الخفاء والتجلي في الإعلام المحلي
د. عدنان سعد الزعبي
20-02-2019 03:40 PM
لعله من الطبيعي أن نتساءل معا عن طبيعة قانون الجرائم الإلكترونية والغاية منه، وقبل هذا وذاك ماذا نريد منه بالضبط كما هو الحال في أي تشريع يمكن أن تطرحه الحكومة.
ولعله من المنطق أن نعرف أيضا ما هي توجهات المؤسسة التشريعية وقدرتها على رسم مستقبل الوطن ضمن رؤية واضحة وشاملة يتم السعي لها خطوة خطوة. وقبل أن ندخل في غمار تشريع القانون دعونا نسأل أنفسنا أسئلة تتناول الإشكالية الحقيقية التي تعاني منها الدول في حوارها مع المواطن والمؤسسات المدنية كافة والعلاقة الجدلية الثلاثية المتمثلة بالمواطن والحكومة والإعلام؟
فهل لدينا رغبة حقيقية بوجود ديمقراطية صادقة وبريئة تقصد النهوض بالإصلاح الوطني وقبلها وجودية المواطن؟ وهل نحن مهيئين لذلك، أو ما هي برامجنا للوصول لذلك؟ وهل لدى مالكي القرار السياسي الإرادة الحقيقية نحو المزيد من الحريات، خاصة ونحن نتغنى بوجود الرؤية الملكية التي سقفها السماء؟ وماذا تعني الحرية في الدولة الأردنية، ما هية نقاط القوة والضعف، وكيف نعزز احترامها؟ كيف نترجم الأحاديث والشعارات حول مفاهيم الحرية والديمقراطية إلى سلوك حقيقي وتعزيز الرقابة الذاتية؟
الأساس بالقانون وأي قانون أن يقوم بأعمال التنظيم للمهنة بأهداف تطويرية؛ أي أن ينظم المهنة بخصائصها وفلسفتها وأهدافها، وبشكل مواز تطويرها من خلال النهوض بمكوناتها الأساسية من موارد بشرية ومناخات عمل والتطبيقات على أرض الواقع، والتكنولوجيا وتوفير رأس المال.
وهنا يكمن سر التشريع الناجح الذي يصطدم بالتطبيق نظرا لعدم أهلية القائمين عليه أو عدم انسجامه مع الواقع المتطور والنامي الذي يشهده مجال الإعلام والاتصال في العالم بعد ثورة الفضاء المفتوح. فقانون المطبوعات والقوانين الجزائية الأخرى تتعامل بشكل كبير مع حالات كثيرة تخص الإعلام خاصة وأن المواطن المتضرر من وسائل الإعلام ومضامينها يلجأ للمحاكم من أجل حقه.
لقد وجه لي دولة الدكتور عدنان بدران عام 2005 سؤالا حول أيهما أفضل أن نعين لإحدى المؤسسات الإعلامية، إعلاميا أم قانونيا، فأجبته بالطبع إعلامي لأن الإعلام رسالة تستهدف عقل وذهن المواطن، فالغاية من التشريع هو التطوير والمواءمة وليس الضبط والربط وخلق الحواجز؟ على اعتبار أن القانون هو الشرطي الذي سيعاقب ويتوعد ويهدد وتحت أي مسمى؟
ففي الأردن لم نصل لمرحلة الإقصاء حتى نتخوف من مفهوم الكراهية التي أثارت غضب الأوساط، ونزجه في قانون نحن نعلم أنه بالأساس موجه للجرائم المتعلقة بالجانب الفني الإلكتروني وتنظيم عملية الاستخدام ويضمن حقوق الناس الإلكترونية وعدم التدخل أو العبث فيها، وبنفس الوقت تنظيم التعامل مع التجاوزات على المعلومات المخزنة بكافة أشكالها الرقمية سواء بالتغيير أو السرقة أو الحذف...الخ، وهذا الذي تطبقه أوروبا التي تركت للقضاء كلمة الفيصل.
نحن ندرك بأن تجاوزات كثيرة تخاض وانتهاكات لحقوق الناس ترتكب واغتيالات للشخصية تنتهك وإساءات للأفراد في حياتهم الخاصة ترتكب. و لكن هذا لا يعود لمفهوم الديقراطية، ولا لمعاني الحرية التي أمضت البشرية بحضاراتها المختلفة قرونا وقرونا في سبيل تحقيقها والشعور بالوجود؟
فالحرية هي البقاء وهي الكرامة وهي النماء وهي التطور والازدهار .. إن السبب في الفهم الخاطئ لهذه المفاهيم والتطبيقات غير المنسجمة مع منطق الليبرالية الأساسية التي جاء بها جان لوك وآخرين عندما قال " إن الله لا يحب لأحد أن يسيء للآخرين باسم الحرية، وقال تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين.
قضية المواقع التواصل الاجتماعية قضية عالمية لم يسلم منها حتى الرئيس الأمريكي ترمب، فكم هي الدراسات التي نشرتها وسائل الإعلام وتتهم الرئيس (بالهمجي) و (لا يصلح لإدارة الولايات المتحدة) (رجل بزنس ويجري صفقات شخصية على حساب مصالح أمريكا) - ( التشهير بنتائج الانتخابات والتدخل الروسي)، لكنه نأى بنفسه وإدارته من طلب محاصرة الإعلام أو التضييق عليه باسم التنظيم على اعتبار أن في المجتمعات الديمقراطية توافق عام وثوابت أقوى من القوانين، تنطلق من أن الديمقراطية والحرية قضية مقدسة لا يجوز المساس بها.
- اما في الأردن وسعينا نحو مدنية الدولة التي يقوم الإعلام بدور هام جدا فيها، فقد حرص جلالة الملك وفي رؤياه الإعلامية على توسيع قاعدة مشاركة الناس في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومنح الإعلام المزيد المزيد من الحرية والانفتاح والتفاعل مع العالم والتشاركية مع المجتمعات ووسائل الإعلام العالمية لاستحضار التجارب والخبرات وبمستوى حرية آفاقها السماء. ما زال مواطننا وفي شتى مستوياته ومواقعه لا يعي أهمية الإعلام ودوره في بناء وتقوية المجتمعات ولم يقتنع المسؤول بأحقية المواطن بالمعلومة ودوره في تقديمها وفق السس والقوانين، وأن المناكفات الحاصلة ما هي إلا ترجمة لواقع الحال الذي تعاني منه كل مجتمعات العالم. ولا يحتاج الأمر أكثر من التربية الإعلامية الشاملة، وإعادة تأهيل وتدريب الكوادر البشرية، خاصة مع ظهور وتوسع صحافة المواطن وتخطيها الصحافة الجماهيرية المتعلقة بوسائل الإعلام الجماهيرية التقليدية. فنحن في الأردن نحتاج إلى تصويب منظار الحقيقة والتركيز عليه لإخراج الناس من قوقعة الخوف والتشكيك وعدم الثقة إلى الحوار البناء واحترام الآخرين وتعزيزمفهوم التعددية.
الأمل كبير بمعالي الزميلة جمانة غنيمات وبخبرتها العملية ووطنيتها المتشبعة أن تحقق إرادة الحرية وأن تنظر للتشريعات بعين الإعلامي المتمرس المنتمي وأن تتعامل مع الملفات الإعلامية التي تؤرقها بكل ما نتوقعه منها.