معشر العرب لا تتركوا العراق وحيدا
أ.د.فيصل الرفوع
24-08-2009 04:13 AM
ان اي مراقب لما يجري في العراق الشقيق، خاصة بعد ما يسمى بالإنسحاب الأمريكي من المدن العراقية بعد أن أحرق الأخضر واليابس وأتى على الزرع والضرع، سيجد نفسه وقد دخل في حالة من الضياع وعدم الفهم والغموض، فمنذ التاسع من نيسان 2003 ، والعراق الدولة يفقد كل يوم جزءا من مقوماته، ويخرج من نفق مظلم ليدخل في نفق اخر اشد اظلاما. والا فكيف لنا ان نفسر حالات التفجير والقتل التي بدأت تطال كل مواطن في العراق دون تمييز، مما يذكرنا فيما تعرض له لبنان الشقيق عام 1975 وعلى مدى خمسة عشر عاما كانت عمر الاحتراب الداخلي، حيث تاهت العقول في فهم ابسط معادلات الصراع وهي: الاجابة عن سؤال من مع من، ومن ضد من؟ ان ما يعيشه العراق هذه الايام من سوداوية ومروق على العقل يجعل مسؤولية الامة العربية اكبر، والمطلوب اوسع من كل التوقعات. وهنا لا بد ان نذكر بأن الطروحات الاردنية التي قادها جلالة الملك الحسين رحمه الله وواصلها جلالة الملك عبدالله الثاني قد دلت وبكل امانة وباعتراف الجميع ان الحل العربي كان هو الاسلم والاضمن لعدم وقوع العراق وجواره والامة في مستنقعات القتل والعنف.
الا انه، وبعد فوات الفرصة الان، فلا بد من وقفة عربية حاسمة تضع الامور في نصابها، وتخلق امكانات يمكن ان تخرج الجميع من المنزلق الذي لا يعرف الى اين سيقود. ومن هنا فلا بد وأن يبدأ العرب مرحلة مصارحة ومصالحة مع الذات، وان يدرك ابناء الامة، ان ما يصيب قطرا عربيا معينا سيؤدي الى ضرر كبير يلحق ببقية الاقطار، وان يضعف اي بلد عربي فسيكون بداية ضعف يصيب كل البلدان، وعلى ابناء الامة جميعا مسؤولين ومواطنين انه لم يثبت في التاريخ الانساني ان استورد الولاء من الخارج، او ان تحقق انجاز من وراء الحدود.
وعليه فإن علينا ان نلملم تشتتنا ونبدأ في اعادة قراءة واقعنا بصورة امينة وجدية وان لا نخشى ان نواجه الخطأ وان نصوب الضلالة، فنحن في الوطن العربي نعيش منذ زمن واقعا فريدا من نوعه، ومفارقات لا يمكن ان تتوافق مع اي منطق، حتى ولو بحدوده الدنيا. فكل شعوب الارض التي كانت تمر بأوضاع التفتت والتمزق سرعان ما تتوحد ان تعرضت لخطر خارجي داهم، وسرعان ما تعيد توحيد صفوفها متناسية ما كان بينها من خلافات، الا نحن في الوطن العربي، فلم تستطع حتى الان اية مصيبة او ازمة او خطر آت من الخارج ان توحدنا، بل والعجيب في الامر اننا نزداد تمزقا وتظهر هناك مظاهر من التفرق والتضاد وصلت في احيان كثيرة اليحد الاصطفاف مع الغريب ضد ابناء الجلدة وابناء الوطن. بل اننا اصبحنا نقبل على التصالح مع الاخرين على ان نتجاوز خطايا بعضنا او نتصالح مع انفسنا. واصبحنا نرتضي بأن يكون قرارنا مغموسا بالاحتراب الداخلي، اكثر من ان يكون صادرا عن توافق ووفاق. يجب ان لا نعلي الجدر بين الأقطار العربية، ويجب علينا ان نسمو فوق الخلافات وان نعيد ترتيب بيتنا العربي، والالتزام بوحدة الصف العربي والبناء على الايجابيات واحاطة الوطن بسياج القدرة الذاتية.
ان المدرسة القومية في الحكم تؤمن بأن تدويل الصراعات العربية - العربية سيقود، وهذا ما حدث، الى اقتحام الثغور العربية وفتح الابواب على مصارعها امام الاطماع الاجنبية، التي تبحث عن كل فرصة للقيام بذلك، كما أن الصدق مع الذات والاعتماد على النفس والارتكاز على المبادئ والثوابت هي المداخل الصحيحة والقويمة التي يمكن ان تنجي الوطن وان تحفظ شرف الامة وكرامتها خاصة وانها تتعرض الان الى محاولة الغاء وجودها وممارسة تهديد بقائها.
لقد تبين ان التجربة التي يمر بها العراق الان وفلسطين منذ زمن، ان الحدود العربية اصبحت مستباحة وان اول من استباحها ابناؤها انفسهم. لذا يجب على العرب كل العرب ان يتنبهوا الى خطورة ما يجري، وان يجعلوا المحن التي تعيشها فلسطين والعراق والسودان والصومال واليمن لتكون حافزا وداعيا لهم لادراك الواقع، ومن هنا فلا بد من تغيير الخطاب السياسي القومي العربي وجعله اكثر وعيا والتركيز على بناء الاستراتيجية المستدامة، والقائمة على وحدة الصف ووحدة الهدف ووحدة الاسلوب ووحدة الانتماء.
alrfouh@hotmail.com