نسمع بشكل يومي او شبه يومي مقترحات تدعو الى احلال العمالة المحلية محل العمالة الوافدة. الرد على هذه المقترحات جاهز دائما وهو ان الاردنيين يحجمون عن الوظائف التي تشغلها العمالة الوافدة.
حتى بافتراض ان ذلك صحيح، فثمة مبررات لالغاء بعض الوظائف التي يمكن الاستغناء عنها حتى لو لم يملأها اردنيون.
مثلا وظيفة حارس العمارة (والحديث هنا عن العمارات السكنية). اذا نظرنا الى مهام الحارس نجدها تنحصر باعمال التنظيف والصيانة البسيطة وبعض الاعمال اللوجستية هنا وهناك والتي يمكن لسكان العمارات القيام بها بالقليل القليل من الجهد.
لكن، اذا كان العامل الوافد لن يستبدل بعامل اردني، فما هي الحاجة الى الغاء الوظيفة؟
الاجابة بسيطة: فلنفترض ان في الاردن 50 الف حارس عمارة، وان معدل الراتب الشهري للحارس هو 250 دينار ينفق منهم 50 دينارا، ويقوم بتحويل ما تبقى، اي 200 دينار الى الخارج. فان الغاء الوظيفة، بمعنى وقف منح تصاريح العمل، يعني تقليل الحوالات الصادرة بحوالي 170 مليون دولار سنويا.
أي ان وظيفة حارس العمارة تكلف الاقتصاد كلفة باهظة يدفعها من احتياطياته الاجنبية بمقابل خدمات بسيطة وغير منتجة يمكن لسكان العمارات القيام باغلبها او ربما كلها، فأي مبرر يبقى بعد ذلك للابقاء عليها ؟!
قد يعترض البعض بالقول انه لو كان بالامكان الاستغناء عن الوظيفة لانتهت لوحدها، فما الذي جعلها تستمر لسنوات؟
المفتاح للاجابة يكمن بالفارق الكبير في سعر الصرف بين الدينار الاردني والجنيه المصري (باعتبار ان غالبية الحراس هم من الاشقاء المصريين)، وهو الفارق الذي اتسع كثيرا في الفترة الماضية بعد تعويم الجنيه. لان الفارق الكبير يجعل الخدمة رخيصة بالنسبة للسكان والراتب مجدي بالنسبة للحراس. اي ان العامل الوافد يتلقى من اقتصادنا دعما مبطنا بمقدار فارق العملة، وهو امر غير مقبول فنحن لسنا بوضع يتيح لنا تقديم الدعم للعمالة الوافدة.
ما سبق ينطبق على وظائف اخرى اثرها على الاقتصاد قد يكون اكبر من الحارس. فالخادمة على سبيل المثال لا تقوم بانفاق قرش واحد داخل الاقتصاد، وتقوم بتحويل كامل راتبها الى الخارج مستفيدة مرة اخرى من فارق العملة. ولست ادعو هنا الى الغاء الوظيفة بالضرورة، بل يمكن رفع الرسوم عليها وجعلها باهظة جدا في حال وجود اكثر من خادمة في البيت الواحد.
واما المبرر الاخر لالغاء هكذا وظائف فهو ضرورة غرس ثقافة العيش ضمن حدود الامكانيات. فلا مبرر لوجود هذه الوظائف وانتشارها بهذا الشكل الواسع في بلد فقير مثل الاردن. وواجب الحكومات ان تبدأ، ولو تدريجيا، بوضع الناس، تحديدا ابناء الطبقة الوسطى، امام واقعهم الحقيقي، وهي ليست بالمهمة السهلة خصوصا بعد سنوات طويلة من الرخاء الزائف الممول بالدين، لكنها افضل بكل تأكيد من الاستمرار ببيع الاوهام للناس