نحو تنمية سياسية فاعلة ..
د.محمد جميعان
13-05-2007 03:00 AM
التنمية السياسية عموما تعني الزيادة والتطور الايجابي في إطار الديمقراطية من خلال التأثير والتفعيل واستحداث التشريعات التي تولد الأفكار وتحرك المفاعيل التي تحدث حراكا سياسيا فاعلا ينعكس ايجابيا على كافة مناحي الدولة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية المختلفة .ولكن ما حصل بإجماع المراقبين والمتابعين والقوى السياسية والإعلامية والنخب تقريبا ان شيئا من ذلك لم يحدث ، بل العكس تماما ، جمود يذهب البعض الى وصفه بالتراجع ، عبر حكومات متعاقبة استحدثت فيها وزارة التنمية السياسية لتقوم بهذه المهمة الموكلة اليها ، لاقت التعثر ولم تحقق أهدافها .
ان ما جعلني أتحدث في هذا المجال ما سمعناه مؤخرا من القائمين على هذه الوزارة من نعتها من قبلهم " باللغز " وان ما تقوم به هذه الوزارة ألان هو "التوعية والتثقيف السياسي" وهو واجب أساسي روتيني تتولاه مؤسسة الإذاعة والتلفزيون والصحافة والأعلام عموما كأحد رسالاته وواجباته تجاه المواطن تبدع فيه وتتقنه وتمارسه يوميا بأساليب مختلفة لا داعي فيه لوزارة متكاملة في حكومة تتكون من بضع وعشرين وزارة تتولى مهمات الوطن الجسيمة.
ناهيك عن نافلة القول ان التوعية والتقيف السياسي في وزارة التنمية السياسية انما هي تحصيل حاصل في سياق مراحل التنمية السياسية الموكلة بها الوزارة وحصر الواجبات بالتثقيف والتوعية انما هو عودة الى المرحلة البدائية او الابتدائية من العمل السياسي وهذا يعني التراجع الى البدايات من العمل في ظل وزارة تحمل واجب التنمية السياسية كاملة .
كما لايمكن تعليق التعثر على شماعة قانوني الأحزاب والانتخابات ، والسؤال هنا ما دام الأمر بهذا الحصر عند اصحاب هذه النظرية فما دور وزارة التنمية السياسية إذن عندما يأتي قانونا أحزاب وانتخابات بالمواصفات التي يريدونها ؟.
ان أدوات التنمية السياسية كثيرة ومتنوعة وتفعيلها بالأفكار والحراك والتشريعات اكثر تنوعا وهي محل بحث ودراسة مستفيضة لدي ولا يمكن حصرها في قانون الانتخابات الذي لا يمكن تعديله وتبديلة في الوقت الحاضر لما له من تداعيات ونتائج سلبية في ظل معطيات محلية وإقليمية سياسية وديمغرافية واجتماعية تستوجب المراجعة والتدقيق وانتظار الحلول السياسية للقضية الفلسطينية..
وحتى لا يكون الكلام في العموميات وحسب فسوف أتحدث عن إحدى أدوات التنمية السياسية التي تتخطى التثقيف والتوعية الي التفعيل والحراك والتنمية ، ولعل أقدم هذه الوسائل وأكثرها فاعلية التي استخدمت في التنمية السياسية والثقافية والاجتماعية والتفاعل المجتمعي وتوالد الافكار وتحفيز الابداع في المجتمعات القديمة والحضارات السابقة التي نشطت فيها الحياة الفكرية والادبية والفلسفية كانت المناظرات التي تعقد بين الأدباء والشعراء والفلاسفة بل والسحرة على مدرجات حجرية امام حشود من الناس راينا اثارهم بادية أمام عيوننا في اغلب الشرق لهذه الحضارات ومنها عمان وجرش حيث المدرجات الكبيرة التي تعكس حجم المشاركة فيها نسبة الى حجم السكان وكثافتهم في تلك العصور، وقد شكلت تلك المناظرات عصفا فكريا وسياسيا ورياضة شعبية وحافزا للابداع ساهم في بناء هذه الحضارات وسطرها في التاريخ واوصلها الينا عراقة وتاريخا ،ثقافة وبناء ،وتراكمات ساهمت في تقدم البشرية.
