facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss




الأُردنيونَ بين مَطارقِ المُعالجين وسِندانِ المرض


د. عادل يعقوب الشمايله
18-02-2019 09:25 AM

تَعودُ أسبابُ ما يُعانيهِ الأُردُنيونَ من أمراض سياسية واقتصادية الى مئات السنين. ويقفُ على رأس تلك الاسباب، تصحيرُ الارض العربيةِ من القادة ومن المُبدعين. فظهورُ أي قائد مُعارض، أو حتى ناقد، كان يُنظرُ إليه في الملكياتِ القبليةِ مُنذُ عهد معاوية الى أخر عهد العُثمانيين، على أنه مشروعُ فتنةٍ وخروجٍ على الحاكم. لذلك، كانت تتمُ مُحاكمتهُ دينيا وليس سياسيا، وبالتالي فَجزاءُه القتلُ حسب شريعة فقهاء السلاطين، وليس حسب شريعة الله. تواصل مُمارسات إجتثاث نباتات القادة قبلَ أن تُزهر، أفضى الى نفاذِ كافة بذور القيادة في المنطقة العربية، فلم يُعد القادةُ ينبُتونَ طبيعيا، كما تنبتُ الاشجار والازهار. لم تكتفِ الملكياتُ القبليةُ، بقتل الخيول فقط، بل، إمتدَّ بها الصَلفُ والانانيةُ، الى قتلِ البِغالِ أيضاً، حتى لا يَشتبهَ الامرُ بعد فترة على الناس، فيظنوها خيولا، وحتى لا تَظُنَّ هي بنفسها أنها خيول. في بيئات أُخرى، تسعى الدولُ الى إنتاج القادة، بالتدريب والتأهيل، اذا تَعذرَ، أو تَعثرَ ظُهورُ القادة الطبيعين، بالضبطِ، كما تفعلُ الأسُودُ في تربية صغارها على فنون الصيد وفنون السيطرة. أليس هذا ما فعلهُ الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة؟ ألمْ يصنع عشرات القادة مِمنْ كانوا رُعاة، أو من سواد الناس. هذه السُنة المُحمديةُ الطيبة، عَزفتْ عنها الملكيات من بعده. واستبدلتها بِسُنةِ تقديم طبقة الدروايشِ وشعراء النفاق وكُتابِ الاساطير على من سواهم.

