الصابر نموذج لبقيةٍ من الذين آمنوا واحتسبوا، الناس تشكر موظفاً أنجز معاملة، أو مسؤولاً ابتسم في وجه مراجع ولكن عندما يكون ثمن أداء الواجب حياة الإنسان يصدق قول الشاعر:
يجود بالنفس إن ضنّ البخيل بها
والجود بالنفس أغلى غاية الجودِ
وفي يوم لاحق بعد الأسبوع ودعنا الشهيد عمر الرحامنة، لم يتسّن لي أن أحضر عرسه قبل أقل من سنة، ولكنني حضرت عرسه الآخر إلى الآخرة تربطني علاقة قديمة بوالده الصابر تعود إلى ستينات القرن الماضي وبيننا زاد وملح، أذكر دائماً ابتسامته التي لا تفارقه، وأعلم حاله التي منعتني من زيارته، ويكبر أخاه «بكر»، وهو يعتبر حالة أخيه حالة أردنية تقدم الواجب ولا تتاجر بقضية، وتغلق كل أبواب الفتنة والمزايدة، كنت أتمنى ان يكون شهداؤنا لتحقيق الهدف الكبير الذي عشنا ونحن نحلم بتحقيقه، تحرير «الأقصى»، أن تكون الرصاصات والألغام من يد اليهود، لنرد عليهم بمثلها، في مواجهة ندية، وليس وضع ألغام لا نعلمها، وأكيد أنها لن تصيب اليهود، وإنما تصيب ابناءنا، إنه التطرف أولاً الذي يخرج عن حد الاعتدال في كافة صور السلوك–من تعصب للرأي، والإيمان بأن صاحبه فقط على حق والاخرون على باطل وضلال هو عنف في التعامل وخشونة وغلظة في الدعوة–وعندما يرتبط التطرف بالفعل يسمى إرهاباً من عنف واعتداء وتهديد للأرواح والممتلكات وتشكيل التنظيمات المسلحة لمواجهة المجتمع والدولة، مواجهة التطرف بالفكر أما إذا تحول إلى إرهاب وتصادم وإلى نطاق من الجريمة فذلك يستلزم تغيير مدخل المعاملة وأسلوبها بما يكافئه من القوة والأمن وكل المستلزمات التي توقف اندفاعه الجرمي المسلح.
إن العمل السياسي ليس فتوى دينية وإنما هو اجتهاد بشري والإسلام أقر بالتعددية وجعلها (جعلاً) إلهياً (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة) وعلم السياسة الشرعية علماً تراثياً لا يؤثر في الواقع ولكنه يؤثر في عقول الدارسين.
والمتطرفون استخرجوا من نصوص الفقه ما جاهروا به دونما اعتبار للبعد الزماني أو المكاني، والخلاف الفقهي كثيراً ما ينشأ عن تأويل الفقه السياسي، ولابد من استحضار البعد التاريخي في تأويل الخطاب الفقهي، والذين لا يقبلون من الآراء الا ما هو مكتوب يحكمون على الأمة البقاء حيث كانت فكرياً وأخطر ما في الفكر السياسي هو استدعاء كلمات الكفر والإيمان، إن النصوص القرآنية والسنة عابرتان للزمان والمكان لكن الفهم البشري عندما ينزل الفهم مرتبة النص مع اختلاف الزمان والمكان هو ظلم للنص نفسه، واذا كانت الخلافة المنصوص عليها فقهاً صعبة التنفيذ، واذا كانت الإمامة المعصومة كما يقول الشيعة محكوم عليها بالغيبة، وولاية الفقيه لا تلقى قبولاً أو إجماعاً فإن نظرية ولاية الأمة هي المخرج السياسي ان الإقرار بالاجتهاد هو إقرار بالتعددية!.
رحم الله شهداء الأردن من شماله إلى وسطه إلى جنوبه، وهم الحاضرون دائماً بأرواحهم، هم ضحوا بحياتهم كي نعيش نحن، وليس أمامنا إلا الدعاء لهم أن يتقبلهم الله وهو الكريم الذي يكرم وفادتهم أنه نعم المولى ونعم النصير.
الرأي