لو أن أردنيا دخل على مركز تدريب جمباز وأطلق النار على النساء المتدربات كيف كنا سنقرأ الخبر في اليوم التالي؟..
ستتنافس وسائل الإعلام العالمية والمحلية لتغطية العمل الإرهابي. وسيخرج محللون يربطون ذلك باغتيال بيت الله محسود. ويظهر شيخ "مودرن" يترحم على الشهداء ويشيد برياضة الجمباز وينصح بتعليمها للفتيات وفق الضوابط الشرعية. وزير الإعلام يؤكد أن الحكومة ماضية في تعديل التشريعات التي تشجع على "جرائم الشرف". الكتل النيابية تتهم الحكومة بالمماطلة في تقديم التشريعات وأن المجلس جاهز لاستنساخ قوانين فنلندا بخصوص المرأة وحقوقها.
"لقد أصبحنا معتادين كثيرا على العيش في مجتمع مشبع بكراهية النساء إلى درجة أصبحت معها إساءة معاملة النساء والفتيات متوقعة دائماً بشكل أو بآخر. ومع أننا نزعم بأننا قد صدمنا لسبب واحد أو آخر متعلق بهذه الجرائم الهمجية، إلا أن حدة الصدمة سرعان ما تتلاشى في بيئة أصبح فيها الاغتصاب والقتل وإذلال الإناث يتجاوز كونه مجرد غذاء رئيسي للأخبار وحسب، ليكون حجر زاوية مهما وواحدة من وسائل ترفيه الأمة".
هذه الفقرة لو لم أنصصها لانطبقت على مجتمعاتنا العربية. لكنها افتتاحية نيويورك تايمز التي تتناول الاعتداء على لاعبات الجمباز في أميركا. ولولا ترجمة الغد (عدد السبت) لافتتاحية النيويورك تايمز "النساء في خطر" لما انتشر الخبر. في الافتتاحية يبدو كم هم البشر متشابهون في أمراضهم بمعزل عن ثقافاتهم.
يخلص الكاتب في تشخيص مجتمعه إلى أن " الثقافة الأميركية السائدة مليئة بأفظع أشكال كراهية النساء، في وقت راجت فيه تجارة الصور الإباحية حتى أصبحت صناعة تقدر استثماراتها بعدة بلايين من الدولارات، والتي تهيمن على العديد منها مؤسسات أميركية تمثل الاتجاه السائد".
كم هذه المجتمعات مهزوزة! وكم هي مقلدة بشكل غبي في تعاملها مع مشاكلها، وكيف تقبل أن ترى نفسها في منظار الآخر السطحي؟ خرجنا بمقولة "جرائم الشرف" تكرارا لتحليل غربي سطحي. وصار جزءا من واجب الصحافة تعبئة خانة "جرائم الشرف". بالأمس نشر خبر عن تسميم امرأة لزوجها فهل هذه جريمة شرف؟ تم ترتيب أولوياتنا وبلورة مفاهيمنا بناء على منهج استرضائي متصاغر أمام الآخر. يريد أن يثبت له كل يوم أننا سيئون ومتخلفون وكم هو أحسن منا.
في المجزرة البشعة في جامعة فيرجينيا التكنولوجية، ينقل الكاتبن الدكتور جيمس غيليغان الذي كان قد أمضى عدة سنوات، وهو يدرس العنف بوصفه عالم نفس في سجن في مساشوستس، وكأستاذ في جامعتي هارفارد ونيويورك. وقال الدكتور غيليغان: "إن ما استنتجته بعد عقود من العمل مع القتلة والمغتصبين وكل أنواع العمل الإجرامي العنيف هو أن هناك عاملا يكون مختفياً دائماً إلى درجة معينة أو أخرى، وهو الشعور بأن على المرء أن يثبت رجولته، وتكون طريقته لإثبات ذلك وكسب احترام كان قد فقده هي ارتكاب عمل عنيف".
علينا أن نوسع نظرة كيف يمكن تربية الأجيال على التعامل مع المرأة. فهي ليست موضوعا يتاجر فيه أو صورا إباحية. يمكننا استخدام مخزوننا الحضاري والثقافي والديني في تربية الأجيال على التعامل مع المرأة بشكل طبيعي.
yaser.hilala@alghad.jo