تحط طائرة الملك اليوم في رام الله ، واذا كان كثيرون في الضفة الغربية والقدس اليوم يرحبون بالملك الهاشمي ، فهم ايضا يتمنون لو ان تلك الايام الجميلة قبل احتلال 67 ، تعود ، حين كان الامن والاستقرار والدولة مظاهر ذات مضمون عاشها الناس ويترحمون عليها. لا يلام اهل الضفة الغربية والقدس اذا كان حنينهم الى الزمن الاردني ، حنينا عارما ، فقد تعايش هؤلاء مع الاحتلال الاسرائيلي وشاهدوا ويلاته ، ثم تعايشوا ايضا مع تجربة تنظيمات الثورة ، وخرجوا من قبضة الاحتلال الى قبضة الانفلات الامني والصراع الفصائلي ، وتردي الاحوال المعيشية والاقتصادية ، واذا كان البعض يعتقد ان كبار السن فقط يحنون الى حكم الدولة الاردنية ، فان هذا غير صحيح اطلاقا ، فلربما جاءت اجيال الانتفاضة بخطاب انفرادي يتحسس من الاردن ، في حقبة ما ، غير ان السنوات الاخيرة ، اعادت انتاج اجيال الشباب في الضفة والقدس ، نحو مراجعة التجارب الثلاث التي عاشها الفلسطينيون منذ عام 1950 دون مساواة بين الاطراف بطبيعة الحال ، ليتبين لكثيرين ان التيار الانعزالي في الضفة والقدس الموجه ضد الاردن وسمعة الاردن ، لم يكن عادلا ولا امينا ولا منصفا تجاه الاردن ، حين التبست الوطنية الفلسطينية بالانعزالية ، وبتنفيذ شخصيات فلسطينية لاجندات ضد الاردن ارضاء لعواصم عربية ارادت طرد الاردن من كل مربعاته المعنوية وقلبه النابض في القدس.
قصة فلسطينيي القدس والضفة مع الاردن تتجاوز قصة جواز السفر والعبور نحو الاردن وتتجاوز قصة المصالح الاقتصادية والمنافسة على وظيفة ميري ، وغير ذلك او الرغبة بالاستحواذ على كل شيء شرقا وغربا ، وبالنسبة لكثيرين فان فصل الضفتين تحت اي عنوان هو كمن يفصل رئتين عن بعضهما ويقول لكل رئة اذهبي وتنفسي وحيدة ، فيما القلب في القدس يضطرب ويعيش تحت خطر النوبات القلبية التي تجتاح المدينة بين اسبوع واخر.
واذا كانت الانعزالية غربا تقابلها انعزالية لدى البعض شرقا ، فهما كمن يصلي وهو يعطي ظهره للكعبة ، وكمن يريد ان يقنع كل الناس شرقا وغربا ان المشي على البحر ممكن دون غرق او بلل ، وهي حركة تخالف حركة التاريخ عبر مئات السنين وتخالف ايضا نبوءات المستقبل ، واذا كان كثيرون اليوم في الضفة والقدس تنشد عيونهم وقلوبهم نحو الاردن لاعتبارات لا تعد ولا تحصى ، فان كثيرين ايضا في الاردن يعتبرون ان العلاقة بين الضفتين امر طبيعي ، ايا كان المسمى ، وحدة اندماجية ، كونفدرالية ، فيدرالية ، وغير ذلك من مشاريع يتم طرحها ويتم الاختلاف على شكلها او توقيتها او نتائجها.
الملك في رام الله اليوم ، وقد كان الحسين بن طلال رحمه الله كثير الزيارة الى رام الله ، تلك المدينة التي عرفها قدامى المحاربين من الجيش الاردني الذين عرفوا مدن الضفة وقراها ولهم فيها من الذكريات ما لا ينسى ، حتى جفونهم تلك تغمض على رسم المسجد الاقصى الذي زاروه خلال خدمتهم العسكرية ، ولا يمكن ان نحرمهم من نقاء وطنيتهم او ان ندعي ان الوطنية الفلسطينية تأسست.
وحدها فقط كانت ارواح الاردنيين من الشهداء لبنة في المشروع الفلسطيني الطويل ، وعلينا ان نعترف ان الانعزاليين في الضفتين لم يفكروا ابعد من مصالحهم الضيقة ، حين بثوا السموم والكراهية عبر كل الوسائل التي تساعدهم ، واذا كانت الروح الانعزالية متوثبة ، فان مقابلها روح التاريخ التي تصحح كل الاخطاء ولو بعد حين ، وتنصف كل صاحب حق.
صباح الخير عليك ايها الملك ، وصباح الخير عليك يا أردن في طلتك الجميلة اليوم على القدس ومآذن القدس ومساجد القدس ، وصباح الخير على الجباه التي ما سجدت الا لله وآمنت بهذا الشعب على ضفتيه ، وصباح الخير عليك يا رام الله في استقبالك لملك هاشمي اردني.