الدستور السوري بين الداخل والخارج
د.حسام العتوم
23-02-2019 11:20 AM
السوريون اهلنا وجيراننا وعمقنا الشامي، والعربي، يعيشون الحاضر ويتطلعون الى المستقبل، وكلهم حزن على وطنهم سوريا الذي دمر اركانه الارهاب، والاستعمار، والإستخبار، والإعلام المبرمج، ومنصات التواصل الاجتماعي. ونظامهم السياسي في عمق التاريخ المعاصر بني على الإنقلاب، وعلى بيروقراطية الحزب الحاكم، وحكم العائلة، والتحول من الجمهورية الى الملكوية من الأب الرئيس الراحل، الى الإبن الرئيس، الى الحفيد .
يكتب رايموند هينبوش في مؤلفه " سورية( ثروة من فوق ثورة ص .31 /32 ( .. هناك المحافظون الذين يريدون ابقاء دور حزب البعث وامتيازاته، الذي يمثل الخط القومي، وربما العقد الشعبي مع الناس، هناك ايضاً المعارضة التي تريد في النهاية الديموقراطي للنظام)، وهكذا نجد كيف ان حراك الشارع السوري، ومعارضته، وسلاحه، ورغم التفرق تاره، والإلتحام تارة أخرى، اصطدم عبر سنديانته بمطرقة النظام بسبب تقديمه للأمن على السياسة فتدفق الإرهاب بعد ذلك على وسط بلادهم سوريا دون رحمه.
من 80 دولة مسنوداً بالتمويل، واللوجيستيا، والإدارة. والملاحظ هنا هو بأن ازمة سوريا الدموية لم ترا فق عهد الرئيس بشار الاسد عند
توليه سلطاته الدستورية في دمشق عام 2000، وانما بعد مرور عشر سنوات الى الأمام من الحكم الذي ورثه عن والده عبر الحزب وليس من الحزب الحاكم فقط، ورغم الوعود بالإصلاحات عبر الدستور، والذي ارتكز على دساتير سابقة في الأعوام 1920/1930/1950/1973/2012 الا ان حاجة سوريا التي خرجت للتو من اتون الارهاب، والمؤامرات، ولم تتعافى بعد، تدفع باتجاه البحث عن دستور عصري جديد يعبر عن النسيج المتكامل للشعب السوري بكامل اطيافه السياسية والديموغرافية، وقاعدة عريضة للاشتباك السياسي حول الدولة السورية وشعبها العربي المليوني ( حوالي 18 مليون نسمه) ممثلاً بـ روسيا، وايران، وتركيا، وعيون امريكية لا تنام تعلن الانسحاب العسكري، وتبقى على قاعدة ( التنن) ذات الوقت، ولأمريكا رأي في الدستور السوري ايضاً . عندما صدر الدستور السوري الحالي بتاريخ 27/02/2012 كانت الأزمة السورية الدموية في بداياتها تندلع شرارتها من مدينة الى اخرى، وسجل عام 2011 الرصاصة الأولى في درعا من قبل النظام السوري إبان مواجهة الاعتصام البشري الأول، وشهد عام 2012 حراك عنيف للجيش الحر في الزبداني، و ودوما، وغوطة دمشق، ونجاحات حققها الجيش العربي السوري في وجه طلائع الإرهاب وجاء الدستور السوري لعام 2012 وقتها تتويجاً لنضال الشعب السوري على طريق الحرية والديموقراطية، وتجسيداً للمكتسبات الوطنية، والأهم هنا هو ان الدستور ولد سوريا ولم تتدخل اية جهة خارجية بصياغته رغم العلاقات السورية الجيوبولوتيكية مع دول الإقليم ( مثل إيران، روسيا). وأصبح الدستور ساري المفعول ويتكون من سبعة وخمسون مادة بعد المئة، وتمكن من صون السيادة السورية رغم نشوب الحرب الأهلية المدمرة وعلى مدار سنوات طويلة وحتى الساعة من هذا العام 2019.
