جمعنا بالأمس لقاء هام في مركز الرأي للدراسات مع سماحة الشيخ حارث الضاري رئيس هيئة علماء المسلمين بالعراق.في ظل الوضع الحالي المتفجر في العراق تكتسب تصريحات الشيخ الضاري أهمية قصوى، خاصة بعد مذكرة الاعتقال المشبوهة التي أصدرتها الحكومة العراقية للقبض عليه بتهمة التحريض!!!
أتعجب حقيقة من سؤال بعض الكتاب الزملاء الشيخ الضاري عن دعواته لإنقاذ أهل السنة وكأنه اختزل العراق إلى أهل السنة!!!
لهؤلاء أقول: عندما يهاجم أفراد حي ما، فهل تصدر الدعوات لإنقاذهم أم لإنقاذ أفراد الحي المجاور، وهل على المستغيث أن ينبه إلى الكارثة التي تحيق به أم يدعو إلى إنقاذ الجيران غير المتضررين؟!
أهل السنة يتعرضون الان لحرب إبادة في العراق ! هذه هي الحقيقة التي لا يريد البعض أن يراها، وهي الحقيقة التي اعترف بها تقرير بيكر- هاملتون بعد طول إنكار من الإدارة الأمريكية!!
الأكراد آمنون، وبعض الشيعة آمنون، وبعضهم الآخر مدعومون من جهات عدة، أما العرب السنة فلا هم آمنون ولا هم مدعومون من أي طرف كان، بما في ذلك الدول العربية المؤثرة التي ينبغي أن تدعمهم هم قبل غيرهم.
وقد أكد الضاري في جلسة الأمس أن المقاومة ليست لطيف من العراق، وأن هيئة علماء المسلمين ليست طائفية ولا تدعو إلى الطائفية، ولكن حين يقع الظلم على المظلوم فلا بد له أن يستغيث في بعض الأحيان!!
تصريحات الشيخ الضاري بالأمس أشارت إلى عدد من الحقائق المهمة ومنها:
- وجود خطة لإنقاذ العراق قدمها الشيخ الضاري بلسان عدد من هيئات المقاومة الوطنية والإسلامية والشيعية- العربية في العراق لعدد من الدول العربية المؤثرة، وقد وافقت بعض تلك الدول (مصر والسعودية والأردن غالبا) على تلك الخطة، التي رفض الشيخ الضاري الإفصاح عن مكوناتها حفاظا على سريتها وضمانا للصالح العام، وإن كان قد وضح أنها تقوم على هدم العملية السياسية الحالية الفاشلة والإتيان بقوة بديلة تستند إلى تيار شعبي جارف تعيد تصحيح المسار وتختار قائدا كفؤا للعراق وتجري انتخابات جديدة نزيهة تأتي بقوى المصالحة الوطنية ومختلف أطياف المجتمع العراقي إلى العملية السياسية دون إقصاء لأحد، وتعيد تكوين برلمان نزيه يكتب دستورا جديدا يحفظ للعراق وحدة أراضيه وحريته ومقدّراته وهويته العروبية والإسلامية وعلاقاته الحسنة مع كل الجيران.
وقد أكد الشيخ الضاري أن تلك الأهداف السابقة هي ما يجمع كافة القوى الوطنية والإسلامية والعروبية العاملة في العراق حاليا تحت مظلة الهدف الأكبر وهو طرد المحتل، كما أكد على أن شيعة العراق العرب في الجنوب يتململون ويتأهبون للثورة ضد الاحتلال.
- فشل ما سمي بالمفاوضات السرية مع المقاومة من طرف الأمريكيين، حيث أكد الشيخ الضاري أن الأمريكيين لم يجلسوا للتفاوض مع المقاومة، وإنما مع أصدقاء للمقاومة أو بعض المتقاعدين الذين تعبوا من المقاومة ويريدون جني بعض العنب قبل أن يودعوا الكرم، والأهم من ذلك أن الشيخ الضاري قد أكد لكل المطالبين بمفاوضات بين المقاومة وجيش الاحتلال أن الأمريكيين ليسوا جادين ولم يكونوا جادين في مفاوضاتهم مع المقاومة، وأنهم في كل المرات السابقة لم يقدموا على تلك المفاوضات إلا لجس نبض المقاومة وتوزين حجمها والتعرف إلى خططها وأفكارها وأساليبها تمهيدا لاختراقها وإضعافها والقضاء عليها.
