الطفيلة التي انتظرت نصيبها من الأمطار والثلوج تلقت الكثير منها هذا الأسبوع فمنذ أيام وبشائر الخير تنهال على المحافظة التي امتازت بتنوع تضاريسها وغنى مواردها وكثرة خيراتها وصلابة إنسانها ...
إلى جانب نعم السماء عليها وعلى أهلها كانت الطفيلة في هذا الأسبوع على موعد مع زيارة ملكية أسعدت الأهل وبددت القلق وأعادت إلى الأنفس الكثير من الأمل والحياة فعلى أرض الجامعة التقنية التقى جلالة الملك وسمو ولي العهد بالآلاف من أبناء المحافظة الذين أتوا من كافة الجنبات التي أعياها الفقر ونال منها العوز دون أن يلامس قلوبهم المشبعة بالحب والإيمان والوفاء.
ففي كل زاوية من زوايا المكان هناك ما يذكرهم بالبدايات الجميلة والمسيرة التي كان عنوانها "معه وبه إنا ماضون..فلتشهد يا شجر الزيتون".
اللقاء الذي تم على أكثر البقاع الجغرافية ارتباطا بما يبعث في النفوس الفخر ويولد مشاعر الاعتزاز كان صادقا ودافئا ومثمرا ومختلفا عن الكثير من اللقاءات التي طالما اتخذت طابعا بروتوكوليا ففي هذه المرة استمع جلالة الملك إلى مطالب الأهالي وأوجاعهم وعتبهم وحبهم دون كلل أو استعجال. وأجاب على أسئلتهم واستفساراتهم وقال لهم بالكلمة والابتسامة والوقفة والإيماءات بأنه يعرف شكواهم ومعاناتهم ويتطلع إلى أن يرى انفراجا لأزماتهم وإجابات شافية لأسئلتهم ومقترحاتهم.
في الذاكرة الشعبية للأهالي والمكان صور للأمير زيد بن الحسين والملك عبدالله الأول والحسين الباني الذين جاؤوا إلى الطفيلة مرارا وأقاموا في بيوتها وعرفوا أسماء شيوخها ونسجوا علاقات لا تنسى مع رجالات الطفيلة منذ ذياب العوران ومصطفى المحيسن وحتى سلامة سعيد وسليمان عيال عواد فقد زار المرحوم عبدالله الأول الطفيلة وأقام في بيت العوران ويذكر الطفايلة يوم حضر المرحوم جلالة الحسين إلى الطفيلة لافتتاح المستشفى عام 1961 وأمضى فيها ليلتين في ضيافة الشيخ صالح العوران ويحفظ الجميع أبيات الشعر التي حملتها قصيدة عارف المرايات في عام 1989 وهو يخاطب الحسين الذي جاء لصلاة العيد مع الأهل في الطفيلة إذ قال " فانظر لنفسك رغم أنك بيننا ... أنت المضيف وشعبك الزوار"
زيارة جلالة الملك وولي العهد تأتي لتعيد لذاكرة الطفايلة الأيام الجميلة التي أمضاها الآباء وهم ممتلئون بمشاعر الفخر والاعتزاز بإسهاماتهم في بناء الوطن وصناعة التاريخ ففي مثل هذا الوقت من عام 1918 تداعى أبناء الجوابرة والحمايدة والعطاعطة والسعوديين والثوابية والحويطات والحجايا والمناعيين للانضمام إلى جيش الثورة العربية بقيادة الأمير الشاب زيد بن الحسين الذي نصب خيمه على مقربة من العيص حيث الجامعة اليوم. وفي مشهد فيه من الجلال والقدسية والإيمان التفت العشائر حول قيادة الأمير زيد للقتال في أحد اهم معارك الثورة العربية الكبرى التي أنهت الوجود العثماني في جنوب البلاد" معركة حد الدقيق" حيث فقد العثمانيون قيادتهم وأسر جنودهم وألقوا بمدافعهم فغنمها العرب ولفتت أنظار العالم إلى الصلابة والشجاعة التي تحلى بها أبناء هذا الجزء الغالي من الوطن العزيز.