وكان العرب في جاهليتم نصيب كبير من تلك المناظرات الشعرية والادبية وانساب الرجال و تاريخ الشعوب وقصصهم التي كانت تستحوذ على ليلهم وسامرهم ومضافة مجالسهم بل وكانت تعقد في الاسواق ويحشد لها الناس يتبارون بالكلمة ونظمها وهي معجزة العرب وبيانهم فكانت المعلقات ومواسم الاسواق المعروفة باسمائها واماكنها في التاريخ فصنعت ثقافة المجتمع وساهمت في بناء تقاليده وحمست على المروءة والشهامة والكرم واغاثة الملهوف وكانت بمثابة الاداة الفاعلة في التنمية السياسية والاجتماعية والثقافية في ذلك العصر .
وامتدت هذه الاداة الفاعلة في الحياة السياسية بل والدينية الفقهية والعقدية اضافة الى الادبية والشعرية في الاسلام وتاريخه الزاهر، فكانت مجالس العلم وتداول مسائلها ومناظرة علمائها ومشاركة أولي الأمر والساسة في ذلك بين شد وجذب وتسامح وحدة في بعض الاحيان ،فكانت المذاهب الاسلامية المختلفة وكانت المعتزلة والاشاعر وكانت الكتب والمؤلفات في العلوم والثقافة والفلسفة حجة قوية كان الفصل فبها للمناظرة كاداة فاعلة لتنمية الافكار وتداولها والتحفيز للاقبال عليها.
وفي النصف الاول من القرن الماضي كانت للمناظرات على صفحات الجرائد الى جانب المناظرات التي تعقد بين نشطاء الاحزاب والمفكرين في المقرات والمقاهي في مصر والعراق وبعض البلدان الاخرى دور فاعل في التنمية السياسية في تك الحقبة ،وكانت الحماسة فيها تاخذ اغلب الناس وتجعلهم يشاركون بالحضور والتفاعل وكان نتاج ذلك ابرز الحركات السياسية والدينية والفكرية لجماعة الاخوان المسلمين والقوميين وحزب البعث ..
بعدها سادت حقبة كانت الانظمة الشمولية تخيم بشكل كامل على الحياة السياسية والثقافية في المجتمع وكانت تحد بل وتمنع احيانا هذه المناظرات خوفا من توالد حراك غير مرغوب سواء عبر الصحافة او المنتديات الفكرية والادبية بل واصبحت المقاهي مراقبة وتمنع فيها المناظرات ..إما وقد أصبحت التنمية السياسية مطلبا والاصلاح الديمقراطي عهدا وضاق بنا الامر ذرعا في كيفية خلق حراك مجتمعي وتنمية سياسية ولم يعد الخوف سيفا مسلطا من قبل السلطات فلماذا لا نعود الى هذه الاداه الفاعلة في التنمية السياسية والحراك الثقافي والاجتماعي في المجتمع ؟
ان المناظرة كاداة للتواصل الاجتماعي والحراك السياسي والثقافي تشكل حافزا للعقل وتدفعه للتفكير والتدبر وإنتاج الأفكار البناءة في المجتمع وان هذه الأداة تشكل عبر التجربة التي سردنا إشارات منها أساس الفاعلية المرجوة في المجتمع لما تحويه من شد وجذب واخذ وعطاء ومتعة تنتج فكرا يحرك المجتمع نحو المساهمة الفاعلة في الحياة السياسية والثقافية ...ولماذا لاتكون الصحافة صاحبة المبادرة وهي المنبر القادر على المناظرة وتفعيلها لدفع التنمية السياسية الحقيقية الفاعلة حيث المقالات والأفكار التي تشكل نوى حقيقية مؤثرة للنقاش والمناظرة سيما أننا نحظى بعدد وافر من الصحف اليومية والأسبوعية وليكن سقف هذه المناظرات ظل العرش والثوابت الوطنية والدستورية التي نحتكم اليها جميعا وتشكل صمام أمان لأي خلاف في أي مسالة كانت؟.
drmjumian@yahoo.com
00962799881373 / خلوي
http://majcenter.maktoobblog.com