اللاصهيونية واللاسامية في فرنسا!
د. عزت جرادات
25-02-2019 06:44 PM
*ينوي نواب فرنسيون اقتراح مشروع قانون يهدف إلى (تجريم) معاداة الصهيونية تماماً كما تجرم معاداة اللاسامية متأثرين بالأحداث الأخيرة والمفتعلة صهيونياً متمثلة ببعض الاعتداءات على معالم يهودية والتي أدت إلى مظاهرات مناهضة لـ (اللاسامية). فمعاداة السامية في فرنسا تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون بالطريقة نفسها التي يعاقب بها التميز العنصري وكراهية الأجانب.
*وانتصاراً للحركة الصهيونية في فرنسا، فقد خاطب الرئيس الفرنسي (ماكرون) ممثلين للمؤسسات اليهودية في باريس أن فرنسا ستحمي الصهيونية، وسوف تعتبر أن معاداتها شكل حديث من أشكال معاداة السامية وأن بلاده سوف تتبنى تعريفاً جديداً لمعاداة السامية يشمل معاداة الصهيونية، ويعاقب مؤيدي اللاسامية واللاصهيونية... وبذلك تصبح الحركة الصهيونية العنصرية تحت مظلة السامية وحمايتها، ويصبح كل من ينتقد الصهيونية متهما ومدانا بجرم (اللاسامية)!.
* وإذا ما اتخذت فرنسا هذه التوجهات، فإنها تكون قد تخلّت عن مبادئها الثقافية / الحضارية، ورفضها للعنصرية ومحاربتها للتميز العنصري وهي التي كانت الباعث الفكري للعولمة في الثمانينيات من القرن الماضي؛ وتتجاهل أيضاً الفرق بين (اللاسامية والصهيونية) نشأة وأهدافاً: فاللاسامية مصطلح اختزلت فيه أوروبا عقدتها التاريخية والنفسية للاضطهاد الأوروبي لليهود الأوروبين، الذين لم يندمجوا مع مجتمعاتهم، ثقافيا وسلوكاً اقتصادياً، أما مصطلح (الصهيونية) فيعبر عن فكر أيديولوجي سياسي لإنشاء (وطن قومي) لليهود، ظهر هذا الفكر أواخر القرن التاسع عشر (تيودور هرتسل - كتاب الدولة اليهودية) وسط تزايد العداء للسامية في أوروبا تحديداً.
*ولما كان هدف (اللاسامية) تحرير أوروبا من اليهود، وهدف الصهيونية الدعوة إلى هجرة اليهود إلى فلسطين، فقد وظفت الصهيوينة هاتيْن الحركتيْن لتحقيق أهدافها، والمتمثلة (بالاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين وبأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين- هرتسل)... وهذا يتطلب بالضرورة عملية تطهير عرقي، وتهجير قسري للسكان الأصليين / الفلسطينيين من فلسطين... وهو ما تمارسه إسرائيل الصهيونية في الوقت الحاضر على الساحة الفلسطينية من جهة، واتهامها كل من يتعاطف مع الفلسطينيين ومأساتهم في العالم بأنه شكل من أشكال اللاسامية.... من جهة أخرى.
*وإذا ما أخذ بالاعتبار الموقف الفرنسي الحالي غير المعادي لحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أساس (حل الدولتيْن)، فإن المأمول أن لا تذهب الإجراءات الفرنسية إلى اتخاذ هكذا مواقف تجاه الصهيونية، التي تحمل في جوهرها ومضامينها اتجاهات عنصرية، وخطاب كراهية، وسلوكيات التمييز العنصري، وهو ما عبّرت عنه منظمة الأمم المتحدة في قرارها رقم (3379-بتاريخ 10/11/1975) بأن (الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وتشكل خطراً على الأمن والسلم العالميين)... واضطرت منظمة الأمم المتحدة، واستجابة لشرط إسرائيل لقبولها في المشاركة في مؤتمر (مدريد 1991)، اضطرت إلى اتخاذ القرار رقم (86/46- تاريخ 16/12/1991م) لإلغاء القرار السابق، ولكن الحقيقة الجوهرية للصهيونية ما زالت حيّة في الذاكرة في المجتمعات الإنسانية.
* وأخيراً، فإن المتوقع من المؤسسات الثقافية والفكرية، ومنظمات المجتمع المدني في فرنسا رفض هذه التوجهات المتعاطفة مع الصهيونية والفكر الصهيوني العنصري.
الدستور