في تاريخ العرب القديم كان مهنة الحكواتي الذي يجلس في المنتصف ويجتمع حوله حشد كبير من الناس، يتخذ من الشارع أو المقاهي أو الحارة أو الطرقات العامة مكانًا له، ويبدأ في سرد الحكايات، وكان كما توصف مهنته بانها لا تقف عند الحكي فقط بل كان الحكواتي يجسد بعض الشخصيات من خلال الصوت والحركة, فينجذب الجمع له, ويتفاعلون معه, وكان الناس في تلك الازمان يعتمدون على الحكواتي في تبادل المعلومات , ولكن هذه المهنة انقرضت مع مرور الزمن بفضل المذياع والتلفاز ,واخيرا وسائل التواصل الاجتماعي .ولقد كان من ابرز القصص التي كان يرويها الحكواتيين هي قصة ابو زيد الهلالي وهي من الأعمال التراثية العربية التي تحكي وتخلد حياة العرب البدو الرحل.
قصص الحكواتيين والتنظير التي يعتمد عليها بعض رؤساء الوزراء ورجال الحكومات الاردنية المتعاقبة للمراوغة وكسب الوقت حتى انتهاء خدماتهم حول الاوضاع الحقيقية المزرية والصعبة لم تعد مجدية, بل تزيد من غضب الناس ,فحسب دائرة الإحصاءات العامة وصل معدل البطالة في المملكة الى حوالي 19%, وكانت النسبة الاكبر بين العاطلين عن العمل هي بين الفئات العمرية 19-24 حيث وصلت البطالة بينهم الى حوالي 40%. وهذه النسب المرتفعة والتي تتزايد عاما بعد عام ادت بشكل مباشر الى تزايد نسبة الفقر بين الاردنيين والتي وصلت الى ما يقارب 26% وهؤلاء يعتمدون في حياتهم على دخل يومي اقل من دولارين للشخص , وهذا الدخل لا يكفي للحصول على طاقة غذائية تقدر ب 2200 سعر حراري يحتاجه الانسان من مختلف الأغذية, ولهذا يصنف هؤلاء بانهم الطبقة التي تقع تحت خط الفقر أي ان ثلث الشعب الاردني يعيش تحت خط الفقر .
مسيرات العاطلين عن العمل من العقبة و اربد هي مؤشرات على الاوضاع المأساوية التي وصلنا اليها, والتي ولها معاني سياسية واجتماعية خطيرة ,وعلينا ان ندركها ونجد الحلول الجدية لمعالجة البطالة والفقر والتهميش لمعظم المحافظات الاردنية ان لم نقل كلها , فاذا لم نفعل ذلك فأخشى ان تصبح هذه المسيرات نواة لكرات الثلج المتدحرجة وعندها لن ينفع الندم. قبل عدة اسابيع قابلني شخص يطلب مساعدة مالية ( أي بمعنى اخر يشحذ), فمن لهجته ادركت ان هذا الشخص هو من ابناء الوطن , وعندما تعارفنا على بعض, واخبرني سيرته الذاتية ومكان عمله السابق , ايقنت بان الاوضاع خطيرة جدا وبحاجة الى ان تكون معالجة البطالة ومحاربة الفقر الاولوية القصوى لأي حكومة اردنية.
واما المطلوب هو توزيع الثروة القومية بشكل عادل بحيث يضمن حقوق المحافظات ويلبي احتياجاتها ,فكما هو معلوم فان اكبر المساهمات المالية للخزينة تأتي من الثروات الطبيعية مثل الفوسفات والبوتاس والسياحة والصخر الزيتي والطاقة الشمسية الموجودة في المحافظات الاكثر فقرا مثل معان والكرك والبتراء وجرش وغيرها ,فزيادة المخصصات المالية لتلك المحافظات امر لابد منه, وايضا وضع برامج تدريب وتأهيل لأبنائها بحيث يحل ابناء المحافظات مكان الاخرين, والاشتراط في جميع العقود الحكومية على الشركات بإعادة الاستثمار في تلك المحافظات وتدريب وتأهيل أبنائها ,وكذلك العمل على الغاء الضرائب على المصانع وتخفيف الرسوم الحكومية في تلك المناطق الذي من شانه ان يساهم في انتعاش تلك المناطق , واما المحور الاخر فهو وقف الاستيراد العشوائي الذي ينافس المنتوجات الزراعية والصناعات الاردنية في مختلف المناطق الاردنية .
فالسؤول الاردني الذي يريد ان ينال شرف خدمة الوطن, يجب ان يبدأ بقلب يفيض بالحب والحنان والعطف لكل من معان والطفيلة والسلط وعجلون والكرك ومادبا والاغواروعمان والرمثا وليس لأي مدينة اخرى في العالم.