الوطن الغالب والوطن المغلوب
د. نضال القطامين
24-02-2019 11:30 AM
كل يوم، يتقهقر الأداء الحكومي. لقد تلقى صفعات مؤلمة خلال الأسابيع القليلة الماضية، في ظل توقعات بمزيد من صفعات مؤلمة أخرى.
بينما يجاهد رئيس الوزراء بالتغريدات وبالمفاهيم الطارئة حيال هياكل متهالكة لدولة الريع والإنتاج والقانون، ينسف المشاة عبر الصحراء أساسها الورقي والإلكتروني، ولكأنهم يرسلون له إشعارات بأن الفرق كبير جدا بين الواقع والتمنيات.
هل كان عليه التريّث في تبني مفاهيم لا تفضي إلى حلول على الأرض، هل أصغى إلى تنظير لا يقترب من الواقع بأي مسافة؟ يبدو أنه كذلك.
وهو على الصعيد الشخصي، هو من أفاضل الناس، تاريخ أبيه كبير وعروبي لافت، لكنه أبطأ في استيعاب الأمر الأردني الواقع، ولوهلة، ظن نفسه في مدينة مثلى، فحلم بحصد النهايات ذات البنيان المضطرب، ولعمري أنَّ ذاك مثلبة لا تليق به.
ما أحوجه الآن لوقفة مراجعة شاملة. إعادة تقييم، عودة للأساسيات، التفكير جيّدا بأسباب المآزق ومآلاتها، الاستفراد بمن خبروا هذه العوائق من ذوي الرأي والمشورة، غير أولئك الذين يرون الدنيا من زوايا بعيدة لا تتسق وآمال الناس في الغويبة والمكيفتة والأغوار وغيرها.
ما أحوجه الآن، لساعات دَعَة، يقرأ فيها أوراق منيف التي كتبها من وحي الصبر في غرف المعتقلات في الجفر وفي المحطة، مع الرفاق الكبار، ما أحوجه للاسترخاء طويلا لقراءة "تجربة أبيه المرّة"، واستخلاص مسوّغات الخروج من الأزمات، ولعل هذا الكلام يأتي في سياق نصيحة حمّلها مرضي القطامين من سجنه لمحمود المعايطة ليوصلها لمنيف الرزاز ذات يوم من ستينات القرن الماضي، وأحمّلها اليوم لعمّون العزيزة، ليقرأها عمر بن منيف.
لست راغباً في تصيّد العثرات، لكنني ابن هذا الوطن، أقرأ المشهد من زوايا مُتَبَايِنة، وأقرأ تداعيات اللحظة الراهنة، فأنفِذُ أمرَ الضمير في إسداء النصح، وتنكّب الرشد.
ليس على دولة الرئيس، ابتداع مفردات لا تغني من الأمر الواقع شيئا، أذكّره أننا نملك دولة ومؤسسات وقيادة ذات حضور عالمي طاغي، وأهمس في أذنه أن الأمر ليس بصعب ولا مستحيل، وأننا إذا ما وضعنا نُصب أعيننا، أن نبتدر حلولاً فإن الأمر يتعلّق أولا بإعادة التنظيم، وقراءة المشهد قراءة محيطة، وتقديم عرض كاف للواقع والتحديات، ثم الانطلاقة الجمعية لا الفردية، نحو وضع حلول شاملة، تأخذ في أسباب إنفاذها، الحالة الوطنية، وثقافة الشباب نحو العمل، وأوراق الملك النقاشيه، والتشريعات والمواءمة والمخرجات والمدخلات، في الجامعات وفي سوق العمل، وقبل ذلك وبعده، الاستثمار في تميّز الحالة الوطنية في كل جوانب الاقتصاد ومنها السياحة وفي العلاج والثروات الطبيعية.
حينذاك، يكون دولته قد استبرأ للقيادة وللوطن وللتاريخ، دون الركون لآراء أولئك الذين ما خبروا يوم حصاد في أعالي التلال وفي السهول، ولا الذين لم يردوا عيون الماء والمشي حفاة في الشتاء والصيف، نحو درسهم الأول، وقد قرأ المعلّم عليهم من روائع الشاعر العراقي:
أنا لا أنظر من ثقب الباب الى وطني . .
لكني أنظر ، من قلب مثقوب . .
وأميز بين الوطن الغالب . . والوطن المغلوب. .
الله لمن يتنصتُ في الليل على قلب..
أو يسترق السمع الى رئتيه..
وطني لم يشهد زورا ، يوما..
لكن شهدوا بالزور عليه..