ماذا يعني مبدأ قوة القضية المقضية؟
أ.د نفيس مدانات
19-02-2019 11:00 AM
ماذا يعني مبدأ قوة القضية المقضية؟
يعني بأن الحكم الذي تطبق عليه قد أصبح نهائياً وقابلاً للتنفيذ.
إن قوة القضية المقضية هي قاعدة متلاحمة تماماً مع تلك التي ترى فقط إن ماله قوة القضية المقضية هي الأحكام النهائية.
وتتشعب آثار قوة القضية المقضية حسب نموذج العلاقات التي تطبق عليها، وترتد الى مضمون نفس المبدأ وهو الذي يغطي مفهومين متميزين هما:
1- السلطة النسبية للقضية المقضية، فلا تحصل الا تجاه من كان هدفاً للحكم: مثال ذلك:
ⅰ- فيجب أن يكون الشيء المطلوب هو نفسه
ⅱ- والطلب يجب أن يكون على نفس السبب
ⅲ- وأن يكون بين الأطراف وتكون منها
ⅳ- وتطبق ضمن إطار النزاع الشخصي
2- السلطة المطلقة للقضية المقضية
وتتضمن أن قرار القاضي يفرض على الغير الذي لا وجود له في الدعوى. وتطبق ضمن إطار النزاع الموضوعي
3- ومبدأ قوة القضية المقضية يتضمن بالنسبة
أ- لمحكمة أخرى بأن ما جرى الحكم به لا يمكن إنكاره أو الإحتجاج عليه من قبل قاض آخر.
ب- وبالنسبة للأطراف تجبرهم على أن ينفذوا القرارات المتخذة في مواجهتهم.
4- إن مسألة تنفيذالقرارات لا تعرض في الحقيقة الا عندما تكون الإدارة بمعناها الواسع وهي الحكومة والإدارة بمعناها الواسع هي الحكومة.
تنفيذ أحكام القاضي الإداري في القانونين الفرنسي والألماني
إن تنفيذ قرارات القاضي الإداري، لأمر بديهي: لأنها قرارات عدالة كبقية قرارات العدالة الأخرى، بدون شك، أنها تصدر في مواجهة أحد أجهزة السلطة التنفيذية، لكن اليس هناك فصلاً للسلطات؟ في الواقع، إن أحكام القاضي الإداري لها في نفس الوقت قوة القضية المقضية وقوة التنفيذ.
ومع ذلك، فإن صعوبات وضعها موضع العمل هي عديدة. وهي ترتد الى أن الإدارة تعتبر بأنها تعمل في مصلحة الجميع وأنها قد طالبت بنجاح إمتيازات متعددة تقف في وجه التطبيق الصرف والبسيط للقواعد المطبقة على العدالة المدنية. إن هذه الملاحظات تخص أيضاً بلاد ال (Common law) بريطانيا، التي توكل مبدئياً النظر في المنازعات الإدارية الى قاضي ال(Common law) القاضي العام. وفي بلدان القانون الروماني، العقبات هي أيضاً أكثر أهمية، لأن السلطة التنفيذية كانت دائماً تحاول أن تتماثل مع الدولة. أيضاً من المناسب أن نميز من بين هذه الدول، تلك التي أنشأت العدالة الإدارية في داخل السلطة التنفيذية، مثل فرنسا وتلك التي أنشأتها في داخل السلطة القضائية المدنية، مثل المانيا.
وفي فرنسا، نجد أن العدالة الإدارية كانت قد تطورت في ظل النظام االقديم في ظل الملك، الم تكن التشكيلات التي كانت مدعوة للنظر في المنازعات الإدارية قسماً من مجلس الملك والهيئات الموضوعة لدى كل واحد من مدراء الإدارة؟ واليوم أيضاً فإن مجلس الدولة والمحاكم الإدارية التي أصلها مجالس المحافظات القديمة تعتبر كأنها قسماً مكملاً للسلطة التنفيذية، مع أنها تحكم بالعدالة بكل إستقلالية. وهذا الإنتماء للسلطة التنفيذية لم يكن متناسباً مع منح إمتيازت على نحو القضاء المدني، مثل سلطة الأمر بالتنفيذ الجبري للقرارات والأحكام. ولهذا السبب فإن التقنيات المستخدمة لضمان إحترام هذه كانت لمدة طويلة ذات صفة إختبارية ومقسمة؟ وفي النهاية، الكل يستند على السلطة الأخلاقية لمجلس الدولة، الذي كان ، كما نذكر القاضي الوحيد قاضي القانون العام في الأمور الإدارية حتى عام 1954. وهذا فقط منذ بضع سنوات فقد ظهرت تقنيات مستعارة من القانون المدني، مثل القسر، لكن هناك أساليب ذت صفة غير قضائية قد تطورت أيضاً معها، بحيث أن النظام الفرنسي يبدو اليوم أيضاً، لأنه نتيجة للصدف التاريخية أكثر من أنه تركيب منطقي ومتلاحم تماماً.
لكن المانيا كانت قد تبعت طريقاً مختلفاً تماماً. حيث أنها وجدت نفسها عند ملتقى تأثيرين الإنجليزي والفرنسي، وكانت في البداية قد أظهرت تفضيلها لمبدأ القاضي المدني، قاضي القانون العام للدعوى الإدارية. ثم إعتباراً من عام 1863، قد أنشأت قضاء خاص في المسائل الإدارية، التي خلافاً لمجلس الدولة الفرنسي لم يكن له ابداً صلاحيات إستشارية، وبذلك كان قد ابتعد تدريجياً عن الإدارة الفاعلة.
