وزراء اصلاء .. ووزراء بدلاء
ماهر ابو طير
22-08-2009 06:23 AM
يغيب الوزراء في اجازات صيفية ، وتسمع عن نصف الحكومة ، وهي خارج البلد ، ولا تعرف هل يجوز ان يأخذ ولي الامر اجازة من اولاده ، وهل يأخذ الاب فينا اجازة من عائلته ، ويذهب وحيدا للراحة من عائلته ومسؤوليات عائلته.
الاجازة من حق المسؤول والانسان ، بلا شك ، لكنها في مثل اوضاع البلد ، مثيرة للغرابة ، فأوضاع البلد الاقتصادية صعبة جدا ، والمديونية الداخلية والخارجية وصلت حدود العشرة مليارات دينار ، والشعب يتوجع جراء شهر رمضان والمدارس والغلاء القاتل الذي يسرق اموال الناس من جيوبهم ، لكنك ترى في المقابل ان الوزراء ، يذهبون في اجازات صيفية في تواقيت متقاربة ، تذكرنا بعطلة المدارس ، ويتركون مهامهم وواجباتهم ، وكأن الدنيا "قمرة وربيع" ، برغم ان بامكانهم ان يصبروا مثل خلق الله ، وينتظروا اجازة العيد ليسافروا الى حيث يريدون ، اذا كان الاردن لا يكفيهم.
عمر بن الخطاب كان يحدثنا عن بغلة لو عثرت في العراق ، فسوف يتحمل مسؤوليتها عند الله ، ولم نسمع في تاريخ العرب والمسلمين ، عن ولاة الامر في الولايات المختلفة ، من يترك مهماته ويذهب في اجازة ، لانه مسؤول امام الناس ، في المهام الموكلة اليه ، امام الله ، ثم امام شعبه ، وحين يرد عليك هذا الوزير او ذاك ، بأن هناك وزيرا بديلا يتولى مهام الوزارة ، خلال غيابه ، ترد على الوزير بقولك ان الوزير البديل لا يفقه في خصوصيات الوزارة المنوطة اليه مؤقتا ، وان الوزير البديل يوقع معاملات عادية ، ولا يفتي في القضايا الهامة ، وانه ايضا ، غير مستعد لتوجيع رأسه في استقبال الناس ، وحل قضاياهم ومشاكلهم ، لانه يعمل مثل السيارات القديمة "التي تخلط الغاز بالبنزين" فلا هو وزير اصيل ، ولا هو بديل كامل.
ليست ثقافة حسد او تحاسد ، هي التي تصوغ الموقف ، في هكذا ظرف ، فحين يسمع الناس عن اجازات الوزراء ، في ارجاء الارض يتألمون ليس حسدا ، فيما آتاهم الله من نعم ، غير انها قصة تتعلق بشعور الناس ، ان المسؤول في واد وهم في واد اخر ، ولعل كثرة الوزراء الذين ذهبوا في اجازات مؤخرا ، تعطيك احساسا زائفا ، اننا في احسن حال ، وان جميع المشاكل تم حلها ، وان المسؤولين ابدعوا خلال الفترة الماضية في اجتراح الحلول لشعبنا ، ولا ينقصهم سوى استراحة المحارب ، لالتقاط الانفاس ، والعودة بهمة جديدة ، من اجل خدمة الشعب.
في الغرب الذي نشتمه ليل نهار ، وندعو عليه لانه "كافر" لا يستطيع الوزير او المسؤول ان يترك مهماته ويذهب في اجازة ، واجازته حتى تخضع لمعايير صارمة في الرقابة من حيث النفقات ، ومن حيث كونها طبيعية في سياق الوضع العام للناس ، ونعرف حالات اطيح فيها بوزراء ونواب ومسؤولين لانهم انفقوا عشرين دينارا على رؤية فيلم في الفندق ، او دخنوا السيجار على حساب اخرين ، بل ان رئيسا فرنسيا طبلت له صحافته المحلية لانه قضى اجازة بعد فوزه في قارب لصديق له ، دعاه للاستمتاع واعتبره الرأي العام الفرنسي ، مهملا في واجباته ، وانه يتنزه فيما قضايا الناس بحاجة الى حل.
الوزراء لدينا ، نوعان اصلاء وبدلاء ، والمشترك بينهما انهما يعتبران الشعب ، عبئا ثقيلا ، يتوجب الراحة منه لعدة ايام،، ولعل لسان حال الشعب انه بحاجة في مجموعه الى "اجازة جماعية" ليرتاح ايضا من هكذا وزراء.
mtair@addustour.com.jo