- التأكيد على أن الورم السرطاني الذي شكل كل الأورام حوله هو الاحتلال الأمريكي للعراق، وحالما يرحل ذلك الورم السرطاني سيصبح من الممكن القضاء على باقي الأورام الأخرى التي يغذيها وجوده!!
وقد كان الضاري واضحا جدا حين أكد للكتاب المجتمعين أن المقاومة عندما تتمكن من طرد الاحتلال ستتمكن أيضا من طرد النفوذ الإيراني الاستخباري والمليشياتي، وأن لا خوف على العراق من خطر إيران لأن من يهزم أميركا يتمكن من هزيمة إيران.
واستعرض الضاري أسوأ السيناريوهات الممكنة التي تخوف منها بعض الكتاب، واعتبر أن أسوأ ما يمكن أن تأتي إيران بقوات عسكرية وتشن هجوما مباشرا، ومع أن هذا أمر مستبعد، ولكنه إن حدث فإن الشعب العراقي سيستنجد حينها بالدول العربية التي لن تتوانى عن دعمه في مثل هذه الحالة.
ولكن الضاري عاد وأكد أن حرب العراقيين الخلص مع النفوذ الإيراني لن تتخذ هذه الصورة، وإنما ستكون على هيئة حرب مع العملاء في الداخل العراقي الذين يعملون تارة لصالح إيران، ويعملون أخرى لصالح الاحتلال، والذين يعتقد أنهم اختاروا مؤخرا الاحتلال حين خيروا بين الطرفين مثل عبد العزيز الحكيم .
وأشار الضاري إلى نتائج زيارة الحكيم والهاشمي إلى أميركا مؤخرا باعتبارها مشروع خطة جديدة لتشكيل حكومة جديدة من الحكيم والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية باعتبارهما الممثلين الوحيدين للشيعة، والهاشمي باعتباره ممثل السنة، والبرزاني باعتباره ممثل الأكراد، ولكن الدلائل الأخيرة تشير إلى تراجع هذا المشروع مؤقتا واحتمال استبداله!!
وهنا تبرز أهمية الخطة التي قدمها الشيخ الضاري إلى الدول العربية المؤثرة كالسعودية ومصر والأردن لدعم حل بديل يعيد العراق بأيدي العراقيين العروبيين الوطنيين الخلص ولا يضعه رهينة مخططات بشعة تستهدف المنطقة كلها وليس العراق وحده.
وأكد الشيخ الضاري على أن سقوط العراق نجاح للمخطط الأمريكي في الشرق الأوسط، أما طرد الاحتلال من العراق فهو فشل للمخطط الأمريكي في كل المنطقة.
وكشف الضاري عما أخبره به أحد الساسة اليمنيين في زيارته الأخيرة من أن مسؤولا كبيرا بالبنتاغون أخبره بأن المشروع الأمريكي في العراق قد فشل.
- طالب الضاري الدول العربية بتقديم دعم مالي وسياسي وإعلامي ومعنوي للمقاومة العراقية الشريفة، وحذر من تدخل الدول العربية بصور أخرى عسكرية أو استخبارية في العراق مؤكدا على أن العراقيين ليسوا ضعفاء، رغم كل القتل والتهجير والإفقار والتجويع الذي يعانونه، إلا أنهم قادرون على الدفاع عن وطنهم منفردين، ولا يطلبون من إخوانهم العرب إلا مدهم بالمال والمواقف السياسية الداعمة لا أكثر، وقد جاء كلام الضاري تأكيدا لما صرح به أحد قادة المقاومة في العراق للأنباط من أن أي تدخل عسكري او استخباري عربي في العراق الان سينظر إليه من طرف المقاومة على أنه مساندة للاحتلال، وسيعامل من هذا المنطلق.