وعلى وجه الخصوص، فإن المفهوم الشخصي للدعوى الإدارية الألمانية، الدعوى بين الأطراف، قادت بسرعة هذا القضاء الى أن يتبنى أكثر فأكثر أساليب القضاء المدني. إن الإرادة للعمل ضد الدكتاتورية النازية قد أدت بواضعي الدستور للجمهورية الإتحادية الألمانية الى تجاوز خطوة جازمة في عام 1949، والقضاء الإداري يبقى متميزاً عن المدني والجزائي، لكنه أصبح من الآن فصاعداً جزءاً من نفس السلطة، سلطة القضاء المدني. وهذا القرار المبدئي، ذو الصفة أساساً رمزية، قد أدى الى التسارع في التطور والنظام الألماني الحالي قد قارب بشكل ملحوظ هذين الصنفين من القضاء بحيث أن الفصل الثامن من كود الإجراءات المدنية، المتعلق بتنفيذ الأحكام، قد أعلن أنه طبق فيما عدا الإستثناءات، على العدالة الإدارية بموجب الفقرة (167) من قانون عام 1960 على المحاكم الإدارية ولهذا السبب أن الأساليب التي تسعى لضمان تنفيذ الأحكام الإدارية هي، في المانيا، ذات صفة قضائية. وسنرى مع ذلك، أنه لا زال هناك نواقصاً، لكون القرار الإداري ليس قراراً قانونياً كبقية القرارات.
ولكي لا تبقى قرارات القاضي الإداري حبراً على ورق، نجد أن النظام الفرنسي والنظام الألماني قد سعوا في نفس الوقت لوضع وسائل وقائية إحترازية، ووسائل قسرية، ووسائل قمعية وردعية.
فالوسائل الوقائية الإحترازية أولاً: فينبغي أن تكون الإلتزامات الواقعة على الإدارة من قرار عدالة إدارية في آن واحد سهل تحقيقها وقطعية تماماً. وسنرى بأن كلا النظامين الفرنسي والألماني، كانوا بالتأكيد قد تناولا هذه المسألة، ولكن لم يكن حلها كاملاً. والحالة هذه، فإن حل هذه المسألة على أهمية كبيرة.
ثم القسر: فالإحتمالية العارضة من جانب الأجهزة الإدارية لتنفيذ قرارات القاضي يجب أن يكون بالإمكان تحطيمها. فالقانون الألماني، كان الأول في معالجة هذه المسألة، ومنذ بضع سنوات، كان القانون الفرنسي قد سلك بنفس الطريق. وسنرى أيضاً أن هناك لا زال نواقصاً في هذا المجال، إما بفعل عدم الدقة أو بسبب إتساع الإلتزامات على عاتق الإدارة، أو بفعل الإمتيازات التي لا زالت تتمتع بها الإدارة. وأخيراً الردع: وإذا لم يتم التغلب على المقاومة في مهل معقولة، يجب تدخل عقوبات. وأنه من الصعب تنظيمها وهي أيضاً لا زال فيها ثغرات، سواء في فرنسا كما في المانيا، ومع ذلك، تحاول غالباً أن تتطور، كي يكون وجودها لوحدها محركاً للمسؤولين على إحترام قوة القضية المقضية.
وسندرس أولاً الوسائل الوقائية الإحترازية (La Prévention)
الوقاية والإحتراز من عدم تنفيذ قرارات القاضي الإداري
إن معظم حالات عدم التنفيذ ليس مردها إرادة عمدية لإنكار سلطة قوة القضية المقضية، لكن على الأغلب الصعوبات التي تواجه الإدارة في تنفيذ الأحكام. وهذه الصعوبات هي بشكل رئيسي إثنتين: من جهة، في الغالب أنه صعب، وحتى شبه مستحيل، إزالة تماماً الوضع الذي أنشأه القرار الملغي، ولهذا ومن أجل تجنب هذه العقبة نجد أن هناك تطوراً للحماية المؤقتة للمتداعين، ومن جهة أخرى فإن الإلتزامات التي تقع على عاتق الإدارة ينقصها في الغالب الدقة، حتى ولو أن جهوداً قد بذلت لتحديدها بحزم، وهذا من أجل إعلام السلطات المسؤولة. وسنعالج هاتين المسألتين كل على حدى.
الحماية المؤقتة للمتداعين
بالتأكيد، ومن الناحية النظرية الصرفة، تنتج أحكام الإلغاء بنفسها كل آثارها: فالقرار الملغى يزول وبأثر رجعي. إذن ليس هناك حاجة، بحصر المعنى، لوسائل تنفيذ. لكن، إذا كان القرار الملغى قد تم تطبيقه في الوقت الذي جرى بين وقت إصداره ووقت الغائه، يصبح في الغالب من الصعب جداً، بالنسبة للإدارة، أن تستخرج النتائج المنطقية لهذا الإختفاء بأثر رجعي. في الحقيقة، ليس من السهل، أن نصعد في الزمان وأن نزيل بأي شكل وقائع قد حصلت فعلاً. ولهذا نجد الإدارة تحاول أن تثير هذه الصعوبات، القريبة من المستحيل المطلق، من أجل أن لا تنفذ الحكم، وحتى أيضاً، كما يحصل في فرنسا، حيث تطلب قانوناً يقرر شرعية القرار الملغي.
