البحث عن بدیل خارج الصندوق
جهاد المنسي
20-02-2019 01:36 PM
مواصلة القول إن الأمور عال العال، وإن البوصلة تشیر للاتجاه الصحیح، ھي كمن لا یرید رؤیة الشمس في رابعة النھار، فالتقاریر الدولیة وحتى المحلیة التي تصدر وتلخص حالة البلاد لا تبشر بخیر، فمثلا تقریر حالة البلاد الذي توسع بشرح الأمور وأشار لمناطق الخلل، وكذا التقاریر الاقتصادیة التي تتحدث عن التضخم وزیادة نسب التذمر وتدھور الطبقة الوسطى في المجتمع وذوبانھا، كلھا تحفزنا للبحث عن حلول خارج الصندوق التقلیدي الذي كنا نبحث فيه سابقا.
البلاد لا تعیش عصر ازدھارھا، والعباد یتألمون؛ بعضھم بصمت وبعضھم بأصوات مرتفعة، بید أن النتیجة واحدة، فالألم ھو ذاته والمعاناة نفسھا، وضیق ذات الید بات یطول الجمیع، والمعضلة أن التنمیة فشلت وشاب المسیرة الكثیر من الاختلالات والأخطاء في الإدارة العامة، والحكومات المتعاقبة اعتمدت على مر العقود الماضیة على فكرة الدولة الرعویة بل وحتى الھبات والعطایا، فیما بات الوضع الیوم لا یساعد على بقاء ذات النھج دون التركیز على النمو الاقتصادي الحقیقي والإنتاج والشفافیة والحاكمیة.
لطالما حذر أنصار الدولة العصریة المدنیة، دولة المؤسسات وسیادة القانون وتكافؤ الفرص والمواطنة والعدالة والحاكمیة من الطریقة التي تعاملت بھا الحكومات المتعاقبة، كما حذّر البعض من مواصلة سیاسة الھبات والعطایا باعتبار أن تلك الطرق لا یمكنھا بناء الدولة، وإدامة استمرارھا وازدھارھا، فالدول تبنى بسیادة القانون وبروح المدنیة والعصریة والمواطنة والعدالة وبالتنمیة الحقیقیة ودولة الإنتاج والحاكمیة ولیس بأي شيء آخر.
الأزمة المعقدة التي نلمسھا الیوم لیست بحاجة لحلول سحریة أو مصباح علاء الدین بقدر حاجتھا لإطار وعقد اجتماعي نلتف حوله، عنوانه الإصلاح والدولة العصریة التي تعتمد مكافحة الفساد، فالتعیینات خارج الإطار القانوني فساد، والواسطة والمحسوبیة التي تھدم حقا وتقدم باطلا فساد، وسھولة التطاول على المال العام فساد، وتقدیم المعارف والأصحاب والأصدقاء فساد، والمحاصصة والمطالبة بھا فساد، وتدویر ذات الأشخاص على أكثر من موقع مختلف فساد، والتأثیر على قرارات الحكومة أو النواب أو مصادرة الرأي الآخر فساد أیضا.
عملیا، الحل یكمن في معالجة كل الاختلالات التي ذكرت آنفا، والتسلیم أنھا موجودة والبحث خارج الصندوق التقلیدي عن أشخاص لدیھم القدرة على القیام بالمھمة دون وجل أو ارتجاف، والطلب من كل أجھزة الدولة عدم التأثیر علیه أو التدخل في عمله، والاتفاق على قانون انتخاب حقیقي لا ینطلق من خلفیات مرتعبة أو عقلیات محافظة تعتقد أن عدد المواطنین ما یزال ملیونین ونصف الملیون نسمة حتى الیوم.
البحث خارج الصندوق التقلیدي ھو المخرج وھو مربط الحل لدینا، والاعتماد على الذات یقصر المسافة ویقرب الثقة بین المسؤول والمواطن، ویعزز فكرة الوصول للتشابك الإیجابي بین الحكومات والشعب، فكلما اقتربت الحكومات من طموح شعبھا كلما ارتفع منسوب الثقة والتفاؤل.
المؤمل؛ أن نقر بما نعاني منه ونقتنع أن حجم التذمر بات مرتفعا، وتسمعه في كل المجالس الخاصة والعامة، وھذا یتطلب منا البحث خارج الأطر التقلیدیة المعتادة، فالأردن فیه الكثیر من الرجال الذین یملكون رؤى وأفكارا یمكن الاستماع لھا وتجریبھا في حال آمنا أن الأردن للجمیع، وأن من حق الجمیع إسماع وجھة نظرھم، وأن سیاسة الإقصاء لا تفید ولا تبني أوطانا، وأن تجریب المجرب والبحث في ذات العلبة التي بحثنا فیھا ما یقرب من نصف قرن ویزید لن
ینتج حلولا جوھریة، ولن تعید الثقة للمواطن الذي بات یرى ویسمع یومیا حالات تطاول على الدولة تنذر باختلالات جوھریة.
لیس بالضرورة أن تكون رحلة البحث المقصودة ھي البحث عن رئیس حكومة جدید وإنما المقصود البحث خارج الإطار التقلیدي الذي اعتدنا علیه، وتقریب كل أصحاب وجھات النظر والاستماع منھم وتعزیز الاشتباك الإیجابي معھم. (الغد)