مواسم الهجرة إلى الشمال ..
د. نضال القطامين
20-02-2019 05:32 PM
مؤلم لدرجة الفجيعة، مشهد السائرين على حواف الرمل، يقارعون الشاحنات والأرصفة، يرتحلون شمالا، وقد بلغهم أن القوم على "قد اليد"، قد ترهّل أداءهم، وتراجعت هممهم، دون حجة ودون منطق، علموا أنهم أضاعوا الفتية بأحلام الرمل الذهبي، فانحسرت بلاغتهم حد الخوف من صوت عالٍ أو مسيرة يوم، ولم يجدوا أن بوسعهم فعل شيء سوى اتخاذ التسكين نهجاً راسخا.
مؤلمٌ جدا خروج مسيرة المطالبين بفرص عمل من العقبة إلى عمّان. مؤلم مرتين: أولاها أن العقبة بكل قوانينها واستثماراتها وانفصالها الاقتصادي والجمركي لم تستطع أن تؤمن لهم فرص عمل تخرجهم بها من أفواه الفقر والبطالة.
والمؤلم الثاني في الأمر، أن هؤلاء الفتية هم نموذج لكل الشباب الذين أخذت الحكومات خطيّتهم، فأهملت تهيئتهم لدخول سوق عمل ذي تنافسية عالية ومتخم بالعمالة المدرّبة.
ما زالت فكرة إنشاء المؤسسات والهيئات والسلطات التي ستعنى بالشأن الإقتصادي والتنموي، في مربع البدايات المتواضع، وما انْفَكَّت الرؤية عن مراوحة مكانها، ذاك أن مَذْهَب العمل الإداري لم يغادر منطقة الإجراءات البروقراطية، وبدلا من اجتراح حلول تحتوي آلام الفقر في المحافظات وتضمّد جراحات فقرها النازفة، بقي الأمر دائما، للخلف در.
كان جديراً بالعقبة، الفكرة والرؤية والتنفيذ، ليس أن تضفي جناحيها في التنمية وخلق فرص العمل في المدينة وفي مناطق السلطة الممتدة بين قطر والقويرة وما حولها، وحسب، بل أن تكون في طليعة قيادة التنمية في الجنوب وباقي المحافظات كذلك.
هذا هو المرتقب من رؤية الدولة في إطلاق يد المفوضية وتمكينها من جميع أدوات إستقطاب الإستثمار والتحرر من قيود التشريعات في الجمارك وغيرها. هذا هو المأمول. فما الذي تحقق منه حتى الآن.
بكل الأسف، ما تحقق لا يدنو من الرؤية، والمسافة ما زالت بعيدة، في الإستثمارات وفي السياحة وفي فرص العمل. ما زالت رؤية السلطة رهينة البيروقراطية، ورهينة الضحالة في إطلاق الطاقات وفي تعزيز أذرع التسويق للعقبة كمناخ آمن لرأس المال، وللحوافز والإعفاءات الممنوحة.
ويأتي التساؤل، مالذي يحدث في بلدي! ما حجم الصَدْع بين واقع الشباب وبين رؤية الحكومة. إنه شَقٌّ هائل، بين إعلام رسمي مُتَنَاءٍ عن حقيقة جليّة، وبين استمرارٍ بالعمل بفوضى الفزعة والتَّنَكُّب لكل ما من شأنه تيسير وصول هؤلاء الفتية إلى مُفْتَتَح الدرب الحَصِيف.
مالذي يمكن أن يحدث. إنه العودة إلى الأصل في الأشياء؛ تمكين حقيقي لبرامج مواءمة حقيقية بين مخرجات التعليم ومدخلات السوق، ويقظة كاملة لأولئك الشباب، قبل أن تلفظهم المدارس وتتلقفهم الحارات والمقاهي، لتتلقفهم معاهد التدريب المهني، ومعسكرات الشركة الوطنية، وليأخذوا مكافأة مجزية وحوافز تشجعهم على الاستمرار.
تتدحرج كرة الثلج إلى الشمال، وسيمتطي متنها كل من له شأن فيها ومصلحة ومن ليس لهم، وسيكون لهم خطباء ومنابر ومرتقو تلال وجع وسائرون على درب الآلام، وستمتلىء الصفحات بالكلام وبالبث المباشروسيبقة نهج التعامل هو ذاته المؤسَّس على ممارسة طقوس الهروب وقذف الكرات لمرمى الخصم، ونقل ساحة المعركة الإعلامية إلى خارج دائرة المسؤولية. دون حلول ودون تفكير مؤسسي مستدام.