منذ تلك الأيام نالت الطفيلة شرف الإسهام في صناعة التاريخ وترسخ في قلوب وعقول أبنائها الكثير من الحب والتقدير والولاء للهاشمين باعتبارهم أسيادا وقادة وثوارا يحرصون على كرامة الأمة ويسعون إلى استعادة مجدها وسؤددها. وفي المقابل أحس الهاشميون بهذا الصدق وهذا الحب والشجاعة والصفاء فأصبغوا على ديارهم صبغة أسعدتهم وزادتهم فرحا وألقا. الطفايلة الذين يفاخرون بأنهم أبناء المحافظة الهاشمية كانوا في اعلى درجات السعادة وهم يستقبلون مليكهم وولي عهده. فقد جاءوا رجالا ونساء، شيوخا وأطفالا. أساتذة وطلابا للقاء القيادة والتعبير عن الحب وبث الهموم في إطار لا يخرج عن الروح التي تأسست منذ ما يزيد على مائة عام.
المشكلات التي تواجه الأردن عديدة ومتنوعة لكنها ليست صعبة لتولد الإحباط أو تدفعنا نحو التسليم والقنوط.
عبر أكثر من نصف قرن استثمر الأردن في التعليم العالي وأوجد عشرات الجامعات التي تدير مئات التخصصات في مختلف الميادين والحقول . المشكلة التي تواجهنا اليوم أن الجامعات لا زالت منهمكة في عمليات التدريس والبحوث النظرية الأمر الذي أضعف الصلة بينها وبين محيطها وحرم المجتمع من فرصة التطوير الذي يمكن أن ينجم عن الأبحاث التطبيقية.
التحديات الكبرى للتعليم العالي لا تتوقف عند تزايد أعداد الخريجين وقلة الموارد المالية وتنامي البطالة بل تتجاوزها إلى أهمية التحول نحو التعليم التقني وربط المخرجات بحاجة السوق وتحسين قدرة الخريج على ممارسة المهن والأعمال المستقبلية من خلال التهيئة والدمج في اسواق العمل في المراحل النهائية للبرنامج التعليمي.
الطفيلة التقنية جامعة أنشئت منذ 14 عاما لتعنى برفد السوق بالكفاءات العلمية والأبحاث والخبرات في الميادين التي تحتاج إلى التقنيات لا سيما أنها تتوسط في موقعها موارد الأردن الأساسية في الصناعة والتعدين وشبكات النقل فإلى جوارها مناجم الفوسفات ومصانع البوتاس والإسمنت وحقول توليد الطاقة الشمسية ومزارع حصاد طاقة الرياح وهي على مقربة من المناجم التاريخية للنحاس والمنغنيز إضافة إلى الصخر الزيتي والأملاح والجص.
خلال الزيارة التي قام بها جلالة الملك لمحافظة الطفيلة يوم الإثنين الماضي عرض الطلبة في تخصصات الهندسة والتكنولوجيا عددا من التصاميم والابتكارات التي قدمت حلولا لبعض التحديات التي تواجهنا في مجالات التكنولوجيا والطاقة والموارد. العروض التي قدمها الطلبة كانت نتاجا مباشرا ومناورة حية تبين كيفية توظيف العلوم والمعارف في إيجاد الحلول للمشكلات التي تواجه المجتمع في قطاعات الزراعة والصناعة والطاقة والتعدين وتبين كيفية توظيف البيئة التعليمية بما فيها من معارف وخبرات ومشاغل ومختبرات لتطوير التصاميم والنماذج القابلة للتصنيع والاستخدام.
مشاريع الطلبة التي تراوحت بين تصميم لهياكل ومحركات لسيارات السباق والتي سبق للجامعة أن شاركت في منافسة عالمية وحصلت على المرتبة الثانية من بين 32 جامعة بريطانية وأوروبية، إلى روبوتات كشف المتفجرات والألغام وأنظمة تحسين كفاءة خلايا الطاقة الشمسية ونظام ترشيد استخدام المياه في مغاسل السيارات والذي بدء تطبيقه الفعلي بكفاءة توفير تصل إلى 90% بعض من المشروعات التي يعمل عليها طلبة الجامعة.
اليوم يستعد طلبة الجامعة وأساتذتها إلى توظيف كل معارفهم ومهاراتهم ونتائج أبحاثهم في تطوير أساليب العمل وإيجاد الحلول العملية لمشكلاتنا وصولا إلى العالمية في البحث والتطوير والإنجاز.