لا نرى في الساحة غير »الدرك«
فهد الخيطان
22-08-2009 06:15 AM
** لماذا تعطلت ادوات الحوار واين هي القوى الوسيطة في الدولة والمجتمع?
ثمة شيء يبعث على القلق في سلوك الدولة تجاه الناس وفي علاقة القوى الاجتماعية مع بعضها بعضا.
اعتقال مطلوب للأمن في بلدة نائية يتحول الى مواجهة بالسلاح بين الأهالي و»الدرك«. وفض اعتصام سلمي يتطلب حشد قوى امنية هائلة.
إشكال عشائري بسيط ينتهي بجريمة قتل, وجريمة القتل تجر عشيرتين الى مواجهة مسلحة لا تجد من يوقفها غير قوات الدرك.
المعادلة مقلقة للغاية: الدولة تلجأ للقوة العارية دائما لحل كل اشكال والناس يأخذون القانون بأيديهم عند كل خلاف مهما صغر او كبر. اما قوة القانون وأدواته فهما الخاسران الأكبران.
هل هناك استقواء على الدولة? نعم, ومظاهره كثيرة. وهل هناك تزايد في العنف وميل اكثر لاستخدام السلاح من طرف الأفراد تجاه بعضهم? نعم, ووصل الأمر الى ساحات الجامعات.
لماذا يحصل ذلك اذا?
يمكن لنا ان نحصى اسباباً عديدة تتصل كلها بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وهموم الحياة المعاصرة وازماتها. وفي الادراج كم كبير من الدراسات الاجتماعية والمسوحات الميدانية التي تعاين الواقع الاجتماعي والسياسي, وترصد آثار الفقر والبطالة على سلوك الأفراد والقوى الاجتماعية.
بيد ان الحاصل في الآونة الاخيرة يعد ظاهرة فريدة تحتاج لدراسة مستقلة, واعني الميل المتزايد للعنف من طرف الدولة يقابله عنف اجتماعي يتبدى في الصدامات العشائرية.
يشعر المراقب احيانا ان المؤسسات الرسمية تتقصد استخدام هذا المستوى المفرط من القوة وتعطيل ادوات الحوار لصالح لغة »الدرك« في معظم الحالات لاثارة الخوف في نفوس الناس وكأنها تستشعر مرحلة مقبلة تتطلب التعامل بحزم وشدة يجري الاستعداد والتمرن عليها منذ الآن.
لا يجادل احد في مسؤولية الاجهزة بالمحافظة على هيبة الدولة وان قصرت وجبت محاسبتها, لكن من قال ان القوة وحدها تحفظ الهيبة, في التاريخ امثلة كثيرة عن الأثر المدمر للقوة في اضعاف الدول.
كان لدينا دائما قوى وادوات اجتماعية وسيطة »رجال دولة ووجهاء في المجتمع« اضافة الى مؤسسات امنية وحكومية قادرة على احتواء الصراعات الاجتماعية وتسوية الخلافات من دون اللجوء للقوة.
اليوم نفتقد دور هذه الوسائل الوسيطة ودور مؤسسات الدولة المدنية ولا نرى في الساحة غير »الدرك« ووجهاء يتنقلون من حي الى حي لعقد صلحة او »عطوة«.
ما نشهده يؤشر على اتساع الفجوة بين الدولة والمجتمع بحيث لم تعد من وسيلة اتصال بينهما غير »الهراوة« وبين مكونات المجتمع الواحد بوحداته الصغيرة والكبيرة.
الدولة تخاف من شيء ما يدفعها للقوة دائما فلا تجد غير »الدرك« والناس يخافون من بعضهم بعضا وكأنهم اعداء تفصل قوات الدرك بين خنادقهم.0
fahed.khitan@alarabalyawm.net