ولهذا نجد أن المشرع الألماني قد فرض في عام 1960، مبدأ الأثر الموقف لدعوى الإلغاء والدعوى الإدارية التي تشكل السابق الإلزامي. وحسب إجتهاد المحكمة الإدارية الإتحادية، أن الأثر الموقف يقصد بقدر أقل القرار نفسه وإنما يقصد بشكل أساسي نتائجه، مثلاً بصورة أقل العزل للموظف ولكنه يقصد القرارات التي تتبعه مثل إيقاف الراتب أو منعه من ممارسة الوظيفة. ومثل القرارات السلبية، أي التي ترفض أن تمنح ميزة تم طلبها، لا تؤدي الى وسائل تابعة في العادة لتوضع موضع العمل، فهي لا يخصها الأثر الموقف.
ومن الواضح، أن الأثر الموقف ليس عاماً ولا مطلقاً. فمن جهة، القرارات المستعجلة لسلطة الضابطة، وقرارات الإدارة الضريبية غير خاضعة له. ومن جهة أخرى، باستطاعة الإدارة إستبعاد الأثر الموقف بقرار لها معلل (عندما تتطلب المصلحة العامة أو المصلحة الكبرى لحزب تنفيذاً مباشراً للقرار). ومع ذلك، وعندما يستبعد الأثر الموقف بالقانون أمر من الإدارة، فإن المحكمة الإدارية المختصة للحكم بالأساس في الدعوى يمكنها أن تأمر بوقف التنفيذ بطلب من المستدعي. وبحسب الإجتهاد، يجب أن تأمر به في كل مرة يكون نجاح الدعوى أيضاً محتملاً أكثر من فشلها و أن تنفيذ القرار يسبب أذى هاماً للمستدعي. وبالرغم من هذا التفسير الواسع لسلطات القاضي الا انه لم يذهب الى حد شل عمل الإدارة، كما أن غياب تنفيذ العديد من القرارات الإدارية المحتج عليها أمام القضاء كان له بدون شك كأثر بأن جعل أقل حدة مسألة تنفيذ أحكاماً تم الغاؤها بأثر رجعي.
وفي القانون الفرنسي، ليس فقط قاعدة الأثر الموقف لم تدخل فيه، لكن أيضاً التشريع المتعلق بوقف التنفيذ كان قد تم تفسيره بشكل مقيد جداً من قبل مجلس الدولة الفرنسي، بالرغم من جهود المحاكم الإدارية لتبني موقفاً أكثر ملائمة للمستدعي. والمشرع من جانبه، كان حديثاً قد ضاعف الحالات التي يكون بها منح وقف التنفيذ خاضعاً لشروط أقل شدة بشكل واضح. سواء أكان طلب وقف التنفيذ من أحد الخاصة أو من قبل المحافظ بمناسبة طلب الغاء قرار إحدى الجماعات المحلية (وهنا وقف التنفيذ خاضع فقط لجدية الوسائل المذكورة). وعلاوة على ذلك، نجد مجلس الدولة الفرنسي يعترض مراراً على تنفيذ قرارات المحاكم الإدارية التي تلغي القرارات الإدارية، والتي يطعن بها إستئنافاً أمامه، حيث يحكم بوقف تنفيذها. وإن سلوك مجلس الدولة الفرنسي هذا كان هدفاً لنقد لاذع في فرنسا، لأنه كان يؤدي الى ضعف السلطة الأخلاقية للقضاة الإداريين في الدرجة الأولى من المحاكم الإدارية.
تحديد آثار الأحكام
في بعض الأحيان، حتى عندما يكون صادراً عن إرادة حسنة، نجد أن السلطة الإدارية تتجاهل الإلتزامات الدقيقة التي تقع على عاتقها من جراء قرار قضائي يخطئها، والقانون الفرنسي والألماني قد سعيا لتحسين هذا الوضع، لكن هذه الجهود لا زالت غير كافية، حتى في المانيا حيث أنها كانت متقدمة.
وفي فرنسا، الوضع بسيط، لكنه لا يتجاوب بشكل كاف مع تنفيذاً جيداً لأحكام قاضي تجاوز السلطة. وفي الحقيقة، القرار المطعون به، مهما كان سواء صريحاً (إيجابياً أم سلبياً) أوضمنياً (كقاعدة عامة، التزام الصمت مدة أربعة أشهر تبعاً لاستدعاء يتضمن طلباً) يلغي بكل بساطة، والقاضي هنا ليس ملزماً بأن يحدد النتائج التي تترتب على هذا الإلغاء. ومع ذلك، فهو يفعل ذلك في بعض الأحيان، كما فعل ذلك في حكمه الشهير (Rodière) الصادر بتاريخ (26/12/1925)، لكن هذه الحالات نادرة جداً في الواقع العملي، لأن مجلس الدولة الفرنسي يرغب في عدم توجيه أوامر الى الإدارة، ولا أن يحل محلها في إتخاذ القرارات الإدارية.
ولمعالجة هذا الوضع، نجد أن القانون الفرنسي، رأى بأن يلجأ الى أساليب خارج القضاء والتي تكشف استعمالها أنها فعالة جداً.
