نحت صهر الرئيس الأميركي وكبير مستشاريه جاريد كوشنر، مصطلحاً «جديداً» في مسار «عملية السلام» العبثية,خلال تَسريباته الهَذيانِية عن صفقة القرن المزعومة، عبر محطة سكاي نيوز عربية، قائلاً في استذكاء واستعلاء واضِحَين لمن رأى وسمع المقابَلة, التي حفلت بكثير من السخافات والإستخفاف بعقول مُشاهِديه «العرَب»: إنّ الجانب السياسي في الخطة مُفصّل جداً, ويُركّز على «ترسيم الحدود» وحلَ قضايا الوضع النِهائي، مضيفاً: إن الفريق حاوَل صياغة حلول واقِعية وعادِلة لهذه القضايا في عام 2019، من شأنها أن تسمَح للناس بِعيْش حياة أفضَل».
..«ترسيم الحدود» هذا هو جديد آل ترمب والفريق اليهودي الصهيوأميركي, المُولَج ايجاد حل» نهائي» للقضية الفلسطينية. وكأن الصراع المتواصِل منذ قرن من الزمان والمفتوح على احتمالات كارِثية, مجرّد نزاع حدودي بين دولتين قائمتين مطلوب ترسيم حدودهما حتى تُطوى صفحة هذا النزاع ويحُل السلام بينهما. فلا ذكر لدى فريق الصهاينة هؤلاء لأراضٍ احتُلَّت بالقوّة ولا قرارات الشرعية الدولية(..) ولا شرعة حقوق الإنسان ولا حق تقرير المصير، بل وَقَعَ هذا «الولد» اكثر من مرّة في تناقض, عندما قال: إن الجانب السياسي في الخطة مُفصلّ جداً, ثم لا يلبث ان يحصُرَه في مسألة ترسيم الحدود، ليُضيف - دون تفصيل - عبارة مُبهَمة ومُلتبِسة عن حل قضايا الوضع النهائي. والتي وكما يعلم الجميع, تم شَطبها وإزالتها عن جدول أعمال أي «مُفاوضات» مُقبِلة, كما نص عليها اتفاق اوسلو البائس, الذي لا يأتي كوشنر ورهط الفريق الصهيوني وهما غرينبلات وفريدمان على ذِكره مطلقاً. فقد أدّى الغرَض منه وانتهى مفعوله صهيونياً وخصوصاً أميركياً, رغم ان واشنطن هي راعِيته «الضامنة» تنفيذه.
القدس.. بما هي إحدى قضايا الحلّ النهائي, تم شطبها وإنزالها عن جدول الأعمال كما قال ترمب نفسه, الذي اعترف بها عاصمة لدولة العدو ونقَل سفارة بلاده اليها, ويواصِل الضغوط على معظم دول العالم لتحذو حذوه.
أمّا مسألة اللاجئين، فقد تم تقزيمها من خلال إعادة تعريف «مَنْ هو اللاجئ الفلسطيني الذي تنطبق عليه هذه الصفة", لينتهي العدد الى رقم هزيل, يَترك باقي الشتات الفلسطيني عِبأ وعامِل تفجير على الدول المُضيفة ويَنزع عنهم هَويَّتهم الوطنية.
ماذا عن حق العودة؟ كَملّف من ملفات الوضع النهائي, ارتباطاً بمسألة اللاجئين؟ ما تزال الحرب على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مُتواصِلة وشرِسة, عبر تجفيف مصادر تمويلها وتعميق العجز المالي لديها, وخصوصاً «تعريب» مَسؤوليتها, عبر الطلب من الدول العربية الثَرِية «التبرّع» لها,فقط في الحدود الدُنيا اللازِمة لاستمرار خدمات الحد الأدنى للاجئين.
هل تسألون عن الحدود والأمن وخصوصاً المستوطنات؟.
ليس ثمّة إضافة لما هو مُعلَن إسرائيلياً وخصوصاً أميركياً، فالمستوطنات «باقِية وتتمدّد»، وهي في كل الاحوال..سواء فازت كتلة اليمين المُتطرِّف,أم وصَلَ تحالف الجنرالات الى السلطة في دولة العدو، غير قابلة للتفكيك, لأن أمرَاً واقِعاً قد نشَأَ, ولا يريد أحد ان تدخل اسرائيل حرباً أهلِية(..) كما يقول المُتصهّيِنون العرب. أما في شأن «الحدود» فهي الآن باتت خاضعة لِـ"الترسيم", وِفق إصرار اسرائيلي بأن جيش الاحتلال سيُبقي على جنوده في الأغوار.
لم يَقُل لنا كوشنر, إن كان سيلي «ترسيم الحدود» قيام دولة فلسطينية مُستقِلة أم لا؟ وهو أعاد أكثر من مرّة القول: ان فريقه قد ركّز على أربعة مبادئ مِحورها «الحرية»..حرية الفُرص والدين والعِبادة, بصرف النظر عن مُعتقداتِهم, بالإضافة الى «الإحترام", وأن تكون «كرامة» الناس مُصانة, وأن يحترموا بعضهم البعض, وأن يستفيدوا مِن «الفُرَص» لتحسين حياتهم, دون السماح لنزاعات «الأَجْداد» باختطاف مُستقبل أطفالهم، وأخيراً «الأمن» كمبدأ رابع.
مَزامير وَعِظات كوشنر وفريقه الصهيوني اليهودي لم تَنْتهِ هنا والمجال لا يتسع لسرد كل هذيانِه ومناقشَتِه, لكنه يقول في «مزمور» آخر: »..لم نتمكّن من إقناع الشعبين(..) بتقديم تنازلات، لذلك لم نُركِّز كثيرا على القضايا رغم «تَعمُّقِنا فيها، بل على ما يَمنَع الشعب الفلسطيني من الإستفادة من «قُدراتِه الكاملة", وما يمنَع الشعب الاسرائيلي من الإندماج بِشكل مُلائم في المنطقة «بِأكّمَلِها».
هذا هو جوهر ومحور صفقة الهذيان والهرطقة الأميركية, ولهذا يستنجد ترمب وفريقه ببعض العرب, كي يُمرِّروا ما لم تستطع آلة القتل الصهيواميركية تمريره طوال قرن من الصراع. وَهُمْ لن يستطيعوا مَهما حاوَلوا.. والأيام ستقول.
kharroub@jpf.com.jo
الرأي