لا يشلع القلب أكثر من رؤية دموع الرجال ، والأكثر أن تهطل العبرات من عيون العسكر على زملائهم الشهداء ، لكن متى كان العسكر يبكون ، ومتى كان العسكر بعيدون عن الموت والرصاص .
ربما نعذر ذويهم وأحبتهم بأن يبكوا من يليق بهم البكاء، ويحزنون على أغلى رجالهم الذين خطفهم الموت بغتة ، أما أنتم يا سدنة الجيش ورماحه وسيوفه فليس لكم البكاء ، وحزن الرجال في قلوبهم ، وفي شموخ هاماتكم تتكسر أمنيات المعتدين ، ولن نرضى أن تنحني رؤوسكم أو يميل الشعار عن عقالكم .
على مدار مئة عام ودع الأردنيون ما يقارب ثلاثة آلآف شهيد من الجيش والأجهزة الأمنية ، وأضرحة شهدائنا منثورة على أرض فلسطين وقراها ، ويشهد لنا تراب وزيتون القدس أنه ضمّ أجمل الفتيان رزقوا في الشهادة وهم يحملون بنادقهم وحبهم للدفاع عن المقدسات .
رغم الألم بفقد الرجال ، لكن ما زال الأردنيون يفخرون بشهدائهم ، ويتغنون ببطولاتهم ، ويكرّمون بأسمائهم ، وأذكر أن جدي ظل ينادى بأبي الشهيد تكريما له عندما فقد عمي الشهيد "علي" أصغر شهداء الجيش العربي عام ١٩٦٧ في الشيخ جراح بالقرب من القدس .
مرة أخرى رغم مرارة الفاجعة فلا يليق البكاء بالعسكر ، وأعرف أن الحزن يفيض من قلوب زملاء السلاح ، وأن الفقد لا يعرفه إلا الأقربين ، ولكن هذا هو الأردن لا يكسر شموخه فقد الرجال ، وأن العسكر مشاريع شهادة فداء للبلاد ولأمنها ، وحربنا مع تلك الفئات ربما تطول ، وسيظل الجيش وأجهزتنا الأمنية شوكة في قلوب كل معتد أو من يفكر يوما أن يمسّ بلادنا بسوء .