وجد بعض أعضاء مجلس النواب الأردني أنفسهم عالقين بين سعيهم الشخصي لتأديب الصحافة والصحافيين بعد الإحتكاك الحاصل بين الطرفين مؤخرا وبين حرص مؤسسة القصر الملكي علي إغلاق حميد لملف تشريعات الإعلام الضامنة لحريات الصحافة وهو الملف الذي تحدث عنه الملك شخصياً مرتين علي الأقل حاثا النواب علي إقرار تشريعات إعلامية تنسجم مع الخطاب الإصلاحي وتعكس الثقة في النفس وتتجاوب مع مستجدات النطاق المعلوماتي الكوني بعد ان اصبح العالم غرفة وليس قرية صغيرة كما يقول السياسي المخضرم مروان المعشر.
والان يقف جميع اطراف المعادلة الصحافية والاعلامية علي اعتاب تحد عملي هو الاول من نوعه حيث يفترض ان تحسم سلطة التشريع بعد عطلة عيد الاضحي المقبلة مصيرا اهم تشريعين في سياق المشهد الاعلامي وهما قانون الصحافة والنشر الجديد وقانون المعلومات الجديد والاخير تشريع مستحدث يعود الفضل في اقراره للمجلس الاعلي للاعلام في عهد الوزير السابق ابراهيم عز الدين.
ولاول مرة في تاريخ الاردن تتجاوب السلطة مع مطالب لايجاد تشريع يضمن للصحافي وللمواطن حرية الحصول علي المعلومات بانسياب وبشكل يضمن حق الاطلاع باعتباره من الحقوق الموازية لحق التعبير دستوريا.
وثمة نقاش وجدل في كواليس دوائر القرار والنخبة تحت عنوان قانون المعلومات الجديد والاحتكاك مسبقا واضح بين مدرستين او طريقتين في التفكير الاولي تخشي وجود انفتاح معلوماتي وتتحدث عن تكلفته خصوصا علي الامن والاستقرار الاجتماعي، والثانية تؤيد هذا الانفتاح وتعتبره دلالة علي الدولة العصرية التي تنسجم ليس فقط مع خطابها الملكي ولكن ايضا مع النطاق الكوني للانفتاح الاعلامي.
ومؤخرا يمكن القول بان الاصلاحيين والليبراليين في صفوف الاعلام كسبوا جولة مهمة باختيار مديرة الاعلام السابقة للقصر الملكي الدكتورة سيما بحوث رئيسا للمجلس الاعلي للاعلام، حيث تميزت دوما برؤية نقدية لمسار الاعلام الرسمي واظهرت في عدة جولات قدرتها علي استخدام نفوذها في دوائر القرار المرجعي لصالح التفكير الايجابي المنسجم مع الانفتاح الاعلامي خصوصا بعدما اصبح هذا الانفتاح عنوانا في الواقع لمعركة خلفية بين الاصلاحيين والمحافظين.
ومن هنا يتوقع ان تشكل الدكتورة بحوث قوة دافعة باسم المجلس لصالح القانون المعلوماتي الذي يتربص به في الواقع الان ممثلو التيار المحافظ في مجلس النواب كما يتربص يه في نفس الوقت بعض ممثلي جبهة العمل الاسلامي الذين ينادون دوما بالاصلاح السياسي لكنهم يقاومون التغيير في المسار الاجتماعي ويتحالفون مع المحافظين اذا لزم الامر.
ومن هنا يمكن القول ان مصير ومستقبل قانون الحصول علي المعلومات الجديد مفصل مهم في تحديد مسارات التجربة الاصلاحية علي الواجهة الاعلامية حصريا خصوصا وان نقابة الصحافيين بدأت تتدخل بقوة وكفاءة ضد اي محاولة لفرض تشريعات مقيدة علي حريات اعضائها وبدأت تفرض نفسها ووجودها كاطار تمثيلي ضامن في الواقع لحد معقول من الحريات المسؤولة وقد اثبتت النقابة قدرتها مؤخرا علي مساندة اعضائها عندما اجبرت رئيس مجلس النواب عبد الهادي المجالي علي الاعتذار علنا وخطيا عن واقعة اعتداء ثلاثة نواب علي مصورين صحافيين وابرزت النقابة ايضا جرأتها عندما وضعت اسماء نواب اعتدوا علي صحافيين في قائمة سوداء واستمرت في مقاطعتهم.
وثمة طرف ثالث اصبح متحركا ومؤثرا في المعادلة يتمثل في وجود مؤسسات مجتمع مدني متخصصة في قضايا الحريات وتملك زمام المبادرة والمناورة ولديها مشاريع ومقترحات لدعم الانفتاح المعلوماتي ومن بين هذه المؤسسات او انشطها مركز حماية وحرية الصحافيين الذي شكل مع المجلس الاعلي والنقابة قوة ثلاثية اصبح لها شأن فيما يخص قضايا الاعلام والاعلاميين.
وهذه القوة الثلاثية تضغط الان علي البرلمان بالتوافق مع بعض شخصيات الحكومة لكي يغادر منطقة التحفظ فيما يخص تشريعات الاعلام وهي قوة مدعومة بكل وضوح ببرنامج ملكي معلن وشفاف يرفض حبس الصحافيين في قضايا المطبوعات ويعتبر السماء سقف حريات الصحافة، ويضغط علي النواب لاقرار قوانين وتشريعات تليق بسمعة البلاد في قضايا الاعلام. ومجمل هذه الاعتبارات اصبحت ضاغطة علي مجلس النواب الذي سبق ان هدد في الواقع بفرض قيود علي عمل الصحافة اذا ما اصرت علي التركيز فقط علي الجانب السلبي من نشاطات البرلمان.
ومستوي هذا الضغط يتكيف مع عملية شد وجذب تعيشها الاسرة الصحافية خصوصا مع استمرار وجود انقسام وازدواجية داخل صف الاعلام الرسمي الذي يمتنع في الواقع عن تقديم اداء يتناسب مع الخطاب الملكي او التوجه الاصلاحي الاعلامي كما يتحالف هذا الاعلام عبر الاداء وعبر عدم وجود قوة مرجعية اساسية تحكمه مع التيار المحافظ في تقليص مستويات التفاؤل عند الصحافيين.
وفي الواقع تشعر الاسرة الصحافية دوما بان اعضاء البرلمان يحتفظون بمشاعر سلبية تجاه حريات الصحافة ويتحفزون لفرض قيود علي العمل الصحافي خارج السياق المشار اليه مستندين الي حصول بعض التجاوزات في بعض التجارب والمشاريع الصحافية.
ويخشي المراقبون المحايدون ان تؤثر مشاعر النواب الشخصية السلبية علي مسار التشريعات خصوصا في ظل وجود مشاعر عند بعض النواب بالثأر من الصحافة بعد ان تماسكت في مواجهة الاعتداء النيابي الثلاثي مؤخرا علي الصحافيين ويميل بعض النواب بنفس الوقت لتجنب الخضوع للواقع الموضوعي ويتهمون الصحافة بالتسبب في الكثير من الاشكالات ويحاولون اسقاط اتهاماتهم علي محاور التشريع في بعض الاحيان لكن اللجان الفرعية في مجلس النواب ابلغت بانها ستناقش بمسؤولية عالية التشريعات المقبلة في مجال الاعلام ولن تتأثر بالشحنات العاطفية في اي اتجاه وستهتم بضمان استقلال الصحافة كما فهم من عضو لجنة التوجيه الوطني النائب خالد البريك.(بسام بدارين / القدس العربي(