دعونا ننثر الرمال فرص عمل فقط .. !
حسين الرواشدة
20-02-2019 12:53 AM
هل تذكرون حملة «لننثر الرمال ذهبا « التي اطلقتها سلطة منطقة العقبة بكلفة بلغت نحو «6» ملايين دينار قبل تسع سنوات ..؟
بعد عام واحد على تلك الحملة (ايلول 2012) شهدت العقبة ثلاث حالات انتحار : احداها لشاب صاحب بسطة احرق نفسه في الشارع، والثانية لثلاثة شبان صعدوا على مئذنة لاحد المساجد وحاولوا الانتحار، اما الثالثة فكانت لشابين اشعلا النار بنفسيهما احتجاجا على ظروفهما المعيشية.
لا يوجد لدي اي تعليق على هذه المقاربة، لكن ما دفعني الى التذكير بها مسألتان : الاولى الرحلة «الصعبة» التي قام بها مجموعة من الشباب العاطلين عن العمل (عددهم نحو 70 شخصا)، هؤلاء تجرأوا على كسر حاجز الصمت وقرروا الانطلاق مشيا على الاقدام من العقبة الى عمان (330كم) احتجاجا على عدم وجود فرص عمل لهم هناك .
اما المسألة الاخرى فتتعلق بحوار طويل اجرته وكالة الانباء الاردنية الرسمية قبل عام مع رئيس مجلس مفوضي سلطة
العقبة الاقتصادية ( لاحظ الاقتصادية)، كان عنوانه «العقبة قصة نجاح»، وفيه يسرد ما تحقق من انجازات على مدى 18 عاما، حين قرأت المقابلة تصورت اننا في مدينة اصبحت «مكتفية» تماما، ولا يحتاج ابناؤها والمقيمون فيها الى اي مساعدة ولا يعانون من اي فقر، وكيف يحتاجون ومدينتهم -كما ذكر -تحتضن ما يزيد على 20 مليار دولار استثمارات موزعة على كافات القطاعات الحيوية بما يعني انها يفترض ان توفر آلافا من فرص العمل ناهيك عن الخدمات الاخرى الضرورية.
لكي اتعمق في الفكرة اكثر، عدت الى «البرنامج التنموي» لمحافظة العقبة الذي اصدرته وزارة التخطيط (2013-2016) فوجدت ان المحافظة تتربع على مساحة تبلغ (6904 كم) وتشكل نحو (7.7 %) من مساحة المملكة، وجدت ايضا ان عدد سكانها يبلغ (139 الفا) بما نسبته (2.2 %) من عدد سكان المملكة، وجدت ثالثا ان نسبة الفقر فيها «تبعا لمسح نفقات ودخل الاسرة 2010» بلغت (19.2 %) مقارنة مع (14.4 %) على مستوى المملكة، حيث بلغ عدد الفقراء فيها نحو 26 الفا يشكلون ما نسبته 3 % من اجمالي عدد الفقراء في المملكة، واعلى نسبة منهم يسكنون في وادي عربة والديسة والقويرة.
اذا دققنا اكثر في هذه الارقام ( وهي رسمية)، ناهيك عن المسكوت عنه، سنكتشف ان العقبة الاقتصادية التي كان يفترض ان تكون نموذجا للتنمية تتربع على قائمة المناطق الفقيرة والاقل حظا في المملكة ( ارجو ان لا تسألني لماذا..؟ فانا حقيقة لا اعرف)، سنكتشف ثانيا ان المليارات العشرين التي احتضنتها للاستثمار لم تصل «خيراتها « لجزء كبير من سكانها، وخاصة في الالوية والاقضية التابعة لها، ولا للشباب الذين ما زالوا يبحثون عن فرص عمل تضمن لهم الحياة الكريمة، ثم سنكتشف ثالثا ان «صرخة» هؤلاء الشباب الذين غامروا بارواحهم في هذا الشتاء القارص لايصال صوتهم الى المسؤولين في العاصمة تكفي لفهم واقع المحافظة، ليس من خلال لغة الارقام الصماء التي يتقنها بعض المسؤولين على شاشات العرض، وانما بلغة «الوقائع» التي تتحدث بنفسها ولا تحتاج الى ترجمة.
لدي سؤال واحد اترك الاجابة عنه للمسؤولين في بلدنا، وهو : هل نحتاج الى صرخات اخرى بعد كل هذه الصرخات التي سمعناها، سواء عبر موجات الانتحار، او عبر المشي على الاقدام مئات الكيلومترات، او عبر ارقام البطالة والفقر او الاحتجاجات والاعتصامات ..؟
رجاء: اذا كنتم تريدون استعادة ثقة الناس بما تنثرونه من رمال على امل ان تتحول الى ذهب .. قدموا لهؤلاء الشباب اجابات مقنعة بدل الوعود التي سمعوها على مدى السنوات الماضية ولم يتحقق منها الكثير.
الدستور