ھي حرب بالفعل ساحتھا الجامعات والمدارس والمقاھي والشوارع والحدود. ویلاتھا أسوأ من ویلات الحروب،وخسائرھا أفظع من حربنا على الإرھاب.كلف خوضھا كبیرة،وعلى طریق المواجھة الیومیة یسقط شھداء أبرار.
إنھا الحرب على المخدرات. لم یعد مھما السؤال؛الأردن مقر أم ممر،المھم والخطیر أن المخدرات بأصنافھا المختلفة منتشرة في كل المحافظات،ولا یمر یوم دون أن تحبط دوریات الجیش والأمن عملیات تھریب بكمیات مھولة، أو تقنص مكافحة المخدرات مروجین ومتعاطین من مختلف الأعمار والأجناس.
الحرب على الحدود متواصلة، لكن تجار المخدرات لاتعوزھم الحیل لإدخال كمیات معتبرة للبلاد، جزء منھا یذھب في طریقھ للخارج، وجزء آخر للسوق المحلي المنتعش على نحو مثیر.
أنواع رخیصة وخطیرة تجد طریقھا لشبان وشابات ویافعین في المدارس والجامعات، ناھیك عن تصنیع بعض الأصناف القاتلة في معامل سریة داخل الأردن.
أعداد المتعاطین في ارتفاع مستمر، رغم الجھود المبذولة في المكافحة.لم یعد ھناك بیت محصن من داء المخدرات،وفي أوساط اجتماعیة معینة ثمة تطبیع وقبول بتعاطي بعض الأصناف كالحشیش.
وفي القرى النائیة والمدارس البعیدة تنتشر المخدرات في صفوف الطلاب ونسمع باستمرار قصصا مرعبة عن حجم الظاھرة، وتداعیاتھا الكارثیة على سلوك المراھقین وعلاقاتھم العائلیة.
جانب غیر قلیل من جرائم القتل،خاصة العائلیة یرتبط بالمخدرات، وعدید الوفیات المفاجئة لشبان سببھا جرعات زائدة.
والظاھرة لاتقف عند حدود الطبقات الاجتماعیة، فللأغنیاء وأبناء الطبقة الوسطى أصناف خاصة بھم،مثلما ھم الفقراء سوق خصبة للحبوب المخدرة التي تباع بأثمان رخیصة.
لسنا بالطبع حالة فریدة على المستوى العالمي، فالمخدرات منتشرة على نطاق واسع في معظم الدول، وھي التجارة الأكبر بعد السلاح على نطاق دولي. الفوضى التي ضربت دولا مجاورة كسوریة فاقمت من انتشار المخدرات، والمأمول أن یساعد استقرار الأوضاع في الجارة الشمالیة بتحجیم عملیات التھریب وضبط الحدود.
لكن مجتمعنا تعرض لمتغیرات عنیفة في السنوات الأخیرة، بفعل موجات اللجوء، وما وفرتھ تكنولوجیا الاتصال من سھولة وسرعة في التواصل مع العالم الخارجي، بثقافاتھ المتنوعة والغریبة، إضافة إلى تزاید عملیات التھریب بشكل ملموس.
ربما یكون للأوضاع اللاقتصادیة المتردیة أثر في نمو الظاھرة،لكن دولا لاتعاني أزمات اقتصادیة مثلنا تواجھ نفس الأخطار.
ھناك حاجة لحملات تثقیف أوسع نطاقا وأكثر دیمومة بخطر المخدرات على صحة البشر، ومن الضروري التفكیر جدیا بتضمین المناھج الدراسیة فصولا موسعة من الصفوف الأولى تشرح بطریقة علمیة الآثار المدمرة للمخدرات على صحة الناس،وتعرض نماذج لأشخاص تورطوا وانتھت حیاتھم بالدمار أو الموت.
بمعنى آخر، ینبغي أن نوظف كل مالدینا من أسلحة في مواجھة ھذه الآفة المدمرة، ونخوض المعركة ضدھا على الجبھات كافة،وننشئ فرقا محلیة ومیدانیة من المواطنین لمراقبة المدارس والجامعات لیكونوا عونا لرجال المكافحة.
في الوقت الحالي نمر بمرحلة انتقالیة خطیرة فإما أن تستوطن الآفة في مجتمعنا أو نعیدھا لحجمھا السابق، كظاھرة معزولة ومدانة ومجرمة بأشد العقوبات.
الغد