الرأي الآخر .. أحاديث في السياسة العربية!!
أ.د عمر الحضرمي
27-02-2019 12:16 AM
ربما تثير بَعْضَنا مقولةُ «علم السياسة العربي»، وربما هناك من يقول: وهل للعرب علم سياسة غير علم الآخرين؟ إن حقيقة ذلك لا تقف عند حدود الفكر السياسي العربي، فحتى في فكر الغرب أو في فكر الشرق نرى هناك اختلافات وتخالفات وتفارقات، تصل أحياناً إلى حد الرفض، بين المشتغلين في السياسة، أو بين فقهاء علم الاجتماع السياسي، أو علم النفس السياسي، أو علم الجغرافيا السياسيّة. إلا أن الحقيقة تقول: إن تفسير المصطلحات وتعريفاتها إنما تتأتّى من منبعين؛ الأول، القدرة العقلية والثقافيّة والفكريّة للشعوب. والثاني، التجربة التي تعيشها هذه الشعوب أو تمرّ بها، وبالتالي المُكْنة من إنتاج المعرفة.
هنا لا بد من الولوج إلى أحد مُنْدرجات الفكر السياسي العربي، سواء كان ذاك الذي انطلق من بطون الجزيرة العربية، أم ذلك الذي ولد من رحم التشارك الثقافي والفكري مع عدد الأمم، ونقصد بذاك المندرج مصطلح «الرأي الآخر» وما تقوم حوله من مصطلحات وذهنيات كثيرة.
لقد جاءت مقولة «الرأي والرأي الآخر» على أسس ومنطلقات بعيدة عن الهوى والإعتداد بالنفس، لذا فقد قُيَّم القول (الرأي) على أساس مدى الصحّة والخطأ، وعلى أساس أن القَطْع في الصواب وغير الصواب، إنّما يتأتّى من توالي الثبوت مروراً من زمن إلى آخر، وهذا ما دفع بالأمام الشافعي رحمه الله إلى القول: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وهنا لا بد من الالتفات إلى أن كثيراً من الخلافات والصراعات والصدمات، وحتى الحروب، غالباً ما تقع بسبب التعصب للرأي والعمل على إقصاء الرأي الآخر، وغالباً ما تتفجر بسبب إعجاب كل ذي رأي برأيه. ويُنْقل عن عالم الاجتماع العراقي الراحل الدكتور علي الوردي قوله: «ليس العجيب أنْ يختلف الناس في أذواقهم وميولهم، ولكن العجيب أن يتخاصموا بسبب هذا الاختلاف». ولعل هذا مُنْطِلقٌ من عجزنا عن إدارة توقعاتنا، وعجزنا عن وضعها في مكانها الصحيح، لذا نصاب بالدوار إذا ما تناهى إلى مسامعنا رأي مغاير لرأينا، متناسين، بقصد أم بغير قصد، أن الحقيقة حَمّالةُ أوجه.
إن احتكار الحق والصواب هو آفة مُغْرِقةٌ في الخطورة، يمارسها البعض ضد مخالفيهم في الرأي، الأمر الذي ينتهي إلى تحقق إرهاب فكري يمهد إلى تفجّر التطرف والقمع وإقصاء الآخر، باستخدام كل أنواع الممارسات الشرسة حتى المسلّحة منها.
وحتى ندخل في سياقات «الرأي الآخر» لا بد من أن نعْرِف من هو هذا «الآخر»، وبالتالي علينا أن نقبل كما هو وليس كما نريده نحن، وإلاّ جعلنا من هذا الآخر عدوّاً، لأنه يفكر بصورة مخالفة للصورة التي نفكر بها. لذلك لا بد من ترسيخ مفاهيم كالموضوعيّة وثقافة التنوّع، والاختلاف، والانتقال من ثقافة القهر والإقصاء إلى ثقافة المشاركة، ومن السلبيّة إلى الإيجابيّة، والأهم التحوّل من وهم التطابق إلى واقع الاختلاف ووعيه.
ohhadrami@hotmail.com
الرأي