في وسط بلد عاصمتنا الحبیبة عمان حكایا لا تنتھي، ما علیك إلا أن تجول المكان، لتسمع قصصا، وتفتح امامك كتب معاناة وقھر وفقر وبطالة، تطالعك وجوه عرفتھا عبر سنین، في الوجوه حالة بؤس وقلق وترقب، وفي العیون اسئلة لا جواب لھا، وعلى الألسنة جمل لازمة: ”ربنا یعین الناس“، و“الله یستر“، و“الله مسكرة“، و“الناس بطلت تقدر تعیش“ و“بعدین“.
في خلفیة السؤال الكثیر من علامات القلق، وفي أعماقھ تشخیص لحالة ركود اقتصادي تمر بھا البلاد، یقابلھا ارتفاع أسعار، وضعف القوة الشرائیة لأناس باتت رواتبھم لا تكفیھم حتى منتصف الشھر، واحیانا اقل.
في الوجوه التي تمر أمامك تقرأ مكنونات الناس، وتلحظ تقاسیم الشقاء مرسومة على محیا كل فرد منھم، وان رأیت وجھا تعرفھ وھم كثر، فإن الخمس دقائق التي تقضیھا في الحدیث معھم یذھب جلھا للحدیث عن صعوبة العیش وضعف الحال، وفي البال سؤال ”بالك بتفرج“.
في التجوال وسط عمان لا یمكنك الا ان تلحظ محال كثیرة كنت تعرفھا قد اغلقت، آخرھا كان ”محلات دباس“ للكلف والأزرار الذي أغلق بفعل الأزمة الاقتصادیة، وعلى تلك الشاكلة یمكن ان تقیس، فھناك محال عرفناھا في الصغر وریعان الشباب والرجولة لم یعد لھا وجود، حالھا كحال اخرى فعلت بھا تغیرات المكان فعلتھا، كمقھى العاصمة وسط عمان الذي كان، فذھب بفعل عوامل الھدم والانشاء.
وانت تتمشى تجوب شوارع باتت مزدحمة بالسیارات؛ تستذكر ماقالھ عبد الرحمن منیف عندما تحدث عن عمان في الاربعینیات، في كتاب سیرة مدینة، وتستذكر وصف زیاد القاسم لوسط البلد في رائعتھ ابناء القلعة، فتقتلك التغیرات التي جرت وتتمنى ان یبقى الوسط كما كان، لا نوایا للتغییر فیھ او نقلھ لأي مكان آخر ومحوه من الذاكرة، فللمكان ألق وحضور بھي، لا یمكن لأي مكان ان یحل محلھ، وتتمنى ان تمتلك امانة عمان الرؤیة التراثیة التي تقوم على المحافظة على المكان بكل تفاصیلھ؛ بمطاعمھ واسواقھ وادراجھ ومحالھ ودكاكینھ، واسواق الخضار فیھ واسواق ”الوحمة“، وخلافھا من اسواق، والحفاظ على محالھ وعدم ترك اي ازمة اقتصادیة تغیر معالمھ، ومنع معول التغییر یعمل فیھ، ووقفھ عند ھذا الحد، فلو كان الرومان قد غیروا معالم اماكنھم، وتركوا معاول التغییرات تفعل فعلتھا، لما وجدنا المدرج الروماني وسبیل الحوریات وجبل القلعة وجبل الملفوف كشواھد على وجود اقوام سبقونا.
صحیح ان امانة عمان لھا بصمات في المكان، ولكن تلك البصمات یجب تاطیرھا بشكل واضح والتعامل مع وسط البلد كارث حضاري وتاریخي لا یجوز تغییره او ترك عوامل التكنولوجیا تسرقھ منا، فتشوه الزوایا والزواریب والادراج، وعدم الاكتفاء بتغییرات على الارصفة واغلاق الشوارع وتغییر السیر بشكل مزاجي كما حصل في شارع بسمان الذي تغیر السیر فیھ اكثر من مرة دون معرفة الاھداف، وكما یحصل الیوم في شارع سوق الذھب.
حكایات اھل وسط البلد ھي جزء من حكاوینا في المجالس الخاصة والعامة، ومشاكل ابناء المكان ھي ذات المشاكل والھموم الذي یتحدث عنھا اھل اربد والرمثا ومعان والكرك والمفرق والطفیلة والبقعة والزرقاء، معاناتھم واحدة وضیق ذات الید یطال الجمیع بلا استثناء، فأھل وسط البلد ھم العمال الذین تلفح الشمس جباھھم یومیا، وھم الذین یعرقون یومیا لتأمین لقمة خبز قد لا یجدونھا وان وجدوھا لا تكفیھم، اولئك جاؤوا للمكان من الجوفة والتاج وحي الطفایلة، والقصور والقلعة والنظیف ورأس العین والأشرفیة والمنارة والنصر والحدادة ومخیم الحسین وحي المعانیة، وخلافھ من مناطق عمان التي تعاني كما باقي مناطقنا من فقر قاس، وبطالة ضاربة في اعماق الاسر.
یا سادة.. استمعوا لحكایا ابناء وسط البلد، ففي حكایاتھم معاناة بلد باكملھ، وفي جباھھم معاناة صبروا علیھا وما یزالون صابرین، وفي تعابیرھم كلام بعضھ یقال والآخر لا یقال. (الغد)