وقد برر الشيخ الضاري رفض التدخل العسكري والاستخباري العربي بأنه سيسمح بتدويل القضية العراقية، ودخول قوى إقليمية أخرى، ويحيل العراق ميدانا لحرب إقليمية، وهو ما يرفضه العراقيون الوطنيون الخلص بكافة أطيافهم.
- ميز الضاري بين المقاومة والإرهاب موضحا أن مقاومة المحتل وعملائه هي مقاومة أما قتل العراقيين من أي فئة كانت فهو إرهاب، وأعاد تأكيد مواقفه ومواقف هيئة علماء المسلمين السابقة منذ الأيام الأولى لاحتلال العراق والرافضة لقتل العراقيين أيا تكن هويتهم، والتأكد من حقيقة من يدعون عملاء الاحتلال كي لا يظلم أحد لأن الدم الإنساني أغلى من كل شيء ولا يحتمل الأخطاء!!
وقد أكد الضاري على استمرار المقاومة العراقية في عملياتها طالما بقي المحتل على الأرض العراقية، وأكد من جديد لبعض الكتاب الذين تساءلوا عن السر في عدم قيامه مع بعض جهات المقاومة بتشكيل هيئة أو سلطة أشبه بحكومة الظل تتفاوض مع الأمريكيين بشأن العراق لمحاصرة العملاء، على أن الأمريكيين لا ينوون تقديم شيء للمقاومة، وأنهم من تجاربهم السابقة معهم غير جادين في جدولة انسحاب!!
وأشار الضاري إلى لقاء سابق له مع مندوب نيغرو بونتي ( بصفته صاحب رأي ووجهة نظر، وليس بصفته ممثلا للمقاومة أو الشعب العراقي) طلب منه فيه جدولة انسحاب القوات الأمريكية مقابل سعي الضاري إلى إقناع المقاومة بتجميد عملياتها والدخول في هدنة طالما أن هدفه المقاومة سيتحقق عبر مفاوضات سياسية، ولكنه رفض الاقتراح على الفور وغادر الاجتماع!!
وأعلن الشيخ الضاري عن اجتماع قريب له في عمان مع زلماي خليل زادة بوساطة عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وإن كان قد عبر عن تدني سقف توقعاته لنتائج ذلك الاجتماع!
- وضح الشيخ الضاري فلسفة المقاومة الوطنية الشريفة في العراق، وهي التعامل مع أي جهة كانت طالما أعلنت رغبتها في العمل من أجل صالح العراق، بغض النظر عن ماضيها، وأشار إلى الشعار الذي رفعته هيئة علماء المسلمين بعد الاحتلال وهو: الاحتلال يَجُبُّ ما قبله! وهي دعوة صريحة لتوحيد كافة أطراف المعادلة العراقية باتجاه الهدف الأهم وهو تحرير العراق والحفاظ على وحدة أراضيه وأمنه واستقراره ومقدراته.
- أكد الشيخ الضاري بتفاؤل الثائر وثقة المؤمن ومعرفة الخبير أن الأوهام التي يروجها البعض من أن وجود القوات الأمريكية في العراق هو ما يؤجل الحرب الأهلية ليست إلا ضلالات، لأن الاحتلال هو ما يدعم عمليات القتل في العراق ونسبة كبرى من عمليات التفجير تعزى إلى الاستخبارات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية، إلى جوار قوات الحكومة العراقية ذاتها (الداخلية والجيش ) والمشكلة في معظمها من قوات بدر والمدعومة من قبل الاحتلال!!
وبين الشيخ الضاري أن مصدر التفجيرات في العراق يعود إلى جهات أربع هي:
1. المقاومة العراقية، وعملياتها تستهدف الاحتلال وعملاءه لأنها تؤمن أن التفجير سلاح لا بد منه.
