أزمة الرئاسة التركية ، أزمة هوية أم أزمة خيارات تتصل بالجغرافيا والمصالح البعيدة ؟راسم عبيدات / القدس
13-05-2007 03:00 AM
.......بداية لا بد من القول أن كمال أتاتورك ، وكما يسمى أبو الأتراك ، قد أرسى مبادىء الدولة التركية العلمانية عام 1923م ، وهو في هذا الإطار أحدث حالة من القطع ، بل الطلاق مع المؤسسة الدينية ، حيث أنه وعلى سبيل المثال لا الحصر ، قد منع إقامة الآذان ، ولبس الحجاب ، وإطلاق اللحى ، وإستبدل العمامة بالطربوش ، وأتاتورك حاضر في آذهان ووجدان الأتراك كباني للدولة التركية الحديثة حتى أنه يترك له مقعد فارغ في البرلمان يكتب علية إسمه وينادى عليه في إفتتاح جلسات البرلمان ، ويرد أحد الأعضاء أنه موجود ، دلالة على علمانية الدولة ، ولكن منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة ، حدثت الكثير من التغيرات والتحولات الإجتماعية والإقتصادية والفكرية في المجتمع التركي ، بحيث غدت الأحزاب الإسلامية قوة رئيسة وبل قوة مسيطرة في المجتمع التركي ، والبعض يحاول أن يصور المشكلة على أنها كما تبدو في الظاهر صراع بين التيار الإسلامي ، الذي يعبر عنه حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، ومرشحه الذي كان مطروحاً للرئاسة عبدالله غول من جهة ، وبين المؤسسة العسكرية القوية والتيار العلماني من جهة أخرى ، والذي سير مؤخراً مظاهرات ضخمة ناهزت المليون شخص تحت شعارات " لا للشريعة ولا للإنقلاب " ، ولكن المشكلة والصراع المطروحين ينطويان على قضية أخرى ، هي علاقات تركيا الإقليمية وسياساتها في المنطقة ، فقد نجح حزب العدالة والتنمية وتحديداً بعد غزو العراق ، في ممارسة سياسات تميزت بالإستقلال النسبي عن السياسات الأمريكية والأطلسية في المنطقة ، كما مكنتها هويتها الثقافية من التعبيرعن تفاعلات الشارع التركي مع القضيتين العراقية والفلسطينية ، وكذلك مد جسور الثقة مع كل من سوريا وإيران ، و مكانة تركيا ودورها الإقليمي في المنطقة والجوار العربي ، وداخل المجموعة الإسلامية ، يجعلها مصدر الإهتمام الإقليمي والدولي ، ومن هنا نرى أن المؤسسة العسكرية ، والتي لعبت دوراً رئيساً في التأزيم السياسي ، ودفع الأمور إلى التصعيد والتهديد بإستخدام القوة من أجل من منع عبدالله غول زعيم حزب التنمية والعدالة الإجتماعية من الترشح لتولي منصب الرئاسة ، له صلة مباشرة بالرؤى والتصورات والمواقف السياسية ، حيث أن الخيار الإقليمي لحكومة العدالة ، والتي أحدثت ما يشبه القطيعة مع مسيرة طويلة من قضية الطلبات الأطلسية والأمريكية خصوصاً، وكذلك فإن المؤسسة العسكرية ، هي حسب الدستور مكلفة بحماية الجمهورية العلمانية ، ، وبالتالي فإن تولي رئاسة الجمهورية ، لرئيس ذو فكر إسلامي ، فهناك مخاطر لفرض رؤيته وفكره وثقافته على المجتمع التركي ، فالرئيس أيضا وحسب الدستور التركي ، يتمتع بصلاحيات واسعة ، ومدة بقاءه في سدة الحكم هي سبع سنوات ، وهو يستمر في ممارسسة دوره ومهامه وصلاحياته ، وبغض النظر عن الحكومات تذهب وتجيء مع نهاية فترة ولايتها ، والرئيس له حق تثبيت التعينات أو حجبها ، وكذلك تعيين مدراء الجامعات ، وبالتالي هذا يمهد لتشريع وفرض سياسة التحجيب في الجامعات " اللباس الشرعي " ، وأيضاً تتخوف المؤسسة العسكرية من تعزيز دور