وردت كلمة «الأمن» في القرآن الكريم نحو 27 مرة، تارة على صيغة المصدر «واذا جعلنا البيت مثابة للناس وامنا» وعلى صيغة اسم الفاعل «رب اجعل هذا بلدا آمنا» وعلى صيغة الفعل «فان أمنتم بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن امانته» وعلى صغية الاسم «واذا جاءهم أمر من الأمن» وهي كلها تشير الى معان ثلاثة: معنى الأمانة التي هي ضد الخيانة ومعنى الأمن نقيض الخوف ومعنى المكان اللآمن المستقر.
وفي القرآن الكريم ارتبط الأمن بالعبادة الصحيحة الناشئة عن جوهر الايمان «فليعبدوا رب هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» وقد تقدم الأمن الغذائي والاقتصادي هنا على انواع الأمن الاخرى، كما ارتبط الأمن بدفع الظلم «الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الأمن» بمعنى ان الظالمين او الفاسدين لا «أمن» لهم: لا اخذا ولا عطاء.
والأمن - بالطبع - حاجة انسانية ضرورية وحق انساني مصون ومقدس، فالاعتداء - اي اعتداء - على حياة الانسان وحريته هو اعتداء على حق الحياة والحرية في كل انسان، وما دام انه «حق» من الله تعالى فهو ثابت ولا يجوز التنازل عنه او التواطؤ عليه، وفي مقاصد الشريعة وضروراتها الخمس ما يشير الى ان حفظ النفس والمال والدين والعرض والنسل، كلها تندرج في اطار «الأمن» اي ضمان سلامة الانسان بكل احواله والانسان - هنا - بمطلقه، اي من حيث كونه انسانا، مسلما كان او غير مسلم.
كيف يتحقق الأمن بمعناه الشامل؟ الجواب في اقامة موازين العدل، والانتصار لمنطق الانسانية في الانسان، ومواجهة الفساد والافساد، وتعميق الثقة بالنفس والاعتماد على الذات، ومواجهة ثقافة «الهزيمة» والانكسار، واشاعة مفهوم المسؤولية والاهتمام بمنظومة القيم الفاعلة والمنتجة وكبح جماح الطمع والتفرد، وهذه كلها يمكن وضعها في اطار «ترشيد» حالة التدين باعتبار ان الدين هو الباعث الأول على «التحضر» وعلى «الأمن» وعلى الاحساس بالمسؤولية الاخلاقية التي تبني المجتمع وتساهم في تقدمه.
ثمة من يختزل «الأمن» في اطاره الفني او في علاقة المواطن مع اجهزة الأمن، لكن الحقيقة ان الأمن - بمعناه الشامل - يتعلق بالانسان، علاقته مع ذاته ومع الآخرين ومع البيئة المحيطة ومع السماء ايضا، وفي تفاصيل ذلك يندرج الأمن السياسي مع الاجتماعي مع الغذائي مع الاقتصادي.. الخ، ولهذا جعل الاسلام الأمن مرتبطا بالايمان..فلا أمن لمن لا إيمان له.
الدستور