حَملَ الاستعمار الغربي للمنطقة العربية من بين العديد من الفضائلِ التي ننعم بها ونجحدهُ عليها، ظَاهرةَ الدولة المدنية الديموقراطية. في الاردن أسس الانجليزُ هياكل الدولة من وزارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وقضائية وتشريعية. استقطب لها من كان يستطيع القراءة والكتابة، بسبب تفشي الامية الذي امتد مئات السنين. دربهم وأهلهم لتولي الوظائف والترقي، حتى تم الاستغناءُ عن المستشارين الانجليز وتحقق الاستقلال الاداري قبل تحقق الاستقلال السياسي. تم ذلك بدون تدخل الواسطة وبدون تقديم مناسف للانجليز. غير أن الادارة الانجليزية لم تتوقف عند مُهمة إنشاء الكوادر الادارية بلْ، إنها ضغطت لتأسيس معاهد إعداد القادة السياسيين. فكان أن سمحت بنشوء الاحزاب السياسية، وهي ظاهرةٌ لم تعرفها شعوب المنطقة من قبل. كما سمحت بإنشاء توأم الاحزاب السياسية وهو الصحف ليكونا مع مجلس النواب قواعد الديموقراطية. ومن بعدُ، أهدتنا الدستور الذي ظل ملوك بني عثمان يرفضونه طيلة فترةِ حكمهم، وكان غيابه احد أهم أسباب زوالهم. ما أن غادر الانجليزُ، حتى تم الانقلابُ على إنجازاته الحضارية. إذ مُنعت الاحزابُ السياسيةُ، وقُيدتْ حُريةُ الصحافةِ وحُرية التعبير عن الرأي، وبدأ مُسلسل التلاعب في الدستور، وتزوير الانتخابات. ضَمِنتْ هذه الافعالُ التي تمت بعد تحققِ الاستقلال السياسي، إمكانيةَ منعِ ظُهور قادة سياسين في الاردن، واستُرجِعتْ مُمارسات الملكيات السابقة المندثرة. وللتعويض عن تغييب القادة السياسيين، إخترعَ النظام ومُستشاروه، طَبقةَ الأوصياء، وحُولَ من ظُنَّ، وبعضُ الظنِ إثم، أن ولائهم خالدٌ، الى أولياء يقصدهم السكانُ تبركا، وحتى تَقبل الحكومةُ دُعائهم. لهذا درجَ السكان، على نحر القرابين على أبوابهم وعلى صدور المناسف أمامهم. هذا السلوكُ من النظام السياسي، خلقَ مِن غيرِ الاعداءِ أعداءاً، وحوَّلَ المُسالمينَ الى مُعارضين، والقانعين الى ناقمين.
أزمةُ الاردنيين لم تتوقف عِندَ ما يُعانونه من مشاكل معيشية واقتصادية وهمومٍ وطنية، وحاضرٍ أصبحَ كالسجنِ، لا خلاص من ألامهِ الا بالخلاصِ مِنه، ومُستقبلٍ داكنٍ ، لا أحد ينتظرهُ، وغيرَ مٌرحبٍ بقدومه أصلاً. ولكنها تعمقت، وزادت غَصتها بعد أن، أصبح من هبطوا على المواقع العليا في الاجهزة البيروقراطية بكافة اقسامها ممن سميناهم الاوصياء والاولياء، يعتقدون أنهم قد وصلوا اليها بكفائتهم وتَميُزهم. لذا، فهم يُقدمون أنفسهم على أنهم الحل، أو أن لديهمُ الحلُ الامثلُ والوحيد. ما يجري على المسرح السياسي، مِن قِبلِ هؤلاء المُهرجين، يُؤلمُ الاردنيين أكثر مما تراكم عليهم من ألآم. لأن الاردنين يعلمون أن هؤلاء على رأس قائمة المُسببين لمصائب الوطنِ من نهب ومديونية وفساد مالي واداري، وبيع لسيادة الدولة ومواردها، وتراجع في التعليم والصحة، لتحطيم حاضرالسكان ومستقبلهم، وازمات مُستعصية، كأزمات المواصلات والمياه والزراعة والصناعة والسياحة والطاقة، والبطالة والفقر. هؤلاء يتلذذون بادخال أعواد اللهب في أعين الاردنيين وفي افواههم.
