أشهد يا شربل انك فدائي حر
جهاد المحيسن
20-08-2009 10:04 PM
بالأمس الأول أبنا "الفدائي" شربل الهلسا"، وقد فاتني سابقا حضور الجنازة التي وصلني خبر وفاته من رسالة على الهاتف الخلوي من الصديق الدكتور امجد النواس يخبرني فيها بموت غيفارا الأردن، كنت قد قطعت شوطا بعيدا خارج حدود الوطن ، وابتلعت ريقي ومضيت في طريق سفري .
لم أكن أود الكتابة عنه لا لسبب غير أن الكتابة عن صديق تكون منحازة بالضرورة لما يثير الحزن واجترار بعض من الذكريات علٌ فيها شيء يسري عن النفس ، ودوما الذي يمنعني من الكتابة السؤال المصحوب بالحسرات التي تدمي القلب لماذا لا نكتب عن رموزنا في السياسية وفي الأدب وفي النضال وحتى عن أحبابنا لا بعد الفقد؟ هل هو الخوف من فقدهم فلا نكتب عنهم لا بعد أن يصبح فقدهم حقيقة تعصر القلب حزنا وتدمع العين الزجاجية من كثرة الفقد؟ ماذا أقول لأحبتنا الأحياء عنهم ؟ وماذا أقول عن أحبتنا الأموات فيهم ؟
في مشهد التأبين كما قيل لي عن مشهد الجنازة كان الحضور مهيبا وعلى الصوت من المتحدثين أن لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة ، وزاد الحزن في حزنا ولملمت بعض من ذاكرتي وجلست بعيدا عن القاعة المحتشدة بالجماهير فلسطينيون وأردنيون وأردنيون وفلسطينيون شيوخا وشبابا في كرنفال ثوري مهيب غاب عن منذ زمن.
مشهد يعيد للأذهان إلى الأيام التي يلتحم فيها الشعب من اجل فلسطين والأردن على حد سواء كما هو قدرهم رغم انف كل من يحاول أن يقول غير ذلك، أو أن يسعى لفعل يهشم هذا البناء الذي وحدته فكرة التحرير من البحر إلى النهر، القدر الذي يؤمن بان المقاومة هي التي توحد الشعوب نحو مصيرها المحتوم لدحر الاحتلال، تلك الأيام الخوالي التي عكر صفوها اليوم الاتفاقيات والمؤامرات والحسابات المصلحية على أسس إقليمية، أعادها الفدائي" شربل" بكل قوة إلى عصرها الذهبي في تلك اللحظة التي كاد أن تعصف بنا الأنواء وتميتها!
ووقفت مع عصام حدادين الأب الروحي للجميع الذي نلجئ إليه في عسرنا ونهجره في يسرنا والضحك يملئ فمه حزنا "هه هي جهاد" ، عصام هو من عرفني بالفدائي شربل منذ ما يقارب على عقدين من الزمان ولم يكن شربل الوحيد بينهم بل عرفت من خلاله عدد من الفدائيين الأطهار، وأخذت اقلب كتاب الشهادات التي كتبت في شربل وعنه وأصابتني الغصة في الحلق لكل ما قرأت ، كم نحن نحب أحبتنا عندما يموتون وننساهم في حياتهم،ثمة سر في ذلك يوحي بمزيد من الحزن ولكني لا اعرف كيف أفصح عن ذلك!
ووقفت عند شهادة الصديق محمد عمر ، ولا اخفي أني حبست عبرتي عندما قرأتها ، وعادة بي الذاكرة إلى الوراء أعواما عديدة ،إلى بيروت وإلى مخيم مار الياس تحديدا عندما كان نلتقي شربل وأنا في بيت الصفيح الخاص بماهر اليماني في المخيم وكان دوما في كل جلستنا تحلق أطياف عصام حدادين ولؤي الدباغ في كل موضوعة تطرح .
وكنا نضحك كثيرا ونحكي كثيرا ونداعب الصديق ماهر اليماني أن الطفايلة والكركية سوف يحررونها من شرق ، وأنكم انتم الفلسطينيون قد دخلتم جحر الضب ، ويرعد ويزبد ماهر ويشتم ويتهم، ويردد شربل مقولته الشهيرة اسمع " ال ق و ا د" يشتمنا هاي عادتكم تتعقدوا أنا جواسيس ، ونبقى لساعة متأخرة في حديث نسجته دماء المقاومين على مرمى حجر من فلسطين في زمن العزة.
