مفاجآت بعض النواب في مجلس الشعب أصبحت مشاهد عادية رغم ما تحمله من دلالات على طريقة التفكير والطرح وردود الفعل ومدى تقدم أو قصور وسائل التعبير والنقاش، أو هي سلوك ينم عن رفضنا القابع في دواخلنا لفكرة تقبل رأي غير مطابق لما نريد، فطريقة رمي زجاجات المياه نحو أهداف معينة أصبحت متقنة تماما لكثرة الاجتهاد في ممارستها والتدرب عليها، أما طريقة التقاط زجاجة طائرة فتدل على احترافية عالية في الدفاع وصد الهجوم.
لا تقتصر المفاجآت والانتكاسات على ذلك ولكنها أخذت أشكالا أخرى كالغيابات المتكررة وغير المبررة والتي لو مارسها أي من أفراد الشعب لعوقب عليها بطريقة لا يستهان بها ولكنها لا تنطبق على بعض اعضاء المجلس الذين هم إما نوّام أو يأكلون المكسرات أو يفكرون في الملوخية أو مؤيدين لقرارات عجيبة تعرف طريقها جيدا لجيب المواطن الذي يجلس من لم يستحقوا ثقته - إلا من رحم ربي - تحت قبة حرية الرأي ورفع الصوت بالحق وتحت حصانة عظمة المكان ليمارسوا ألعابا مدرسية وادوارا يرفضها الناخب ويستجير منها، لكن المكان رغم ذلك لا يخلو من مجتهد يصارع للنجاح في بيئة اختارت الفشل عن سبق إصرار وترصد.
أما مفاجأة النائب الشيخ في موضوع الغياب المتكرر فتستحق التأمل من منتخبيه الذين رفضوا أي نقد لأسلوبه سواء بالتصريح أو حتى بالتلميح، وتمادوا في تخيلاتهم لقدراته في زمن يبعد عن زمن المعجزات بمئات السنوات ويقترب من حل الألغاز الكونية والمعجزات العلمية بمسافة تقل عن المليمترات.
متبنيا أسلوب الخطابة الذي انتهجه وينتهجه ضمن أطر معروفة ومستخدما اللغة العربية الفصحى كأداة؛ يهدد النائب بمعاقبتنا جميعا فهو سيحضر الجلسات ولكن علينا أن نتحمل عواقب نقدنا لأدائه لأنه نكاية بنا سيوافق على كل قرارات الحكومة، (خلينا بنستاهل) فهل هذا الوعد يعبر عن عقاب لمنتقديه فقط أم هو مبرر وعذر لاصطفافات مع الحكومة على حساب الشعب؟ ولماذا لا يستقيل هذا النائب احتجاجا على ممارسات المجلس ويسجل موقفا لصالحه يحترم عقول الناس؟
وبعد، متى سيمارس الإعلام دوره بفاعلية لمراقبة أداء الجميع دون استثناء؟ ومتى سيخشى المسؤول من ردة فعل الشعب بدل أن يخشى الشعب من غضب المسؤول عليه؟ ومتى سيحاسب المقصر عن تقصيره بدل أن يحرمنا من الرضى والثواب؟ ومتى ستستفيق تلك النسبة من الشعب التي ما زالت تجري وراء الغيبيات وتبهرها الأكاذيب الخارجة عن نواميس الطبيعة؟ اصحي يا قرية!