منذ فجر التاريخ وبزوغ شمس الحضارة الإنسانية ووجود الإنسان الأول على الأرض والى ما شاء الله لهذا الكون من ديمومة ونحن نسمع عن عبقريات ومنظرين ومحدثين ومبتكرين، بدءا من نظرية النشوء ( لداروين) ومرورا بنظرية فيثاغورس ( الحمار) وصولا إلى النظرية الاقتصادية الحديثة والتي تم ابتكارها على يد الحكومة وبعض المنظرين في وزارة الصناعة والتجارة من اجل الوصول إلى سعر مناسب للمشتقات النفطية، وكل ذلك بسبب التقلبات العنيفة في أسعار النفط العالمية ولما لذلك من تأثير مباشر على خزينة الدولة المنهوبة ومساس بقوت المواطن الغلبان.
وقد لاقت هذه النظرية استحسانا وتأييدا شديدين – بعد أن حشدت لها لحكومة كل طاقاتها- من بعض المنظرين الاقتصاديين المشهود لهم بالبحث العلمي والاستقصاء والتحري من أجل الخروج بأفضل السيناريوهات والنتائج المرجوة ناهيك عن التوصيات العتيدة في هذا المجال، هؤلاء المنظرين الذين ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا بوقا مدافعا عن الحكومة وسياساتها في شتى المجالات مقابل تنفيعات هنا وهناك.
ولم يكد يبلع المواطن هذه النظرية الجديدة، حتى يطالعنا نفس العباقرة بتطبيق لتلك النظرية على تعرفة استهلاك الكهرباء بحيث يكون ذلك متوافقا مع أسعار المشتقات النفطية من أجل الوصول إلى سعر عادل لها، وهذا هو السبب المعلن، أما تأثير ذلك على المواطن الأردني الذي أصبح آخر اهتمامات المسئولين، فالشيء المؤكد انه سيعود به إلى عصور ما قبل التاريخ من حيث الاعتماد على المصادر الطبيعية للطاقة، وما خفي أعظم من ذلك بكثير.
اليوم أيضا يطالعنا معالي الوزير- الصناعة والتجارة- عن نية الوزارة وتفكيرها الجدي في الدخول كلاعب أساسي في مجال استيراد اللحوم الحمراء التي أصبحت أسعارها تفوق الخيال وباتت حلما يراود معظم طبقات الشعب، والهدف من ذلك- حسب ادعاء الحكومة- هو التخفيف على المواطن في هذا الشهر الكريم، أي أن الأمر ما زال في بواكيره الأولى، وهذا يعني أن رمضان القادم-2011- سوف يهل علينا والحكومة لم تنتهي بعد من مرحلة التفكير فقط، فكيف بالتنظير.
وعلى سيرة اللاعب الأساسي، فإننا نأمل من معالي الوزير توضيح الدوري والملعب الذي سيلعب أو يتلاعب فيه معاليه، هل هو ملعب الشعب الذي أصبح ( متخوزق ) من كثرة الأهداف التي أدخلتها فيه الحكومة، أم هو ملعب التجار- الفجرة- الذين أثروا على حساب هذا الشعب وتحت رعاية فائقة من الحكومة الرشيدة ووزراؤها العباقرة الذين ما فتئوا يقدمون لهم التسهيلات تلو الأخرى.
الغريب في الأمر أيضا أن الحكومة تعلم علم اليقين عن التاجر الذي أمعن تلحيما بهذا الشعب والمتسبب بهذا الارتفاع غير المبرر، والذي يمارسه شخص – محتكر- واحد فقط، وفي كل عام وفي الوقت ذاته- شهر رمضان- يمارس نفس اللعبة وبنفس- الساطور- اللاعبين لتحقيق الثراء الفاحش على حساب المواطن الغلبان، ولا تكاد – الحكومة - تحرك ساكنا سوى التصريح هنا وهناك بغية الظهور لتذكير المواطنين بأنهم ما زالوا موجودين، وإذا لم تخني الذاكرة فهو أيضا نفس التاجر الذي مرر شحنة العجول غير مكتملة النمو بعد أن لحس وزير الزراعة تصريحاته بخصوصها، وفي ذلك دلالة واضحة على الشق الهجومي الواسع الذي يتمتع به ذلك التاجر مثلما يؤشر إلى نواحي الضعف وقلة الحيلة التي تتمتع بها الحكومة.
في رمضان الماضي وبتاريخ 21/9/2008 تحديدا، تناولت هذا الموضوع بالذات ومن على هذا المنبر-عمون- بمناسبة قيام نقابة تجار المواد الغذائية بعقد مؤتمرهم الوطني الذي طالبوا فيه بتشكيل لجنة للوقوف على أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وبشكل خاص اللحوم الحمراء، وعلى ما اعتقد أن اللجنة ما زالت في طور التشكيل، والتي نخشى أن يكون من توصياتها- في حال انعقادها-إلغاء شهر رمضان والذي هو سبب كل هذا الارتفاع في الأسعار، حيث لغاية الآن لم يتم اتخاذ أي إجراء رغم أن كل المعطيات تشير إلى أن الأزمة تتكرر سنويا بنفس السيناريو ونفس الأشخاص.
وعلى ذلك فإننا نطلب من اللجنة الكريمة ومن الحكومة الرشيدة، التوقف عن إصدار خطابات حسن النوايا، والنزول إلى الأسواق لمشاهدة حمى أسعار ليلة السبت التي أحرقت جيوب المواطنين وأدمت قلوبهم بأسعارها الملتهبة بدلا من الترنح راقصين على قوت الكادحين، مع الاعتذار لابن العم العزيز جون ابن ترافولتا.
kalilabosaleem@yahoo.com