ثم انسل من بينهم عائدا لبيتي في منطقة الجامعة العربية فأنا لم آلف المبيت في بيوت الصفيح كم آلفوه ولم تلتصق يدي برشاشها من البرد على خط النار كما التصقت أيديهم كنت اسمع منهم ومن أخي محمد ما يقولون عن البرد الذي يتسلل إلى العظم في انتظار قدوم العدو وهم على الثغور مرابطون، والحنين في عيونهم لعودة تلك الأيام التي حسبت لهم وبقوا أوفياء لأردنهم وفلسطينيهم وعروبتهم ، وجلل الطهر الثوري جباههم .
وامضي لنلتقي صباحا في مكتب الدكتور حسين أبو النمل الذي لا يمل من التهكم على ما آل أليه الوضع العربي والفلسطيني وببحة شربل المعهودة شفت جهاد شو سوا في المركز الثقافي اللبناني "بيقول لشفيق الحوت في الندوة التي تتحدث عن التاريخ الفلسطيني القديم أن العرب والفلسطينيين قد دخلوا لعبة التاريخ الصهيوني دون وعي وأصبحوا يؤرخوا لفلسطين منذ العصور القديمة وان هوية المنطقة لم تتلبور في إطارها السياسي والاجتماعي لا بعد الفتح العربي الإسلامي، ويعبس حسين أبو النمل ويقول آه مو جهاد أستاذه مسعود الضاهر وبكره بس يرجع على الأردن بيجي وزير داخلية زبط علاقاتك معه يا ماهر مشان تدخل الأردن ويضحك الفدائي شربل مش قلتلك بيقولوا عنا جواسيس.
العبارات التي أبكتني عندما قرأت ما كتب محمد عمر انه سحبني رغم انفي للحديث عن شربل الفدائي قائد الكتيبة الطلابية التي صمدت مع قلة قليلة لمدة تزيد عن عشرة أيام في معركة الجبل في لبنان وتم أسره من قبل قوات الاحتلال وزج بشربل في سجن مجدو في فلسطين المحتلة عام 48 ليعود إلى معسكر أنصار الذي بناه المحتل الإسرائيلي ويبقى في الأسر حتى نهاية عام 1983.
تلك العبارة التي أفصح عنها محمد عمر كان شربل يتندر بها في بيروت والتي أبكتني في زمن الردة وزمن الفقد للعظام " أن الرفاق الفلسطينيين الذين ينظرون بريبة إلى الرفاق الأردنيين ، وكان" المرتابون" هؤلاء لا يريدون تصديق وجود عدد كبير من الرفاق الشرق أردنيين في صفوف فصائل فلسطينية ويعتقدون أنهم "مندسين" آو "مدسوسين" على الفصائل الفلسطينية" المعقمة"،كان البعض لا يتوانى عن اتهام الرفاق الشرق أردنيين بأنهم مخبرين ،ومع ذلك تساقط الرفاق الفلسطينيون "الانقياء" ، وباع منهم من باع نفسه لكل من دفع ويدفع،هنا وهناك وبقي الرفاق "المخبرين" على دربهم ، ودفعوا ولا يزالون يدفعون ثمن قناعتهم .......... كان لشربل أو عصام أو ضرغام أو حازم أو لؤي أو جهاد أو ........ فرصة ذهبية أن يبيعوا أنفسهم استنادا إلى تاريخهم وأسمائهم..".
عليك اللعنة يا محمد عمر كم ذكرتنا بالوفاء لفلسطين والأردن ولشربل والرفاق المفرقون هنا وهناك بحكم الردة، ولا زلنا نحذر القنص!رغم انفنا يا محمد سنكتب عن شربل وعن كل كف وضعت يدها على السلاح ، ونغني دونما خجل
" فدائي فدائي فدائي يا أرضي يا أرض الجدود
بعصف الرياح ونار السلاح
وإصرار شعبي لخوض الكفاح
فلسطين داري فلسطين ناري
فلسطين ثأري وأرض الصمود
فدائي فدائي فدائي يا أرضي يا أرض الجدود .
هكذا كان شربل وفيا لتاريخه وفيا لفلسطين من البحر إلى النهر وفيا للأردن وفيا للكرك وفيا للطفيلة منحازا للفدائي الذي يعيش في وجدانه ، على روحك السلام يا مشعل ، ومن القلب أقول لك على الاوف مشعل ، لكم كنت أنت يا شربل ويا عصام و يا لؤي أصدقاء افخر بمعرفتهم ولا زلت تلميذا لمدرستكم التي تتسم بالطهر والعفة والرضا، والانحياز للوطن .
Jihad.almheisen@alghad.jo
عن الغد.