2. الاستخبارات العسكرية للاحتلال والتي اتضحت مسؤوليتها عن عدد كبير من التفجيرات الهامة التي كانت تسعى إلى إحداث الفتنة بين طوائف المجتمع العراقي بالأخص السنة وأتباع الصدر والمسلمين والمسيحيين مثل تفجيرات الحسينيات والكنائس والأسواق والدوائر الرسمية والأحياء. وأشار هنا إلى الاستراتيجية التي تعمل بها هذه الاستخبارات والتي تبدأ بزرع عدد من الألغام في حي يشتبهون بوجود عناصر من المقاومة فيه، وبعد تفجيرها يحاصرون الحي بدباباتهم ويأخذون من يأخذون من أهل الحي بحجة أنهم عناصر من المقاومة.
3. الأحزاب المشاركة في الحكم ومليشياتها السياسية: وضرب مثالين: الأول تفجيرات مدينة الصدر قبل أربعة أشهر والتي تبين أن أرقام ضحاياها كانت مبالغا بها، حيث لم يتجاوز القتلى خمسة عشر قتيلا ولكنهم صوروا على أنهم مئة أو يزيد!! وتبين بعد ذلك أن من ارتكبوا تلك الجريمة كانوا مجموعة من قوات جيش المهدي مدفوعين من قوات بدر بأجور مالية، والهدف تحريض الشيعة الصدريين على السنة حتى تكون فتنة، واعترف أولئك القتلة بفعلتهم وأعدموا وعلقوا على أعمدة الكهرباء بعد أسبوعين.
والثاني ما حدث قبل ثلاثة أسابيع حين تكررت عملية مماثلة في مدينة الصدر وكبروا الرقم هذه المرة ايضا إلى 120 قتيلا و200 جريح ، ثم تبين أن من فعل الفعلة هو شخص ينتسب إلى جيش المهدي ومدفوع من جهة ما. وقد تسبب ذلك في فتنة بالفعل حيث اجتيحت على أثر العملية أحياء معروفة كحي الحرية وهجر أربعمائة سني وقتل ثلاثون وأحرق ستة منهم أحياء أمام أهل الحي.
4. مخابرات بعض الدول وبالأخص: المخابرات الإسرائيلية والبريطانية والإيرانية.
وأشار الضاري إلى لعبة قاتلة يقوم بها عملاء الاحتلال حيث يقتلون أعدادا كبيرة من العراقيين السنة على وجه الخصوص في بغداد، ثم يحملون جثثهم لتدفن في النجف وكربلاء وتحمل تلك الجثث سيارات الحكومة ويدفنهم مقاولون متعهدو دفن يتعاملون مع عملاء الاحتلال، ثم يتم إخبار الشيعة أن هؤلاء أهل البيت يدفنون مع أن 95% منهم من أهل السنة الذين قتلتهم ميليشيات الحكومة والذين لم يسلموا لأهلهم، بل إن من يطالب بجثثهم يقتل!
ووضح الضاري الهدف من ذلك وهو الادعاء بعد فترة من الزمن بأن هذه مقابر جماعية تم الكشف عنها ارتكبها فلان أو علان أو تلك الجهة لتأليب الشيعة العراقيين!!!
اللقاء زخر بحقائق مثيرة ومرعبة في آن معا، ولكن الأهم أنه كشف عن الروح النضالية العنيدة لبعض القادة العراقيين ممن ما زالوا يؤمنون بقصة النصر القادم ويرفضون الطروحات الانهزامية التي يرددها بعض الكتاب والسياسيين العرب والداعية إلى استمرار الاحتلال خوفا من حرب أهلية أو تغلغل للنفوذ الإيراني!!
إن كان لقاء الأمس مع الشيخ الضاري قد أثمر عن شيء، فقد أثمر عن دحض تلك المقولات التي يروجها أنصار الاحتلال وعملاؤهم والمضللون بدعاواهم وتحليلات أبواقهم!!
العراق الذي يريده الضاري وتريده المقاومة هو عراق العروبة والإسلام، وهو العراق الذي يريده جميع الشرفاء: عربا وكردا، شيعة وسنة، مسلمين ومسيحيين، يزيديين وصابئة، أما عراق الحكيم والطبطبائي والمالكي والجعفري فهو عراق الاحتلال والفطريات التي تتغذى عليه وتستمد بقاءها من بقائه !!