البطالة .. الواقع والتحديات وبعض الحلول المقترحة
د. سامر إبراهيم المفلح
23-02-2019 07:30 PM
تابع الأردنيون الأخبار المتتالية بخصوص المسيرات العفوية التي قامت بها مجموعات من المتعطلين الشباب في عدد من محافظات المملكة مطالبين الحكومة بإيجاد وظائف لهم، وبالنظر إلى معدلات البطالة في المملكة التي وصلت إلى ما نسبته 18.6% في الربع الثالث من العام 2018 فإنها تجاوزت الحدود الطبيعية والآمنة التي تستهدفها الكثير من الدول المتقدمة، وتعتبر هذه النسب الأعلى منذ العام 1997 بحسب الأرقام المتوفرة في الكتاب الإحصائي السنوي للعام 2017 إذ كانت معدلات البطالة 14.4% في العام 1997 و13.1% في العام 2007.
وبالنظر إلى خصائص المتعطلين عن العمل بحسب آخر البيانات المُعلنة على موقع دائرة الإحصاءات العامة، فإن نسبة كبيرة منهم هم ممن يحملون درجة البكالوريوس فأعلى، وأيضًا الكثير منهم متعطلون منذ فترة تزيد عن عام، ويوجد تركّز ملحوظ في الفئات العمرية الصغيرة 15-24، ومما لا شك فيه أن نسب البطالة المرتفعة تعود لأسباب هيكلية، وعوامل أخرى مرتبطة بالزيادة المفاجئة في عدد السكان، والهجرة المستمرة من الريف إلى المناطق الحضارية، وغيرها من الأسباب.
وقد يتساءل البعض هل المشكلة ستتفاقم مستقبلًا أم سيتم معالجتها، وبحسب البيانات المتوفرة فإن الاقتصاد الوطني استطاع توفير صافي فرص عمل مستحدثة مقدارها يقترب من 54 ألفًا في العام 2017 حوالي 23 ألفًا (42.2%) منها لحملة الشهادات الجامعية، بينما بلغ عدد خريجي الجامعات الأردنية لمستوى البكالوريوس للعام الدراسي 2016/2017 بحسب الكتاب الإحصائي السنوي ما مجموعه 61 ألف خريج، أي أن الاقتصاد الوطني قادر نظريًا على استيعاب 37% من أعداد الخريجين سنويًا فقط، عدا عن العجز التراكمي الحاصل في استيعاب الخريجين، حيث كانت عدد الطلبات الموجودة لدى ديوان الخدمة المدنية 334 ألف طلب عام 2017، 79% منهم من حملة درجة البكالوريوس.
ولا يزال القطاع العام اليوم موظفًا رئيسًا للأردنيين، فبحسب بيانات المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في تقريرها السنوي للعام 2017 فقد بلغ عدد المؤمن عليهم الفعالين العاملين في القطاع العام بجميع أشكاله 539 ألف عامل من أصل 1.285 مليون مؤمن عليهم عاملين في المملكة، حيث يشكّل العاملون في القطاع العام 41.9% من العاملين في القطاع المُنظّم، وهي نسبه مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول المتقدمة التي تبلغ نسبة التوظيف في القطاع العام فيها ما يقترب من 20%.
اليوم ومع تبنّي الحكومات المتعاقبة خلال الأعوام القليلة الماضية سياسات مالية تزيد من اقتطاعات الضرائب، وتحد من التوسع في الإنفاق الرأسمالي بسبب العجز الحاصل في المالية العامة بسبب ارتفاع فاتورة المصاريف التشغيلية، والتي تشكّل فاتورة أجور الموظفين والمتقاعدين جزءًا كبيرًا منها، بالإضافة إلى تنفيذ سياسات نقدية متمثلة في زيادة معدلات الفائدة، فإن هذه السياسة الاقتصادية لا تحفّز على النمو الاقتصادي، بل هي وبحسب النظرية الاقتصادية ستسهم في زيادة معدلات البطالة وتقلّل من أنشطة التشغيل.