الدين في السياسة والحياة العامة ، وهناك نقطة يجب الإشارة إليها ، أنه في حالة السماح لغول أو أردغان بخوض الإنتخابات وفوز أحدهما ، فهذا يعني أن زوجة الرئيس ستظهر محجبة في المناسبات العامة ، وتصبح المسألة أبعد من غطاء الرأس وكونها لها علاقة بالحرية الشخصية ، لكي تصبح نهج ورؤيا وثقافة ، يتم تسييدها في المجتمع ، حيث أن ظهور بغطاء الرأس في المناسبات العامة ، يحرمه القانون والبرلمان والقصر للشخصيات العامة ، وهنلك نقاط جوهرية يجب التطرق لها تساعدنا في توضيح الأمور ، أن الأحزاب العلمانية والتي تتمسك بأتاتورك تميزت فترات حكمها ، بدخول البلاد في الكثير من الأزمات الإقتصادية والسياسية ، وكذلك سوء الإدارة والفساد ، والخلافات السياسية وغيرها ، في حين نجح حزب العدالة والتنمية الإسلامية في تحقيق نوع من الإستقرار السياسي والإقتصادي ، حيث حقق الإقتصاد التركي معدلات نمو مرتقع قياساً ، بالفترات السابقة ، وتم مراقبة التضخم وخفضه ، والإصلاحات راعت حاجات مختلف الفئات والطبقات الإجتماعية من مزارعين ، رجال أعمال ، صناعيين وعمال .. الخ ، وكذلك حزب العدالة والتنمية نجح في القيام بإصلاحات إجتماعية وسياسية حسب ما نصت عليه إتفاقية " كوبنهاجن " ، من أجل الحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي .ونقطة الإهتمام الجوهرية والمفصلية للمستثمرين الأجانب في تركيا ، هي ليست غطاء الرأس للنساء التركيات ، ولا قوانين الجامعات ، بل ما يهم المستثمر ، هو بالأساس إستقرار سياسي ، وحكومة قوية ، والإستمرار في سياسة التقشف وعدم صرف الأموال بدون كوابح وضوابط وبشكل عشوائي ، ونقطة أخرى في غاية الأهمية وهي ، الإحتفاظ بعلاقات جيدة ووطيدة مع صندوق النقد والبنك الدوليين والإتحاد الأوروبي ، وإستقرار وثبات في العلاقات مع أمريكيا وإسرائيل وأوروبا ، ومن هنا فإنه منذ عام 2002 ، عام تولي حزب العدالة والتنمية السلطة ، وهو يحافظ على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية القوية وقوى التيار العلماني ، ولكن هناك العديد من الأسئلة المشروعة ، والتي تثار حول المشهد التركي في المدى البعيد ، وخصوصاً في ظل التطورات الإقليمية والدولية ، هل ستتصاعد الأزمة بين المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية من جهة ، وبين القوى والأحزاب الإسلامية من جهة أخرى ، إرتباطا بالجغرافيا الساسية والمصالح البعيدة ، لهذا البلد الهام سياسياً وإقتصادياً وإستراتيجياً لتصل حد المواجهة والإحتراب الداخلي ، أم أن النموذج التركي سيثبت قدرته على الإستمرار من خلال الآليات الديمقراطية والدستورية ، وهاتان المسألتان رهنً ، بمدى قدرة الحركة الإسلامية على التكيف مع النظام العلماني الذي يحرسه الجيش من جهة ، ومن جهة أخرى على مدى قدرة القوى العلمانية على التكيف مع حقيقة ، أن التيارات الإسلامية هي مكون طبيعي في نسيج المنطقة ، وتعبيرات شعوبها السياسية ، وينبغي التعامل معها من هذه الحقيقة ، وخارج منطق القهر والرفض المسبق الذي يمكن ، أن يقود إلى ان هذه التيارات تقوم بتنحية المعتدلين وهو ما ينذر بأزمات أشد خطورة .
|
الاسم : * | |
البريد الالكتروني : | |
التعليق : * |
بقي لك 500 حرف
|
رمز التحقق : |
تحديث الرمز
أكتب الرمز :
|
برمجة واستضافة