في الدرجة لأولى، وحسب المواد (58) من المرسوم الصادر بتاريخ (30/07/1963) و (23 مكرر) من المرسوم الصادر بتاريخ (28/11/1953) قد أدخل في هذا المرسوم بموجب مرسوم صادر بتاريخ (28/01/1969) ما يلي: (الوزراء ذوي العلاقة لهم الصلاحية أن يطلبوا لمجلس الدولة بأن يوضح للإدارة أشكال تنفيذ حكمه)، أو حكم محكمة إدارية. ونلاحظ أن هذه الإمكانية لم تعط الا للوزراء وليس لأجهزة الجماعات المحلية، وهذا شيء مؤسف. وفي هذه الحالة، نجد أن القسم المسؤول عن التقرير والدراسات في مجلس الدولة يجب أن يحضر توصيات حول طريقة تنفيذ أحكام المحاكم.
كذلك، نفس النصوص تسمح لنائب الرئيس في مجلس الدولة الفرنسي أو لرئيس قسم المنازعات القضائية بأن يراجعوا أيضاً قسم التقارير والدراسات بخصوص مسألة تنفيذ حكم، على الأقل إذا كان صادراً عن مجلس الدولة الفرنسي نفسه (م / 58/ من مرسوم صادر بتاريخ 30/07/1963). ومع ذلك، في العمل، هاتين الإمكانيتين نادراً ما كانت توضع موضع العمل.
وبالمقابل، والإمكانية الثالثة وهي مستخدمة بكثرة، والتي تجعل قسم التقارير والدراسات في مجلس الدولة الفرنسي يتدخل بكثرة، في الحقيقة، حسب المادة (59) من المرسوم (30/07/1963) والمادة (23) من المرسوم الصادر بتاريخ(28/11/1953) قد أدخل في هذا المرسوم بموجب المرسوم الصادر بتاريخ (28/01/1979).
و ( المدعين بإمكانهم، عند إنتهاء مهلة ثلاثة أشهر ابتداءً من التاريخ الذي به كان قراراً قد منحهم طلبهم، ولو جزئياً، قد تم تبليغ أوإعلام قسم التقارير والدراسات بالصعوبات التي تواجههم من أجل الحصول على تنفقذ هذا القرار). إن سريان مهلة ثلاثة أشهر ليست مطلوبة بالنسبة للقرارات التي تأمر بوقف التنفيذ، وهذا الإستثناء يبرره طبعاً حالة الإستعجال المتعلقة بكل قرار وقف التنفيذ. إن عدد الطلبات التي تم تقديمها لهذا القسم في مجلس الدولة الفرنسي لا يستهان بها. (534) في عام 1986، و (432) تتعلق بتنفيذ أحام المحاكم الإدارية و (71) تتعلق بتنفيذ أحكم صادرة عن مجلس الدولة الفرنسي. وبشكل عام، فإن الطلبات المقدمة على هذا النحو أمام مجلس الدولة الفرنسي قد أدت الى تسويات مقنعة للقضايا في مهلة في متوسطها تسعة شهور ونصف عام (1986) وثائق مجلس الدولة الفرنسي لعام 1987 ص 193.
إن نجاح هذا الإجراء الذي هو المطالبة غير القضائية لهو الدليل الواضح على أنه، بدون الإستعانة بهذه التوصيات من جانب أعضاء مجلس الدولة، لكانت الإدارة تتجاهل مراراً معرفة المدى الصحيح لإلتزاماتها التي يفرضها عليها الحكم. ولحد ما، إن النظام الألماني مقنع أكثر من النظام الفرنسي. ومع ذلك فهو لا زال غير كاف، لأنه إذا كان يلزم القاضي أن يحدد بنفسه مدى أحكامه في عدة حالات، لكنه لا يفعل ذلك في حالات أخرى، وهذا النقص لا يمكن سده باللجوء الى إجراءات غير قضائية كما هي الحال ممكنة في فرنسا.
إن قانون عام 1960، بخصوص المحاكم المدنية قد قصد أنشاء دعويين متميزتين:
الأولى: دعوى الغاء قرار إداري
والثانية: دعوى إصدار قرار إداري
وفي حالة النجاح، فإن دعوى الإلغاء التي هي في العادة موجهة لقرار إداري يفرض التزاماً على المدعي، تؤدي الى الغاء للقرار المطعون به: ومثل دعوى تجاوز السلطة الفرنسية، والحكم الصادر له في هذه الحالة، أثر نقض بسيط.
وعلى العكس، ودعوى إصدار قرار إداري، والتي هي في العادة موجهة إما ضد رفض، أو ضد سكوت، تؤدي في العادة الى أمر من المحكمة موجه الى السلطة الإدارية، لكي تتخذ قراراً يأخذ بعين الإعتبار الافكار القانونية المذكورة في الحكم: فإذا كانت الوقائع قائمة تماماً وصلاحية السلطة الإدارية مقيدة، فإن الحكم نفسه يمكن أن يأمر السلطة الإدارية أن تتخذ قراراً له مضمون محدد. وضمن إطار هذه الدعوى، دعوى إصدار قرار إداري، فإن مدى الحكم إذن يكون واضحاً تماماً ولا يثير إذن أية صعوبة في التطبيق.
وفي هذا النظام القانوني، فإن صعوبات التنفيذ لا يمكن أن تظهر الا في حالة دعوى الإلغاء، لكن قد تم تلطيفها بناء على طلب صريح من المدعي فإن المحكمة التي الغت القرار الإداري المطعون فيه بامكانها أيضاً أن تأمر السلطة الإدارية أن تلغي بأثر رجعي الواقعية الناشئة من القرار في حالة ما إذا كان هذا القرار قد تم تنفيذه، أي في الحالة الإستثنائية أي الحالة التي لا يكون للدعوى أثراً موقفاً.
(وبناء على القانون أو قرار خاص من السلطة الإدارية {113 al.1}وعلاوة على ذلك، عندما يكون القرار الملغي يتضمن مبلغاً من المال، فالقاضي وبشكل إستثنائي له السلطة بإصلاح القرار المطعون فيه، وباستطاعته في الحقيقة، أن يعدل بنفسه مقدار هذا المبلغ {113 al.2} . إن وضع هاتين القاعدتين موضع التطبيق له كأثر أن يزيل بشكل واسع التمييز بين دعاوي الإلغاء ودعاوي الأوامر، وبهذا، إزالة معظم الصعوبات في التنفيذ التي مردها الصفة غير المحددة للإلتزامات الواقعة على عاتقه السلطة الإدارية جراء قوة القضية المقضية.
ومع ذلك نجد أن النظام الألماني، لا يتضمن دائماً كل الوضوح الضروري حول ما يجب على الإدارة أن تفعله عندما تخسر دعواها. في الحقيقة، إن النظام القضائي يستمر أن يكون بكليته مبنياً حول مفهوم القرار الإداري في حين أنه يتوجب أن يكون مبنياً حول مفهوم العلاقة القانونية. وبذلك، نجد أن مدى الحكم يستمر في الغالب أن يكون محدداً بالنسبة للقرار المتخذ، وليس بالنسبة لمجموع الإدعاءات القانونية لطرفي الخصومة.
لقد درسنا مطولاً، تحديد مدى الأحكام، لأننا مقتنعين بأن العقبات الرئيسية في تنفيذ الأحكام الصادرة عن القاضي الإداري ناتجة عن عدم كفاية تحديدها ومع ذلك يبقى أن عدم التنفيذ يمكن أيضاَ أن يكون ناشئاً عن أن الإدارة لا تريد أن تتخلى. لهذ السبب كان القسر والردع هما أيضاً ضروريان.
وسائل القسر والردع
السلطات العامة، سواء أكانت سياسية أم إدارية، تنفذ عادة قرارات القاضي الإداري عندما يكون لها حس إحترام القانون، هناك قضاء إداري يتمتع بسلطة معنوية كبيرة يفرض عادة طاعته بدون صعوبة. في الحقيقة إن الحس القانوني لدى الموظفين والمكانة الإجتماعية لدى القضاة هي بالتأكيد أهم بكثير من كل وسائل القسر والردع الموجودة في القانون. مع أن هذه الأدوات ضرورية: حتى ولو أن إستخدامها إستثنائي، لأن فقط التهديد باستخدامها يؤدي بالسلطات الإدارية الى التنفيذ السريع والكامل للقضية المقضية.
الوسائل القسرية
وفي فرنسا إن الوسائل القسرية كانت لوقت طويل لها الصفة غير القضائية:
ولهذا كان من الواجب إنتظار صدور قانون 16/07/1980 كي يكون هناك إجراءات قضائية. وعلى العكس، في المانيا إن إنشاء إجراءات من النوع القضائي قد تحقق مبكراً وأصبح كاملاً بعد دمج القضاء الإداري بالسلطة القضائية المدنية بموجب دستور عام 1949: وهذا كان أحد أغراض قانون 21/01/1960 حول المحاكم الإدارية.
وفي فرنسا كانت الوسائل القسرية لمدة طويلة لها الصفة الإدارية. وهي لا زالت لغاية اليوم كذلك في موضوع العقوبات النقدية: وفي هذه الحالة، فإن المبلغ المستحق للمستفيد من الحكم يجب أن يدفع أو أن يؤمر بدفعه خلال الأربعة أشهر التي تلي تبليغ الحكم (6 أشهر، إذا كان الإنفاق ينسب لاعتمادات محددة للدولة تكشف أنها غير كافية).
فإن لم تكن ممكنة ضمن هذه المهلة وكانت الإدارة المسؤولة هي جماعة محلية أو مؤسسة عامة، فإن الأداء يتم تلقائياً من قبل السلطة الوصائية. وإذا كانت الإدارة المسؤولة هي إحدى إدارات الدولة، فإن محاسب الخزينة يجب عليه بناء على طلب من الدائن وعند تقديم قرار الحكم أن يباشر بالأداء: والحكم عندها يعتبر مساوياً لأمر بالدفع (مادة أولى من قانون 16/07/1980).
والنهج الفرنسي يستخدم أيضاً تقنيات، مع أنها ليست إدارية تبقى خارج القضاء فتدخل الmédiateur وسيط، يشبه ال (امبودزمان السويدي) في فرنسا. حسب المادة (11) من قانون (03/01/1973) كما تم تعديله بالقانون الصادر بتاريخ (24/12/1974)، باستطاعة الوسيط (في حالة عدم التنفيذ لقرار عداله أصبحت له قوة القضية المقضية)، أن يأمر على الهيئة المسؤولة بان تمتثل له في مهنة يحددها لها)، فإذا لم تستجب الهيئة لهذا الأمر، فإن عدم تنفيذ القرار يكون هدفاً لتقرير خاص ينشر في الجريدة الرسمية. إن هذا الفشل النسبي باللجوء الى الوسيط هو الذي يفسر إدخال منهاج قضائية بموجب القانون الصادر بتاريخ (16/07/1980). وحسب المادة (2) منه ( في حالة عدم تنفيذ قرار صادر عن قضاء إداري، فباستطاعة مجلس الدولة الفرنسي، حتى تلقائياً، أن يلفظ الزاماً ضد الأشخاص المعنوية من القانون العام لضمان تنفيذ هذا القرار)، والوسيلة يمكن إتخاذها من قبل هيئة حكم أو من قبل رئيس قسم المنازعات في مجلس الدولة الفرنسي، كما أن الإدارة المتخلفة يمكن أيضاً أن تحكم بأن تدفع مبلغاً من المال عن كل يوم تأخير، سواء أكان الحكم غير المنفذ قد قرر الالغاء لقرار أو أنه قد حكم الإدارة بأداء مبلغاً من المال. والإكراه ليس (نهائياً) الا إذا قرره المجلس صراحة، والا فهو مؤقت، أي، عند الأداء الذي يحصل بعد تنفيذ الحكم ويمكن إنقاصه. والمبلغ يمكن أداء قسم منه للمدعي والقسم الآخر من المال يدفع للصندوق الذي يغذي مالية البلديات.
والمرسوم الصادر بتاريخ ( 12/05/1981) الذي أدخل المواد الجديدة (01-59-الى 5-59) في المرسوم الصادر بتاريخ (30/07/1963)، قد بين أنه بالإمكان مراجعة مجلس الدولة الفرنسي من جانب المستدعي كي يحكم باكراه، بشرط أن يكون قد مضى ستة أشهر على تبليغ الحكم الذي لم ينفذ، كذلك يرى أن هيئة الحكم المختصة بامكانها أيضاً أن تطلب من قسم التقرير والدراسات أن يوجه توصيات الى الإدارة المتخلفة عن الأداء قبل أن يلفظ بنفسه الإكراه.
وفي الواقع العملي، إن قرارات مجلس الدولة الفرنسي التي تقرر الإكراه قليلة العدد، وكما أبان كوميسير الحكومة في القضية (menneret)، إن هذا العدد المتدني ( لا يجب تفسيره على أنه علامة لقانون قد فقد هدفه). ففي أغلبية الحالات، كان الضغط البسيط بطلب الإكراه من قبل المدعي- ذو الصفة الردعية- عندما يكون مبررا،ً بجهود قسم التقرير، يؤدي بالشخص العام أثناء الإجراءات أن يجد حلاً صحيحاً للخصومة).
ومع ذلك، من المناسب أن نسجل قرار (حكماً) لمجلس الدولة الفرنسي محتج عليه بشدة إذ أنه يميل الى أن يفقد القانون الصادر بتاريخ (16/07/1980) جزءاً كبيراً من فعالية العملية. ففي القضية (دافيد David) ، فقد حكم، بما أنه لم يحتج خلال مهلة الشهرين على القرار الضمني الذي لم ينفذ قراراً قضائياً (فإن هذا يمنع، مهما كان الأمر، إصدار إكراهاً في مواجهة البلدية من أجل تنفيذ الحكم؟) وهذا طبعاً قد أثار استغراب الفقهاء لمدة طويلة للغموض في الحيثية التي قد أدت بمجلس الدولة الفرنسي لجعله غير قابل للإحتجاج في مهلة قصيرة جداً). وهذا دلاله على أن مجلس الدولة غير محبذ لإجراءات الإكراه.
ثم صدر قانون بتاريخ (22/07/1980) إذ أعطي القاضي الإدري السلطة بأن يستخدم الإكراه (القسر) ضد الإدارة . وبهذا نجد أن القانون الفرنسي قد إقترب كثيراً من القانون الألماني.
وفي المانيا، إن طرق التنفيذ الجبري منظمة بشكل بسيط لأن المشرع كان واضحاً فقد إختار التقنيات القضائية. وحسب الفقرة (167) من قانون عام (1960) حول المحاكم الإدارية، إن تنفيذ قرارات القاضي الإداري يخضع لقواعد موجودة في الكتاب الثامن من كود الإجراءات المدنية، فيما عدا الإستثناءات والتعديلات الموجودة في الفقرات التي تلي من نفس القانون (فقرات 169-172) فمثلاً، القواعد المتعلقة بإمكانيات اللجوء ضد وسائل التنفيذ الجبري بحكمها بقدر كبير كود الإجراءات المدنية.
ومن بين القواعد المخالفة لكود الإجراءات المدنية، يظهر على وجه الخصوص الفقرة (172) المتعلقة بتنفيذ الأحكام التي تلغي قراراً إدارياً تم تنفيذه وتحدد الوسائل التي يجب إتخاذها لإزالة نتائج هذا التنفيذ، وكذلك الأحكام التي تفرض على سلطة إدارية الإلتزام باصدار قرار إداري محدد أو أن تفصل طبقاً للفقه القانوني للمحكمة (على التوالي المادة (113) فقرة 1، فقرة 2، ومادة 113فقرة 4 من القانون حول المحاكم الإدارية).
وحسب هذا النص التشريعي، المحكمة الإدارية بالدرجة الأولى بإمكانها إعذار السلطة الإدارية بأن تنفذ قرار العدالة ضمن مهلة معينة تحت طائلة أداء مبلغاً، وبعد إنتهاء هذه المهلة بدون نتيجة، بامكانها تحديد مقدار المبلغ (الذي حسب الوضع الحالي للتشريع 2000 مارك الماني) وأن تأمر بوسائل التنفيذ الجبري الضرورية. أن لحكم بأداء مبلغاً بالإمكان تجديده.
وبخصوص طرق التنفيذ التي يمكن استخدامها في حالة الحكم بأداء مبلغ من المال، بما فيها الإكراه المذكور في الحالة السابقة، من ناحية مبدئية هي تلك المذكورة في كود الإجراءات المدنية، وعلى وجه الخصوص الأشكال المختلفة للحجز المنصوص عليه في كود الإجراءات المدنية. ومع ذلك، والفقرة (170) من قانون المحاكم الإدارية تتضمن بعض التخفيف. فمن جهة، يتوجب على المحكمة، قبل أن تباشر الى التنفيذ الجبري. بإعذار السلطة الإدارية بأن تنفذ التزامها في مهلة محددة التي لا يمكن أن تتجاوز شهراً. ومن جهة أخرى، لا يمكن للمحكمة أن تأمر بحجز الأملاك المخصصة للإستعمال العام، أو لمرفق عام. ومن الناحية العملية، على ما يبدو أن النظام يعمل بصورة جيدة. وفي تقرير تم تقديمه للمؤتمر الرابع لمجلس الدولة والقضاء الأعلى في المواد الإدارية في بلدان أعضاء المجموعة الأوروبية (بتاريخ 17-18/10/1974). القاضي الإتحادي (فيشر Fischer) قد كتب :(من مثل مسائل عدم تنفيذ قرار قضائي لأسباب سياسية تعرض في حالات نادره جداً، لكن عندما تكون هي الحال، فإن التنفيذ الجبري لا يصل لنتيجة دائماً). لهذا السبب يجب أن يكون هناك قواعد قانونية تنص على عقوبات في حالات خرق نهائي لقوة القضية المقضية، أو على الأقل، تأخير خطير في التنفيذ
وسائل القمع
وندركه بالمعنى الواسع، فالقمع يمكن أن يقصد إما الشخص المعنوي من أشخاص القانون العام الذي لم يف، وإما الشخص الطبيعي الذي يعمل باسمه. والعقوبات التي يمكن أن تطبق على الأشخاص المعنوية من القانون العام هي مختلفة في فرنسا وفي المانيا: ففي حين أن لها الصفة القضائية في المانيا، نجد أنها في فرنسا لها الصفة غير القضائية تارة، وتارة لها الصفة القضائية.والعقوبات ذات الصيغة غير القضائية هي إعلان رفض التنفيذ، وهي تقنية تشريعية تفترض رأياً عاماً ووظيفة عامة تتعلق بقوة باحترام القانون، وهكذا في فرنسا ، وفي التقرير الذي يقدمه مجلس الدولة سنوياً للحكومة، نجد أن قسم التقرير والدراسات في مجلس الدولة الفرنسي يذكر (الصعوبات التي تواجه في تنفيذ قرارات المحاكم الإدارية) ( م/3 من مرسوم (30/07/1963)، فمثلاً تقرير السنة القضائية لعام 1986 أظهر البطء المتطرف من جانب العديد من البلديات، ومن مستشفى، ومن وزارات الشؤون الإجتماعية، والتموين، والتعليم الوطنية، والدفاع (الدراسات والوثائق في مجلس الدولة لعام 1987 ص 193) كذلك، فإن الوسيط (médiateur) يمكنه أن ينشر في الجريدة الرسمية تقريراً خاصاً يبين فيه عدم تنفيذ حكماً بالرغم من أوامره الخاصة بذلك (حسب المادة 11 من قانون 03/01/1973 كما جرى تعديلها بالقانون الصادر بتاريخ 24/06/1976)، لكن كما سبق القول، فإن الوسيط لغاية ذلك التاريخ لم يستخدم سلطة الأمر الا مرة واحدة وبما أمره تم تنفيذه بدون صعوبة، فالقضية لم تؤد لنشر في الجريدة الرسمية.
وفيما عدا عن هذه الوسائل الإعلانية، هناك شكل حديث لعقوبة التشهير، والعقوبات الممكنة هي ببساطة تتكون من الحكم بتعويض الضرر الذي سببه تأخير أو عدم تنفيذ القضية المقضية، ونلاحظ هنا بأن المقصود هو وسيلة تعويض وليس قصاصاً. فمثلاً في 14/12/1983، كان مجلس الدولة الفرنسي قد منح مزارعاً 100,000 فرنك كتعويض عن الضرر الذي سببه خرق قوة القضية المقضية من قبل لجنة المحافظة المسؤولة عن ضم الأراضي.
وفي كل الأحوال، في المانيا، إن طلب العطل والضرر المقدم أمام المحاكم المدنية هو الإمكانية الوحيدة الممنوحة للمدعي الذي لم يتوصل لتنفيذ الحكم كإرضاء له.
