العدالة الناجزة
المستشار القانوني جهاد العتيبي
25-02-2019 02:58 PM
العدالة الناجزة تعني إنجاز المحاكم للقضايا بعدالة وسرعة، وهي حق للمواطنين جميعا، لكن هناك أسبابا كثيرة تعوق أعمال القضاة لتحقيق هذا الهدف، بعضها مرتبط بنصوص قانونية، والبعض الآخر كثرة عدد القضايا وطول الإجراءات وقلة عدد القضاة، وطول أمد تنفيذ الأحكام وتعطيله أو الامتناع عنه.
العدالة الناجزة لا تعني السرعة في الإنجاز بدون عدالة، ولكنها تعني أولا عدالة وثانيا في وقت مناسب، ولا تعني سرعة الإنجاز على حساب العدالة بقرار غير محكم ينهي النزاع، وليس قرارا يؤدي إلى تفريخ قضايا وزيادتها ذهابا وإيابا، ولا تعني المساس بحق التقاضي كحق دستوري للناس واجب الالتزام به.
إن التعلل ببطء التقاضي لا يعني تقييد لجوء المواطنين للقضاء من أجل الحصول على حقوقهم أو القصاص من المعتدين على حياتهم في مدد معقولة، وإن أهمية تيسير إجراءات التقاضي وتحقيق العدالة الناجزة، لا يشكل ظاهرة في المحاكم الأردنية، لأنه لا يتواجد فيها قضاة حكم فقط، وإنما في داخل مبانيها دوائر ادعاء عام، دوائر تنفيذ، أقلام تسجيل قضايا، أقلام التبليغ، أقسام محاسبة، دوائر كتاب عدل، وعدم المحكوميه،
لذلك فالاكتظاظ لا يتعلق بالتقاضي فقط، بل هو مجرد عَرض لأمراض أخرى مزمنة تحتاج لعلاج جذري وفعال، فمنذ المؤتمر القضائي الأول في البحر الميت عام 2004 ونحن نبحث عن حلول لهذه الظاهرة، دون جدوى لان الأعراض الأخرى تعطي الانطباع السلبي الذي يتم تلبيسه للقضاة فقط دون هذه الجهات.
والنظر للعدالة الناجزة تقتضي النظر للجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، ولتحقيقها لا بد من دراسة كل الجوانب بشكل معمق، فعلى سبيل المثال لابد من بحث الأسباب الحقيقية التي أدت لازدحام أروقة المحاكم بالمتقاضين الذين يتنازعون فيما بينهم ويكون الخيار الأول هو اللجوء للقضاء ولا يتم النظر للبدائل التي يمكن اللجوء لها وبخاصة بعد غياب ثقافة الصلح بين الأفراد كما كانت فلسفة محاكم الصلح.
ولما كان التقاضي هو حق دستوري مكفول للجميع ولكن محاولة التصالح في الكثير من القضايا قبل اللجوء للمحاكم سوف تغير الكثير من الواقع، وإن هذه القضية الخطيرة تعود إلى نصف قرن من الزمن، وتحدث آثارا متعاقبة تقف في سبيل الإصلاح وتحقيق الديمقراطية وحقوق المواطنة، وإن سرعة تنفيذ الأحكام أحد المحاور المهمة فالجهات التنفيذية مطالبة بتحقيق الحكم على أرض الواقع حتى لا يتجه الناس إلى المحاكم مرة أخرى ليحصلوا على حقوقهم فتتحول القضية الواحدة لعدة قضايا بين استئناف وتمييز وغيرها من أشكال التقاضي، ولكن هذا لا يعني أنه ليس هناك قضايا تستمر لسنوات في المحاكم بدرجاتها المختلفة ولا يحصل المتقاضون على حقوقهم بشكل فوري، ومع هذا فإن بعض القضايا تحتاج إلى مدد أكثر من غيرها لظروف خاصة بهذه القضايا، كقضايا إزالة الشيوع، وتنفيذ سندات الدين وغير ذلك من القضايا الأخرى، فهناك قضايا تبدأ بمتخاصم واحد وتنتهي إلى عدد من الخصوم وورثتهم، ولعل النصوص القانونية نفسها يكمن بها جزء كبير من الأزمة فبعض التشريعات لا يتم تطبيقها والبعض الآخر صدر سريعا كردة فعل، أو أنه قديم وفى حاجة لتعديل.
الحكومة نفسها قد تكون أحد أسباب بطء الإجراءات في بعض الأحيان فمئات القضايا التي يرفعها المواطنون على الحكومة تكون بسبب تأخر الأخيرة في سداد حقوقهم أو أنها تطبق القانون بشكل خاطئ، وقد تكون إحدى القضايا استقرت بمبدأ واحد راسخ في الأحكام ولكن الحكومة تصر على أن يحصل كل مواطن على حكم بذات المبدأ أمام ساحات المحاكم بشكل منفصل وهكذا تظل القضايا متراكمة ومكتظة أمام القضاء وربما تتيح الفرص للفساد الإداري.