وتمكن دستور عام 2012 من تثبيت مدة الرئاسة السورية لسبع سنوات بعدما تم اعتماد هذا الرقم عام 2007، وكان اربع سنوات في عهد حافظ الأسد، والهدف هنا هو المحافظة على استقرار الدولة، لكنه حصّن الاوتوقراطية في شخص الرئيس المنتخب، ويستطيع الرئيس منذ ذلك الوقت حل مجلس الشعب، واعلان الحرب، وتحقيق السلام، وهو غير مسؤول عن المهام التي يقوم بها الا في حالة الخيانة العظمى، وله ان يقترح تعديل الدستور. ومنذ عام 2018 اي بعد وصول الأزمة السورية الى نهاياتها، وحتى قبل اعلان امريكا الانسحاب التدريجي العسكري من سوريا، تحرك الشارع السوري السياسي، وتحركت دول مثل فرنسا، وبريطانيا، وأمريكا وعبر مجلس الأمن ومن خلال مبعوثه دي ميستورا لمتابعة تشكيل دستور سوري جديد، وارتطمت تلك المحاولات برفض من دمشق ولم يتم تشكيل لجنة لهذه الغاية رغم انعقاد المؤتمر الحواري سابقاً في مدينة( سوتشي) وتحت رعاية روسية، وفي العمق قرار لمجلس الأمن ايضاً عام 2015 رقم (2245)ركز على اهمية الانتقال السياسي واجراء انتخابات حرة نزيهة، والذهاب لصياغة دستور سوري جديد.
اكثر دولتين لهما اليد الطولى في سورية هما روسيا، وايران، وربما تكون ايران اكثر قرباً لسوريا من روسيا لسبب ايديولوجي، ومع هذا وذاك لا تقبل سوريا بتمرير دستورها الجديد القادم من خلال فلترهما، وهكذا يجب ان يكون للدستور هوية وطنية وقومية استراتيجية عميقة وما رشح حتى الآن فإن المدة الرئاسية القادمة في الدستور تبقى سبع سنوات لمواصلة الاستقرار، ولن يكون هناك اي ذكر لدور حزب البعث، وهو الأمر الذي سيؤثر على ترسيخ حكم العائلة العلوية، وسوف يسمح للرئيس بخوض ولاية رئاسية جديدة واحدة الى الامام فقط، ويحق له ان يبقى جالساً على كرسيه ما لم ينتخب غيره، وترفض دمشق تقليص صلاحيات الرئيس الدستورية، وفي نهاية المطاف لا مخرج لسوريا يوازن بين السلطة والمعارضة من غير الذهاب لانتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة يقول فيها الشعب السوري كلمته بنزاهة وصدق .
ومن المتوقع ان يعرض مشروع الدستور السوري الجديد هذا العام 2019 على الاستفتاء 26/2 فبراير الجاري، وسوف يحمل 35 توقيعاً لأعضاء من مجلس الشعب، ومن المتوقع توسيع صلاحيات البرلمان السوري حسب المادة 44 منه عبر اقرار الحرب والسلام، وتنحية الرئيس، وتعيين اعضاء المحكمة الدستورية العليا، وتعيين رئيس البنك الوطني واقالته، وتقترح روسيا منح الرئيس صلاحية اعلان الاستفتاء حول المصالح العليا للبلاد ومنها مسألة الحدود واللغتين العربية والكردية، وتأكيد على الوحدة الوطنية، وعدم جواز استخدام الجيش في المجال السياسي واضطهاد السكان، وتأكيد على سمو القانون الدولي والمعاهدات من دون فرض رأي من اية جهة اجنبية وكلنا امل هنا بأن تعود سوريا الى عرينها العربي ، وبأن توازن علاقاتها الدولية، وتتمسك بوحدة ترابها تحت اي ظرف.