وفيما يخص العقوبات التي يمكن أن تصيب الأشخاص الطبيعيين الذين ارتكبوا خطأ بعدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري، هي في فرنسا، أما عقوبات مدنية (المسؤولية لخطأ شخصي) أو عقوبات تأديبية. والعقوبات التأديبية هي على نوعين :
فمن جهة، العقوبت التأديبية من القانون العام، التي يمكن أن يقررها ضد الموظفين السلطة التسلسلية بعد أخذ رأي لجنة التأديب، والعقوبات التي يمكن أن تصدرها محكمة ضبط الموازنة (Cour de discipline budgétaire) وهذه العقوبات الأخيرة منصوص عليها في القانون الصادر بتاريخ (16/07/1980) : وبحسب هذا القانون، الأشخاص الذين يحاكموا أمام محكمة ضبط الموازنة (هم بشكل رئيسي الموظفين) الذين قد أدى سلوكهم الى إصدار الإلزام أو من لم يؤد المبالغ الضرورية لتنفيذ
حكم المحكمة الإدارية، فهم بذلك خاضعين لأداء مخالفة قد يصل مداها لراتبه السنوي كله. ويمكن مراجعة المحكمة المذكورة أعلاه من قبل أحد رؤساء الغرف البرلمانية ، أو من قبل رئيس الوزراء، أو من قبل وزير المالية، أو من قبل وزير الموظف المخطيء، وأما أخيراً من قبل ديوان المحاسبة، أو من قبل النائب العام فيه، وعلاوة على ذلك، في حالة الخروج على النصوص المتعلقة بإداء المبالغ الضرورية لتنفيذ الحكم، يستطيع المدعي المسلوب حقه أيضاً طلب الحق بالحجز.
ونلاحظ بأن قائمة من تم محاكمتهم أمام المحكمة طويلة لأنها لا تضم فقط الموظفين بل أيضاً غير المصنفين وأعضاء دواوين الوزارات، لكنها لا تضم وزراء أو أعضاء السلطات التنفيذية في مختلف البلديات. ومن حيث الواقع العملي، نجد أن المحكمة لم تحصل لديها المناسبة أن تمارس سلطة الردع التي لم تمنح لها الا عام 1980.
وفيما يخص القانون الألماني، على ما يبدو أنه قد نص على إمكانيتين من العقوبة في مواجهة الموظف المسؤول عن عدم التنفيذ للحكم: تحريك مسؤوليته المدنية بعد الحكم عليه بأداء العطل والضرر، ثم تحريك مسؤوليته التأديبية، والعقوبة هنا تلفظها السلطة التسلسلية إذا كانت العقوبة غير شديدة مثل (التأنيب والمخالفة)، والا فإن المحكمة التأديبية هي التي تلفظ العقوبة الأخطر.
إن تنفيذ قرارات القاضي الإداري هو مسألة صعبة لأنها تضع موضع تساؤل ليس فقط العلاقات بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، لكن أيضاً المفهوم العام للنزاع الإداري.
فإذا كان النزاع الإداري تم إدراكه على صورة رقابة يمارسها قاضي النقض على السلامة القانونية لإحكام المحاكم الدنيا، فهو من الطبيعي أن مراجعة القاضي ليس لها أثراً موقفاً وأن قرار القاضي ليس له الا أثر نقض. إن هذا المفهوم للنزاع الإداري يتضمن أن هناك قرينة قوية على السلامة لصالح القرار الإداري، وهذه القرينة التي تبرر بأن المدعي لا يستفيد الا من حماية متدنية. ونوعاً ما، إن عدم المساواة في الأوضاع بين الإدارة والمواطن لها صدى على إصلاح علاقاتهم في المنازعات القضائية. وعلى العكس، إذا كان النزاع الإداري يتم إدراكه على صورة الدعوى المدنية كنزاع يضع طرفين على قدم المساواة، فهو طبيعي أن أحد الأطراف، وهو الإدارة في هذه الحالة، لا يستطيع أن يفرض إرادته وأن يعمل كما لو كان سلوكه غير محتج عليه من قبل الطرف الآخر وأيضاً من الطبيعي أن القاضي يحدد بالتفصيل الإلتزامات التي تقع على عاتق الإدارة بسبب المخالفات المرتكبة. وضمن هذا المفهوم للنزاع الإداري، فإن حماية المدعي من الواضح تكون أكثر كمالاً.
إن المواجهة بين هذين المفهومين للنزاع الإداري بالضرورة له صدى على وسائل القسر، وبدون شك أن أسهل استخدام لطرق التنفيذ التي في القانون العام هو في الحالة التي تكون فيها الإلتزامات النابعة من حكم معرفة بوضوح في الحكم، وأنه على العكس، عندما يكون القاضي الإداري قد إكتفى بإلغاء القرار الإداري وفي بعض الأحيان يكون هناك سكوت ويترك للسلطة الإدارية أن ترتب النتائج القانونية للإلغاء.
إن تحسين نظام تنفيذ قرارات القاضي الإداري يمر هكذا بالضرورة بتغيير في مفهوم النزاع الإداري: من نزاع قرارات الى نزاع علاقات قانونية.
الأستاذ الدكتور
نفيس صالح المدانات
D.E.A, Droit Public
دكتوراة الدولة/ فرنسا
المراجع
1-مجلة R.D.P. الفرنسية
2-مجلة A.J.D.A الفرنسية
3-كتاب القانون الإداري للأستاذ لوبادي