يهل شهر رمضان الفضيل والدم يشخب انهارا في بلاد المسلمين!! والمفجع أن كثيرا من القتل والتفجير والتدمير يتم باسم الإسلام وبحجة رفع رايته ونصرته وإعلاء شأنه. وان كثيرا من التدمير والتفجير يستهدف أحيانا المصلين في بيوت الله التي يرتفع على مآذنها اسمه الكريم خمس مرات كل يوم دون أي وازع أو رادع. وان كثيرا من الذبح والقتل والتدمير والتفجير يتم أحيانا ( على المذهب ) دون أدنى التفاتة ، من مدعي الإسلام الصحيح ، إلى كتاب الله العزيز، الذي حرم قتل النفس إلا بالحق، حتى أن رب العزة لم يخص نفس المسلمئ بالحرمة وبالحصانة وبالحماية، فأطلق التحريم ليشمل النفس البشرية كافة، مقدسا الحياة البشرية التي وهبنا إياها على اختلاف أدياننا ومذاهبنا قال تعالى : '' ومن قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ''.
وننظر إلى بلاد الإسلام المبتلاة الغارقة في الفقر والبؤس والفاقة والبطالة والأمية والخرافة والجهل والتخلف والفرقة، فتتفطر قلوبنا على حالنا الموسوم بالتمزق والرعب والإرهاب والخبل والجنون وانهار الدم البريء التي تراق وتستباح بيد المسلم ضد أخيه المسلم في أفغانستان والصومال واليمن والعراق وغزة والجزائر والسودان. والغريب انه في الوقت الذي يعز فيه الخبز والأرز والدواء والكساء في بلاد المسلمين تتوفر بكثرة وبلا حدود المتفجرات والصواعق والسيارات المخصصة للتفخيخ والإبادة الجماعية وكذلك يتوفر بلا حصر ولا عد السلاح والذخيرة على مختلف أصنافها المعدة لقتل المسلمين العزل الأبرياء!! في كل يوم تطلع علينا وتنبت بين ظهرانينا فرقة جديدة تدعي الإسلام الصحيح وتصمنا بالغواية والضلالة والمروق والكفر والجهل ،وتعلن أنها تسعى إلى تقويمنا وتأديبنا وهدايتنا وإنقاذنا من حالنا المزري بحد السيف وبالسيارات المفخخة وبالشباب المضلل الملغم تطلقهم لاستئصالنا وتعدهم بالجنة إن هم خلصوا الإسلام من المسلمين!! فتلقي في وجوهنا بتعاليم وطرائق وتشاريع وفرمانات غلو جديدة ومعها وفي يديها العصمة والسيوف التي تقطر دما زكيا بريئا معصوما هو دمنا وكأنهم لم يسمعوا بكتاب الله العزيز و لم يقرأوا فيه قوله عز وجل: ''...أشداء على الكفار رحماء بينهم ...'' فإذا بهم أشداء على المسلمين لا غير!! ويطلع علينا كل يوم مخبول جديد بلبوس جديد وبمنطق جديد وحتى بإسلام جديد يدعي انه الهادي والمقوم الذي معه الوصفة السحرية السرية الكفيلة بالإصلاح والإنقاذ ويعلن انه هو الذي انتدبته السماء لإقامة الحق والعدل والدين القويم على أرضنا الفاسدة الكافرة،ويبشرنا بان نهضة الأمة قد بدأت وانه رب هذه النهضة وقائدها وشيخها الذي ألهمه الله الطريقة دون غيره من المسلمين الضالين للقيام بالمهمة المقدسة.
تمر علينا هذه الأيام أيضا الذكرى الأليمة الأربعون لحرق المسجد الأقصى المبارك وحال الأمة الإسلامية أسوأ مما كان عليه الحال قبل أربعين سنة ودليلنا على ذلك أن عصابات اليمين الإسرائيلي المتطرف قد تمكنت من قضم القدس وتفريغها وتطويقها وتمكنت من أساسات المسجد الأقصى فأنهكتها وصدعتها وأضعفتها فأصبح آيلا للانهيار والسقوط والمسلمون لاهون أو يتفرجون تفرج العاجز الضعيف على الممارسات الإجرامية الإسرائيلية ضد القدس والمقدسات ولا يملكون حتى أن ينصروا إخوانهم الصامدين المرابطين على أسوار القدس ومداخل المسجد الأقصى والصخرة المشرفة .
وفي الوقت الذي تتزايد فيه الممارسات الإسرائيلية عنفا وعدوانا ووضوحا واستهتارا بالأمة واستخفافا بها تتزايد كذلك للأسف الشديد الممارسات والتفجيرات الإجرامية التي ترتكبها زمرة المخبولين المذهونين ضد المسلمين الأبرياء في طول بلاد الإسلام وعرضها. ومما يدعو للأسى والاستغراب أن نلمس كيف انقلبت المعادلات والمناهج والبرامج في يوم وليلة ولم تعد مقاومة الاحتلال الإسرائيلي هي الهدف الذي ينبغي أن تكرس لمقاومته كل الجهود بل أصبح الصراع على السلطة والقيادة هو الأساس وأصبح استئصال فريق أو الحلول مكان فريق هو الهدف الذي تسخر له كل البنادق والطاقات والإمكانيات.
إن هذا الواقع المرير المظلم الأسود لا ينبغي أن يكون سببا يمنعنا من أداء واجباتنا الوطنية والدينية والإنسانية تجاه بلدنا فعلينا أن نغتنم شهر رمضان الفضيل شهر الرحمة وصلة الرحم والتوبة والمغفرة والخير والصدقة والبركة والتضامن ومقارعة الشهوات ومغالبتها لنكفكف دموع الأيتام ونضمد جراح المعوزين ونسد حاجة الأسر المتعففة ونمد يد المساعدة والبر إلى الذين يحتاجونها من أهلنا نبحث عنهم ولا يبحثون عنا ونصل إليهم في القرى والمخيمات والبوادي في حالة تكافل وتراحم ومودة هي جوهر هذا الشهر العظيم.
الراي.