ولحل ظاهرة البطء في القضايا المدنية والتجارية التي يستغرق الوصول إلى حكم قطعي فيها في وقت مناسب، وكذلك بالنسبة للأحكام الجنائية التي يتراخى الحكم فيها لسنوات نتيجة ضعف الردع العام لكل المواطنين فضلا عن الزجر الخاص بالمتهم ذاته المحكوم عليه فإننا نحتاج لتحقيق العدالة الناجزة إلى:
1. إيجاد مباني للمحاكم مؤهلة للتقاضي يتوفر في تصميمها المعايير الدولية للمحاكم، قابلة لاستيعاب عدد كاف من القضاة، حتى تستطيع استقبال زيادة العدد الكافي من القضاة فيها، وكذلك إيجاد محاكم متخصصة للمحاكم التجارية ومحاكم الأحداث.
2. زيادة عدد القضاة بما يتناسب مع أعداد القضايا المتراكمة في المحاكم وذلك لن يتأتى إلا بقبول من تتوافر فيهم شروط العمل كقضاة وليس كأعضاء نيابة وتأهيلهم بالمعهد القضائي واختيار الأصلح والأكفأ والأجدر بتبوء هذا المنصب.
3. زيادة عدد الموظفين الإداريين والفنيين في المحاكم بما يتناسب مع عدد القضاة ووفق المعايير الدولية.
4. ضرورة إخضاع كل أعضاء الهيئات القضائية في فترة الصيف لدورات مكثفة لتحديث معلوماتهم وإطلاعهم على الجديد وتنمية المعلومات القانونية والإدارية حتى يتم تلافي الأخطاء التي من شأنها أن تطيل أمد التقاضي، وكذلك إطلاعهم على تعديلات التشريعات المختلفة.
5. ضرورة تعديل القوانين المتعلقة بتبليغ الخصوم بالقضايا المتداولة من خلال استخدام التقنيات الحديثة التي عرفها العالم كله ويتم تطبيقها من حيث تبليغ الخصوم بالدعاوى وتأجيلاتها والأحكام الصادرة فيها بأسلوب علمي وإداري يضعه الخبراء المتخصصون، بما يؤدي إلى إلغاء الأحكام الغيابية، وتكون جميع الأحكام وجاهية طالما تبلغ الخصم موعد الدعوى ولم يحضر أو يبعث بمحام عنه يبدي دفاعه للمحكمة، وأن يتم ذلك من خلال رجال القضاء والمحامين وأساتذة كليات الحقوق وأصحاب الرأي والفكر قبل الموافقة على هذه التعديلات.
6. نشر الثقافة القانونية بين المواطنين والموظفين الذين يتلقون التبليغات وكيفية التصرف فيها بالسرعة الممكنة، وانفتاح المحاكم أمام المجتمع بما يحقق إرساء مبدأ علانية المحاكمات.
7. وضع أماكن واستراحات في المحاكم، تليق بالشهود والخبراء بدلا من تواجدهم في الممرات بما يقلل من الازدحام في هذه الممرات.
8. توفير الحصانة الكافية والرواتب المجزية التي تليق بالقضاة بصفتهم حراس العدالة الناجزة في مكاتبهم وفي بيوتهم التي تنتقل القضايا إليها لدراستها وكتابة قراراتها.
9. توفير تأمين صحي مناسب وكافي يليق بالقضاة وعائلاتهم بصفتهم سلطة قضائية تعادل التامين الصحي الخاص بالسلطتين التشريعية والتنفيذية.
10. إيجاد نادي ثقافي واجتماعي مهني اختياري للقضاة يتمتع بشخصية اعتبارية مستقلة، وبمجلس إدارة منتخب من القضاة العاملين والمتقاعدين.
11. إلغاء المواد القانونية التي تجيز عزل القضاة أو إحالتهم للتقاعد أو الاستيداع قبل بلوغهم السن القانوني، والنص على عدم جواز عزل القاضي إلا لأسباب محددة وبعد محاكمة عادلة.
12. توفير الأجهزة الإلكترونية المناسبة في المحاكم وتجديدها باستمرار لمواكبة التكنولوجيا الحديثة باستمرار، والتوسع في المحاكمات المصورة وسماع الشهود عن بعد.
كل هذه الأمور مجتمعة تحقق العدالة الناجزة، وليست السرعة وحدها، وبعكس ذلك سنبقى نحوم حول العدالة الناجزة كشعار نطلقه عندما يراد تعديل النصوص القانونية لسبب أو لآخر، ودون النظر للعبء الثقيل الذي يضاف على القاضي في المحكمة وفي بيته، وخاصة قضاة الصلح، الذين يتحملون الآن الجزء الأكبر من القضايا النوعية والقيمية، والذي ينعكس بعدها على محاكم البداية والاستئناف والتمييز وهذا ما بينته الإحصاءات للعام 2018، التي أشارت إلى زيادة عدد القضايا بشكل واضح في كافة درجات التقاضي.
المستشار جهاد العتيبي
رئيس المحكمة الإدارية لجامعة الدول العربية