والسؤال المهم كيف للحكومة أن تعالج مشكلة البطالة في ظل الوضع المالي القائم، والسياسات الاقتصادية المتبعة ومؤشرات سوق العمل الحالية، فبعيدًا عن الإصلاحات في السياسة الاقتصادية هناك مجموعة من الأفكار غير التقليدية يمكن تبنّيها والإسراع في تنفيذها، ولعل من أهمها التوسع في الترويج للتطبيقات الذكية التي تساهم بشكل كبير في إيجاد مصدر دخل للشباب وترخيصها مثل تطبيقات النقل الذكية التي رخّصتها الحكومة كأوبر وكريم، إذ أعلنت شركة أوبر وحدها أنها ستعمل على المساهمة في توفير 100 ألف فرصة اقتصادية مرنة للأردنیین بحلول نهایة عام 2025. التطبيقات الذكية اليوم تشمل أشكالًا مختلفة من الأنشطة النوعية لإيجاد مصادر الدخل للمتعطلين، فمثلا هذه التطبيقات يمكن استخدامها لأنشطة تجارية مرتبطة بتجهيز الوجبات الغذائية، السياحة المحلية، الإقامة والمبيت المؤقت، الخدمات التعليمية، الحرف المهنية، الخدمات المتخصصة وغيرها من الأنشطة والخدمات الاقتصادية.
وفي هذا السياق يمكن التعويل على التطور التكنولوجي الكبير في العالم والمملكة، والبناء على موقع الأردن الجغرافي المتميز لجعل الأردن مركزًا دوليًا للإسناد والتعهيد (Outsourcing)، خصوصًا في مجالات مراكز الاتصالات لمختلف الشركات الإقليمية والعالمية التي لها نشاط تجاري في الدول المجاورة، وتقديم الخدمات المتخصصة للأسواق القريبة وبأسعار منافسة من داخل المملكة في مجالات الاستشارات مثل الترجمة، الأعمال المحاسبية، الاستشارات القانونية والإدارية ...إلخ ، وأيضا يمكن العمل على أن تصبح المملكة مركزًا للإسناد والتعهيد لبعض القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل النجاح الذي تحقّق في مجال خدمات صيانة الطائرات.
ومن الأدوات الأخرى التي يمكن استخدامها هي مشاريع الأشغال العامة للحد من الفقر والبطالة، وهي من أهم الأدوات الفعالة التي تستخدم في الكثير من دول العالم، حيث يتم من خلالها توظيف أعداد كبيرة من المواطنين بأجور تقترب من الحد الأدنى للأجور لفترات مؤقتة من أجل تنفيذ مشاريع تنموية تتطلّب أعدادًا كبيرة من العمالة، والكثير من دول العالم أيضًا تقدّم حزمة من الخدمات الإضافية مع هذه المشاريع مجانًا، كخدمات النقل أو بعض الخدمات الاجتماعية والتعليمية، كما أن بعض الدول لجأت إلى إنشاء شركات وطنية متخصصة في تنفيذ مشاريع الأشغال العامة خارج الدولة، وليس فقط في داخلها، من أجل تشغيل أكبر عدد من المتعطلين في مشاريع دولية لا تتطلّب إنفاقًا رأسماليًا من الحكومة، وتسهم في تأمين دخل من العملات الأجنبية.
وأيضًا يمكن العمل باتجاه التوسع في إبرام اتفاقيات توفير العمالة بجميع أشكالها، خصوصًا العمالة الماهرة والمتخصصة لأسواق المنطقة، بعد دراسة احتياجات الطلب في أسواق العمل القريبة، والبناء على العلاقات الديبلوماسية المتميزة التي تتمتّع بها المملكة مع الكثير من الدول المحيطة والشقيقة، والعمل على فتح أسواق عمل غير تقليدية للعمالة الأردنية خصوصًا فيما يتعلّق بالمهن الهندسية والطبية.
إن الواقع الحالي للمالية العامة للحكومة والعجز المستمر في الموازنة مصحوبًا بارتفاع المديونية، لا يوفر المساحة الممكنة لاتباع السياسات الاقتصادية الأنسب لمواجهة البطالة، وتحفيز النمو الاقتصادي بالشكل المنشود، مما ينذر بإمكانية استمرار مؤشرات البطالة ضمن المعدلات المرتفعة، ولهذا يجب اتّباع أساليب غير تقليدية ونوعية لمواجهة هذه التحديات.