الاوصياءُ الذين يَجلِدهم الشعبُ الاردني على كافة وسائل التواصل الاجتماعي وفي منتدياته، بسبب تاريخهم غير المحمود، يتجرأون على تنصيبِ أنفسهم ولاة أمرٍ للاردنيين، والناطقين بإسمهم، والمُدافعينَ عنهم. بلْ وصل بهمُ التمادي الى تهديدَ الملكِ بإسم غالبية الاردنيينَ، دونَ تفويضٍ ودونَ إستشارة، مُتجاهلينَ أن الملكَ، هو الوحيدُ الذي لازال الاردنيون يُجمِعُون عليه. هذا الغزوُ على إرادة الاردنيينَ مرفوضٌ جُملة وتفصيلا. ما يُغيظُ الاردنيين، تداول النعيق بالويلِ والثبورِ وعظائم الامور من قبل الاوصياء الاولياء، دونَ ان يُغلقوا سحابات جُيوبهم، ودون أن يستغفروا الله، على ما اقترفوا في ماضيهم، ودون إعلانِ توبةٍ نصوحى مُخلصةٍ صادقةٍ عنِ اللهاث وراءَ المنصب الحكومي مُجددا لأنفسهم أو لابنائهم وانسبائهم واحفادهم. مُعظمُ الشعب الاردني، يعي بذكاءه الفطري، ألاعيبَ السحرة، ولذلك لا يُصدقهم بعد أن لُدغ منهم ألف مرة، وبعد ان عَاينَ قُصورهم في عبدون ودابوق، وسياراتهم المُهداة أو غيرَ المُجمركة، وثرواتهم ودخولهم المُحصَّنةِ من الضرائبِ، وفواتيرِ الكهرباء والمياه. هذا الشعبُ يعرفُ أن هؤلاء المُزايدين الصَخِبين، لا يمتلكونَ مُؤهلاتٍ وكفاءاتٍ تتجاوزُ كفاءة رئيسِ شُعبة غيرِ مَحظوظٍ في أي وزارةٍ خدميه.
لم يكتف الغاضبون الجاحدون، من الاوصياء المُدَثرينَ بالدرن، الذين أشغلوا الوظائف العليا ظلما وعدوانا معظم عمر الاردن الحديث، لم يكتفوا بالوسائل التقليدية لنشر فظاظتهم، بل مأسسوا تشنجهم، فأنشأ العديدُ منهم صالوناتِ نميمة سياسية، ومقارَ للعقم الفكري، ومعامل تُزورُ تاريخهم، وبطريقة معاكسة تاريخ منافسيهم. ومما عزز هذا الوهمَ لديهم، النفاقُ والتملقُ الذي يُغدقهُ السُكانُ عليهم، إضطرارا، للحصولِ على حقوق ضائعة، أو لخطفِ حقوق الاخرين. هذا الظنُ، وَلدَ لدى تلك الطبقة من الاداريين التنفيذين، ألشُعور بأنهم أصبحوا قادةً سياسيين، حيثُ سَاووا بغبائهم، بين المنصبِ الاداري والقيادة السياسية. الوحيدون الذين اختاروا أن يُخدعوا، فالتحقوا بركبِ تُجار المناصب، هُم المعطوبونَ بِغريزةِ التبعية والدونية المُتأصلة فيهم ، ظانينَ، وجُلُ ظَنهم إثم، أن أسيادهم سيرمون لهم بعض الفُتات إن تمكنوا من إرهابِ النظامِ ولوي يده. وهم لا يعلمون أنَّ النظام السياسي، الذي تبدو عليهِ علاماتُ المرض، بسببِ مُمارساتِ الصَخَبةِ، أو سكوتهم، او مشاركتهم، لم يُصبْ بعدُ بالمرضِ العُضال، وأنهُ نِظامٌ لا يُذعنُ للتهديد والوعيد، خاصةً، إذا أتاه من صنائعهِ وأدواته، بعد أن صَدأت. إن إمكانية صَلاحِ وإصلاحِ الاوضاعِ أكثرُ من قويةٍ، إذا توفرت الارادةُ، واذا تمَ الاستعانةُ بِطاقاتٍ جديدة نقية وطنية، كَفؤة حقيقةً، وليسَ وهما او تزويرا.
على الذين لم يشبعوا من المتاجرة بمصالح الوطن العليا. ممن لم تشملهُم حركةُ الدوران بين المناصب، أو لم يصلوا الى المنصب الذي يحلمُون به، أن يتخلوا عن أوهامهم. وان يتيقنوا أنهم لا يُمثلون الاردنيين ، وأنهم يفتقرون الى كافة مؤهلات ومواصفات القادة السياسين. لقد مَلت الكراسي مُؤخراتهم المُترهلة. لذا فإن عليهم ان يقنعوا بما سلف، تنفعا وتنفيعا وإثراءا. مُعظمُهم طعن في السنِ، أو أُفتضح فساده ولم يعد ممكنا ترقيعُ سرواله.من العيب أن تُجهنمُوا النظامَ الذي تمتعتم بجناتهِ التي تجري من تحتها الانهارُ، لانكم لم تخلدوا فيها، فآدمُ أُخرجَ من الجنة عندما اختارَ الطريق التي رسمها الشيطان. وفي الختام، فانني أنصحُ، اصحاب بقالات المُهاترة، أن يحذروا من ذُبابِ المناصبِ المُحلق حولهم، لإنهم يتنقلون فُرادى وجماعاتٍ من بقالةٍ الى أُخرى، ومن حراكٍ الى حراك، وأن ولائهم مُؤقتٌ، يتبدلُ إن توفر من يدفع اكثر. هؤلاء ذريةُ من جاء ذمُهم في القران: "واذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائما".





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :